نشرت جريدة الأهرام يوم الأحد الماضي 15 أغسطس في صفحة الحوادث خبرًا عن الجولات التفقدية الرمضانية التي يقوم بها السيد اللواء إسماعيل الشاعر مساعد أول وزير الداخلية لقطاع أمن القاهرة، والخبر في عمومه عادي، فالرجل دائم التجوال في شوارع العاصمة من أجل تطبيق القانون وتحقيق الانضباط في الشارع المصري، وهذا جهد محمود ومشكور، ولأني من سكان وسط البلد ألاحظ يوميا انقلاب حالة الشارع من الفوضي إلي الانضباط والنظام لمجرد المرور العادي المتوقع للواء إسماعيل الشاعر، فالرجل لا يتهاون في تطبيق القانون، ومن الطبيعي في الأيام الأولي لرمضان أن تزداد هذه الجولات التفقدية للواء إسماعيل الشاعر لمواجهة الاضطراب الذي يشهده الشارع في الشهر الفضيل، لكن اللافت للنظر في الخبر المنشور في جريدة الأهرام عنوان الخبر الذي يقول: «إحالة سائقين للنيابة بتهمة التدخين في نهار رمضان»، وفي متن الخبر: «وقد قام اللواء الشاعر بتطبيق القانون علي المدخنين المفطرين في شهر رمضان، وإحالتهما إلي النيابة عندما لاحظ سير سيارتين ميكروباص متجاورتين بمنتصف الطريق ويقوم قائديهما بتبادل السجائر بالتناوب بينهما من شباك السيارتين". لقد ارتكب السائقان مخالفة حقيقية أهم من تدخينهما السجائر، أو تبادلها، في نهار رمضان، وهي مخالفة تعطيل حركة المرور، إذا دخن السائقان في نهار رمضان فلن يضر هذا أحدا غيرهما، دينياً، وإذا دخنا في أي نهار فهما المضاران بالدرجة الأولي دنيويا، إلا إذا كان في الميكروباص وهو وسيلة نقل عام ركابا من غير المدخنين، فهم أيضا مضارون من تدخين السائق، وكان من الممكن أن يحيل مدير أمن العاصمة السائقين إلي النيابة العامة بتهمة التدخين في وسيلة نقل عام، أو يحيلهما إلي النيابة بتهمة تعطيل حركة السير في الشارع بسيرهما متجاورين ببطء بمنتصف الطريق، مما يعيق حركة السير، وهي مخالفات صريحة يعاقب عليها القانون بوضوح، وهي مخالفات متكررة كل يوم في شوارعنا، فالتدخين في وسائل النقل العام يتكرر علي مدار العام دون حساب، وتعطيل سير المرور لتبادل السجائر، أو لتبادل الحوار، أو للسؤال عن «الفكة»، يحدث كل يوم وكل ساعة، فهل إذا حدث هذا في شوال أو في ذي الحجة أو في رجب لن يحاسب السائقين المخطئين؟ تعيد هذه الواقعة إلي الأذهان ما نشرته الصحف في رمضان من العام الماضي عن قيام عدد من ضباط الشرطة في بعض مدن محافظة أسوان من ملاحقة المفطرين في الشوارع وتحرير محاضر «جهر بالإفطار» لهم، ثم دفاع مصادر في وزارة الداخلية عنهم في مواجهة الانتقادات التي تعرضوا لها علي اعتبار أنهم يطبقون نصوص القانون. كما تعيد للأذهان أيضاً ما تردد علي بعض مواقع الإنترنت منذ عدة شهور حول قيام بعض الضباط في مدينة الغردقة بملاحقة الفتيات اللاتي رأي السادة الضباط أنهن يرتدين ملابس غير ملائمة من وجهة نظرهم، وتحرير محاضر لهن. وتعيد للأذهان أيضا مصادرة الشرطة لبعض الأعمال الأدبية باعتبارها خارجة عن الآداب وإحالة مؤلفيها وناشريها للمحاكم. قد تكون نصوص القانون تحمل في طياتها مواد أضيفت في غفلة من الزمن، تحاسب المجاهر بالإفطار، لكنها نصوص تتعارض بشكل واضح مع الدستور ومع مواثيق حقوق الإنسان، التي تجعل من حرية العقيدة قيمة عليا، كما أنها نصوص قانونية تدخل في صميم ضمائر البشر وتحاسبهم علي الأمور التي لا يحاسبهم عليها إلا الله سبحانه وتعالي، والصيام من بين العبادات والفرائض، عبادة وفريضة لا تعرف الرياء، فالصائم لا يصوم للناس، ولا يطلع علي سريرته وحقيقة صيامه إلا الله، وملاحقة الشرطة للمفطرين فضلا عن أنها تعد علي الحرية الشخصية، فإنها تشجيع علي الرياء الاجتماعي، فلو أخفي المفطر حقيقة أمره خوفا من الشرطة لا مخافة لله فهذه قمة الرياء. خلاصة الأمر أننا أمام ظاهرة خطيرة تتحول فيها مؤسسة مدنية من أهم مؤسسات الدولة، هي جهاز الشرطة، إلي ما يشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلي هيئة تقوم بعمل المطوعين، في ملاحقة من تراهم خارجين علي الدين، الأمر الذي يخرج بالضرورة عن اختصاصها ويضرب في أسس الدولة المدنية في مصر. وإذا كانت أحداث العام الماضي في أسوان قد قام بها بعض الضباط، فإن ما حدث هذا العام جاء علي يد مدير أمن العاصمة شخصياً، بما لوظيفته التي يشغلها من وضع مهم في جهاز الشرطة، وبما له هو شخصياً من مكانة لدي الكثيرين، الأمر الذي يضيف علي الحدث أبعادًا جديدة.