«إحنا فعلاً إزاى ما سألناش جمال مبارك، ومن معه انتم مين.. وبتعملوا إيه.. وقاعدين ليه هنا.. هى دى بلدنا ولّا بلدهم.. أول مرة أقتنع إن إحنا مكبرين دماغنا.. بس تكبير الدماغ ينفع فى حاجات كتيرة إلا البلد والمستقبل».. كلمات عفوية قالها لى شاب يتدفق بالحيوية والذكاء، تعليقاً على مقالاتى الثلاث هنا خلال الأيام السابقة.. الشاب الذى استوقفنى فى الطريق تناقش معى كثيراً بوعى متقد.. ولكنه أنهى كلامه بعبارة شديدة الخطورة «هوه إحنا من إمتى بنسأل وبنحاسب.. إحنا بنتكلم مع بعض بس.. نشكو ونبكى دون أن نتحرك.. والله عندك حق.. إحنا لازم نتغير»!! لم يكن هذا الشاب هو الوحيد الذى تلقيت تعليقه.. إذ وصلتنى رسائل واتصالات عديدة، تؤكد أن الشعب المصرى له وجهة نظر فيما يحدث، ولكنه بحاجة إلى نخبة واعية تقوده نحو التغيير.. وللأسف، فإن هذه النخبة غائبة الآن، سواء فى الأحزاب أو النقابات أو المجتمع المدنى بالكامل.. هذا مثلا ما يؤمن به خليل حسين - باحث أكاديمى - حيث قال فى تعليقه المقتضب إن فساد النخبة فى مصر بات ينافس فساد الحكم.. والأخطر أن الشخصيات العامة النظيفة آثرت العزلة وأغلقت الأبواب على نفسها، وكانت النتيجة أن رموز المصالح والفساد هم الذين استحوذوا على كل شىء، بل تحول بعضهم إلى «قدوة» للأجيال الجديدة، وما أخطر ذلك على مستقبلنا. ثروت عبدالحميد، مهندس، يتفق ويختلف معى: «أنت كتبت أن الحاشية المحيطة بجمال مبارك فاسدة، وأن بعضهم أساء إليه سواء من رجال الأعمال أو الصحفيين، أنا أتفق معك، بل أزيد أن بعضهم كان وراء تسميم الأجواء السياسية فى مصر، بينما حقق آخرون ثروات ضخمة، ولكننى أرى أن جمال مسؤول عنهم كلهم، ولا ينبغى أن «نشفق» عليه، بل لابد أن نرثى لحالنا نحن، فالرجل ناضج وعاقل، ويدرك جيداً ماذا يفعل، وليس من المعقول ولا المنطقى أن تعرف مصر كلها أن المحيطين به فاسدون، وهو لا يعرف.. أما قولك إنه يحكم حالياً ومنذ سنوات، فهو الواقع بعينه، وجزء من المسؤولية يقع على عاتقنا، لأننا لم نسأله - كما قلت - من أنت.. ماذا تفعل.. ولماذا تجلس هنا؟!.. ومن تغضبه هذه الحقيقة يدفن رأسه فى الجير الحى وليس الرمال!! «عمرو...» من الحزب الوطنى، اتصل بى غاضباً.. اتهمنى بالتآمر ضد جمال مبارك والحزب.. وحين هدأ.. سألنى: لماذا رحب العالم كله بقيادة الشاب باراك أوباما للولايات المتحدةالأمريكية.. وما الفارق بينه وبين جمال؟!.. ول«عمرو» أقول إن الأمريكيين يختارون رئيسهم بحرية تامة، وإن أصواتهم لا تباع ولا تشترى ولا يتم تزييفها.. ثم دعنى أقل لك - وهذا هو الأهم - من هو «باراك أوباما»، وسأترك الحكم لك: ولد فى هونولولو «هاواى» لأب كينى وأم أمريكية بيضاء، وحصل على بكالوريوس فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة كولومبيا فى نيويورك، وفور تخرجه عمل فى المجال الأهلى ومساعدة الفقراء والمهمشين، كما عمل كاتباً ومحللاً مالياً لمؤسسة «بزنس إنترناشيونال كوربوريشن»، عمل مديراً لمشروع تأهيل وتنمية أحياء الفقراء بشيكاغو، ثم حصل على شهادة القانون من كلية الحقوق جامعة هارفارد، وسريعاً أصبح محاضراً فى جامعة شيكاغو. دخل عالم السياسة من «الباب الشرعى».. فخاض انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوى، وأصبح أول سيناتور ديمقراطى عن الولاية، والأمريكى الوحيد من أصول أفريقية فى مجلس الشيوخ، وفى فترة دراسته الجامعية كان يكتب مقالات فكرية وسياسية حول مستقبل أمريكا كما يؤمن به، وفى 27 يوليو 2004 ألقى فى مؤتمر الحزب الديمقراطى خطاباً أسطورياً بعنوان «جرأة الأمل»، فتركزت الأضواء على هذا الشاب الكاريزمى الذى أصدر كتاباً فيما بعد بالاسم نفسه، حمل رؤية شديدة العمق لمستقبل الأمة بالكامل، ثم دخل البيت الأبيض لتحقيق هذا الحلم بعد عقدين كاملين من الدراسة، التكوين، العمل السياسى المتدرج، والقبول الشعبى لكل ما ينطق به. طوال هذه الفترة.. كان «أوباما» يتكلم بإخلاص عن مستقبل أمريكا.. والأهم أن من أحاطوا به، وعبروا عن أفكاره، كانوا يتكلمون بنفس الإخلاص عن مستقبل أمريكا.. هل تريد المزيد يا «عمرو».. أم فهمت الآن؟! [email protected]