هل فعلا وصل الأمر بالأرض التى كانت «فجر الضمير» حتى قبل نزول الديانات السماوية بقرون إلى أن تأخذ وزارة الداخلية المصرية على عاتقها المهمة الجليلة للقبض على المجاهرين بإفطارهم فى نهار رمضان! يبدو أن هذا هو ما وصلنا إليه بالفعل بعد أن ذاع خبر الحملة التى تقودها الوزارة فى محافظة أسوان تحديدا. ولا تسألوا لماذا أسوان من بين باقى المحافظات المصرية فالأرجح أن هذه مجرد حملة تجريبية سيتم تعميمها على باقى المحافظات قريبا. الخبر العجيب يقول إن ضباط وزارة الداخلية يجوبون شوارع وميادين محافظة أسوان للقبض على أى مجاهر بإفطاره، وقد أسفرت الحملة (حماها الله) على القبض على 155 مواطنا مشتبه به كان بعضهم يشترى عصيرا لبيته قبل الإفطار. تثير تلك الحملة العديد من التساؤلات، أولها يتعلق بما إذا كانت تلك الحملة تتم بتوجيهات من وزارة الداخلية. ولكن هل من المعقول أن يقرر الضباط من تلقاء أنفسهم القيام بتلك الحملة دون الرجوع إلى الوزارة! وفى كلتا الحالتين فالأمر لا علاقة له بالقانون ولا بحقوق الإنسان فليس هناك نص قانونى يؤيد هذا التصرف الغريب. كما أن تلك الحملة تتجاهل وجود مواطنين غير مسلمين فى المجتمع المصرى. ولا يوجد أى منطق بإمكانه تبرير هذا النهج الترويعى الذى يشهده المجتمع المصرى على أيدى ضباط الداخلية وهى الجهة المنوط بها حماية أمن المواطنين وسلامتهم. هل قررت الحكومة أن المنافسة مع الإخوان المسلمين فى توزيع شنط رمضان من خلال الحزب الوطنى لا تكفى ولابد من المزايدة عليهم بمظاهر تقوى مبالغ فيها ولا علاقة لها بجوهر الدين؟ ولكن على حد علمى لم يتطاول الإخوان على مواطنين مصريين، مسيحيين أو مسلمين، بمثل هذا التصرف الفج من قبل. هل تتنافس حكومتنا مع السعودية متناسية أنها دأبت فى الفترة الأخيرة على التقليص من سلطات «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»؟!.. أم تزايد على منطق الجماعات الجهادية فى السبعينيات التى أعلنت توبتها على أيدى وزارة الداخلية نفسها ونشرت مراجعاتها على الملأ؟! كما تطرح هذه الحملة تساؤلات حول دور الشرطة والأمن المصرى: هل انتهت وزارة الداخلية من القبض على المجرمين والقتلة فتفرغت لمحاكم تفتيش الأخلاق الحميدة؟ هل ساد الأمن والأمان الشارع المصرى فخلا من البلطجية والمتحرشين الذين يتعرضون للنساء جهارا نهارا بغض النظر عن ملبسهن؟ هل استتب أمر الميكروباصات التى تلوث شوارع مصر بأسوأ أنواع العوادم التى تسبب للمصريين أمراضا قاتلة؟ هل تم القبض على تجار المخدرات الذين يدمرون ثروة هذا البلد الحقيقية؟ وحتى لو كانت وزارة الداخلية قد أدت كل هذه المهام فأصبحنا نعيش بجد فى بلد آمن، فليس من حقها ولا من حق ضباطها أن يقيموا محاكم تفتيش مثل تلك التى كان منوطا بها مطاردة السحرة والساحرات فى أوروبا فى العصور المظلمة، وهى الحملة التى اختلط فيها الحابل بالنابل فكان كل من يحمل ضغينة لجاره يقوم بالإبلاغ بأنه يمارس السحر والشعوذة ولم يكن هناك من سبيل للتأكد من كون هذا المتهم يمارس السحر بالفعل أم أنه كان مداويا بالأعشاب مثلا. لقد كانت تلك الحقبة من التاريخ الأوروبى شاهدا مخزيا على تخلف القارة الأوروبية وقت أن كانت حضارة الأندلس الإسلامية منارة العلماء والفنانين التى علمت أوروبا وانتشلتها من غياهب الظلمات. والآن انقلب الحال فغرقنا نحن فى عصر الظلمات. هل اختفت «طيور الظلام» بتراجع الجماعات الإرهابية كى تظهر مرة أخرى فى لباس رسمى أبيض وعلى الأكتاف النسر، رمز الشموخ المندثر؟!