تلقيت اتصالات ورسائل عديدة أمس، تعليقاً على مقالى هنا بعنوان «حكومة المجارى».. معظم السادة القراء عبروا عن سعادتهم وتفاعلهم مع حملة «المصرى اليوم»، ورغم أن بعضهم أبدى خوفاً من تأثير زراعات «الصرف» على الصحة العامة، فإن اللافت فى ردود الفعل أن القارئ يرى أن الصحافة المصرية بحاجة ماسة إلى تعميق ولائها للمواطن، وتوطيد علاقتها بقضاياه ومشاكله، بعد عقود طويلة من خدمة النظام الحاكم وأجهزته ورجاله. حملة «المصرى اليوم»، التى فجرها الزميلان على زلط ومتولى سالم، وأسهم فيها زملاء آخرون بالجريدة، كشفت لنا حقائق عدة: أولاها وأهمها أن أقصر طريق إلى عقل وقلب المواطن المصرى هو المصداقية والنزول إليه أينما كان وحينما تعز عليه الشكوى.. فقد اعتاد هذا الإنسان البسيط أن يعيش متوائماً مع الواقع الذى يختاره له الآخرون.. ومهما ضاقت الحياة يظل المصرى حالماً بيد تمتد إليه، فى ظلمة الليل، يد تربت على كتفه، وتمنحه القدرة على مواجهة المخاطر، وللأسف فإن الصحافة المصرية لم تقم بهذا الدور على مدى نصف قرن كامل من خداع المواطن، وتبرير إخفاقات الحكام.. لذا فليس غريباً أن تحقق صحف الخداع والتبرير معدلات قياسية فى تراجع التوزيع، وتدنى التأثير والمصداقية.. وليس غريباً أيضاً أن تصعد الصحافة الجديدة إلى المقدمة، بعد أن حطم القارئ «أصنامه» العتيقة، التى عاش فى «حجرها» عقوداً طويلة، باعتبارها صحافة بلاً بديل، وصحفاً بلا منافس. الحقيقة الثانية التى باتت أكثر وضوحاً فى حملة «الرى والزراعة بالمجارى» هى أن الحكومة الحالية تختلف عن الحكومات السابقة فى رؤيتها لدور الصحافة، وتعاملها مع الرأى العام بصفة عامة.. وبموضوعية شديدة، فإن الحكومات اعتادت واعتدنا معها أن تترك الصحافة تصرخ وتكشف وتفضح دون أن تحرك ساكناً، وكأنها ليست معنية بالأمر.. قليل من التجاهل، وكثير من «الاحتقار».. غير أن الحكومة الحالية سجلت سابقة لابد من رصدها، إذ كانت الاستجابة لحملة «المصرى اليوم» سريعة وإيجابية.. لم تخجل الحكومة من الاعتراف بأن مشكلة الرى بمياه الصرف الصحى موجودة وقائمة.. لم تخرج علينا - كعادة الحكومات السابقة - فى اليوم التالى بنفى وهجوم كاسح على «المصرى اليوم»، وإنما قالت: نعم.. ثمة مشكلة.. ولابد من حلها!! ولم تكن هذه هى المرة الأولى.. فلابد أنكم تذكرون الاستجابات اليومية من الأجهزة المسؤولة لحملة «من أجل مصر نظيفة» التى تواصل «المصرى اليوم» نشرها منذ عدة أشهر.. وهى أيضاً تمثل أسلوباً جديداً فى تعاون الحكومة مع الصحافة الحرة، التى كانت تتهم منذ عدة سنوات بأنها تعمل ضد مصالح الوطن، وتتآمر على الشعب. والسؤال: هل يمثل ذلك تغييراً مهماً فى عقلية الحكومة.. أم فى دور ورسالة الصحافة الجديدة؟!.. فى ظنى أن التغيير طرأ على الطرفين.. الصحافة باتت ملكاً للقارئ، وليس النظام.. والحكومة أصبحت تدرك ذلك، فتعمل ألف حساب للرأى العام.. وبدلاً من «الضحك عليه» فى الماضى بمانشيتات وصحف الحكومة، بات عليها أن تتحرك، وتستجيب، وتعترف، وتناقش القارئ، لأن الصحف صحفه.. وليست صحف الحكومة!! هل عرفتم.. لماذا تراجعت الصحف القومية «الحكومية».. ولماذا تفكر حكومة د. أحمد نظيف بواقعية وايجابية وانفتاح على تحولات العصر؟! [email protected]