يبدو أن بعض ضباط الشرطة فى محافظة أسوان لم ينتظروا حتى تتحول مصر إلى ملكية وقرروا أن يبدأوا مبكرا بمعاقبة المفطرين جهارا فى رمضان، قبل حتى أن تنشئ وزارة الداخلية رسميا وحدة خاصة لعمليات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على غرار مطاوعة الشقيقة الملهمة السعودية. الأنباء الواردة من أسوان لم تبشرنا بأن أسوان أمست محافظة خالية من الفقر والجريمة والعنف، وبات خازن بيت المال يمشى فى مناكبها بعد صلاة العصر فلا يجد مستحقا لزكاة المال، ولا مظلوما يبغى رد مظلمته، وبناء عليه قرر حماة الأمن فى أسوان أن يدخلوا الجنة قبل حركة تنقلات الداخلية القادمة، ويباشروا اصطياد الفسقة المجاهرين بالإفطار من أبناء أسوان الذين اتضح أن عددهم كبير جدا لدرجة مهولة، 118 شخصا، وفى قول آخر 187 شخصا، وفى قول ثالث أمام وكيل النيابة أدلى أحد المعكوشين بأنه لم يكن مفطرا وحياة النعمة بل كان يشترى علبة عصير لابنه فأمسك به الضابط المؤمن من قفاه واقتاده إلى القسم وحرر له محضرا وألزمه بالغرامة، ولم يتبين فى المحضر مصير الابن ولا فى بطن من رسيت علبة العصير، وهل حرزها الضابط والأمناء وشربوها بعد الإفطار باعتبارها من الغنائم. لم يتبين وأظنه لن يتبين أبدا، هل كان من بين المعكوشين أحد من علية القوم الذين يجاهرون بالإفطار فى سياراتهم الفارهة التى لا يقترب الضباط والأمناء منها عادة احتراما لقوانين المحميات الطبيعية، ولم يتبين لماذا رسيت العملية على أقفية اللامسنودين الذين يمكن لك أن تقبض عليهم بتهمة المجاهرة بالإفطار، أو كتمان السحور، بل ويمكن لك بوصفك ضابطا مؤمنا أن توقف الواحد منهم وتقول له طلع لسانك وورينى إنت صايم ولا لأ، أو تَشُمّ خَلوفَ فَمِه، أو تضع يدك أينما شئت من جسده لتتأكد هل كسر ريقه فى وضح النهار؟، إفعل بهؤلاء ما شئت فأنت تعلم أن أحدا منهم لن يجرؤ أن يفتح فمه ليسألك عن حقوقه الدستورية، أو يصرخ فى وجهك بأن الصوم وحده من بين كل العبادات عمل اختصه الله له وحده فلا تنازع الله فى ملكه سيادتك، وإذا كنت تريد أن تدخل الجنة فلا تدخلها على قفايا، بل ادخلها بنشر العدل والأمان وعدم التشطر على البردعة، ولا تَدّعِ الغيرة على دين يُهان كل يوم عندما تُداس مقاصده التى شرعه الله من أجلها تحت أقدام المفسدين والمتنفذين وآكلى مال النبى. إنه البزرميط يا سادة، حَقّ علينا البزرميط، صرنا سبعين دولة فى قلب بعض، كل منها له دستور ونظرية وسلو وعوايد، لم يعد يوحدنا علم ولا نشيد، بل صار يوحدنا قانون وحيد هو التطرف، صرنا كما قال الشاعر الجاهلى: ونحن أناس لا توسط بيننا.. لنا الصدر دون العالمين ولفقرائنا «الرجلين والرقابى» يعملونها شوربة لكى ينالوا شيئا من رائحة الزفر، لا تسألنا عن الاعتدال فعلاقتنا به توقفت عند «الكام ألف» سيدة اللواتى حملن يوما ما اسم اعتدال، كان اسما يدعو للفخر فصار اليوم إفيها فى أفلام الكوميديا، نعيش فى دولة واحدة تظلها سماء واحدة ويظل عليها رئيس واحد، ومع ذلك فى الزمالك يحصل مزدرو الأديان على جائزة الدولة التقديرية، وفى أسوان يساق المفطرون دون هوادة إلى الكراكون، وفى الساحل الشمالى أو الشمال شرقى يمكن أن تفطر فى نهار رمضان بفلوسك وتطعم سبعين مسكينا من بين السبعة والثمانين مليونا الذين تسرقهم، وفى مطار القاهرة يمكن أن تغرق مئات الحجاج الفقراء وتخرج من صالة كبار الأغنياء، وفى العيد ستنتقل مصر المؤمنة إلى «إضاعة» خارجية لنشاهد السيد الرئيس والسادة أمراء المماليك وهم يشاركونك عزيزى الصائم بفرحتك عند فطرك، أما بالنسبة لفرحتك عند لقاء ربك فاذكرها فى سرك لكى لا يعتبر أحد هذا الكلام تفسيرا فى وجهه. لا نلوم ولا نشكو، صائمون والله أعلم، ألسنتنا أهيه، بل ومستعدون لأن نجرى وراء عربيات الشرطة فى شوارع أسوان نقفش فى المفطرين ونجرسهم: يا فاطر رمضان يا خاسر دينك، كلبتنا السوده تقطع مصارينك، لكن هل نطمع يا مشايخ الداخلية دام فضلكم أن تؤجلوا حماية السنة ومحاربة الشيعة وعكش الفاطرين، وتبدأوا بتطبيق حد الحرابة على المفسدين فى الأرض، خاصة أن عددهم لن يكون كبيرا كعدد المفطرين فى أسوان، ولن يستلزم الأمر خبط مشوار لحد أسوان للقبض عليهم، ولا لعربيات أتارى تلف وراءهم فى عز الحر، كل المطلوب «بوكس كبير» يقف بضهره أمام باب قاعة المؤتمرات فى نوفمبر المقبل. مدفع الفساد.. إضرب. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]