طول الانتظار.. ولا حفرة النظام الأخ الجميل / بلال فضل تحية طيبة وبعد.. سأزيدك من الشعر بيتاً، إذ لم يقابلنا أحد من المسؤولين خلال الثلاثة عشر عاماً المنقضية، وهى عمر المحاولات الأربعة لتأسيس حزب الوسط، إلاَّ وقال لنا ناصحاً «ماتشتغلوا» «انتو مابتشتغلوش ليه» «لو اشتغلتوا ماحدش حيقرب منكم»، وغير ذلك من عبارات النصح الخبيث، حتى إن بعضهم ضجَّ منا بالشكوى، وكتب فينا تقريراً أمنياً مستفزاً، نشرته جريدة الفجر منذ أسبوعين، يعتب علينا فيه أن ليس لنا تشكيلات تنظيمية ولا خلايا ولا مصادر تمويل غنية، وبالتالى فينبغى رفض حزبنا!! والحقيقة يا أخى أنه منذ اليوم الأول لتأسيس الوسط - يناير 96 - وأعينُنَا على التجارب حولنا، نرصد من وقعوا فى هذا الفخ العظيم، أو تلك الحفرة السحيقة، ممن سبق لهم أن صَدّقُوا هذا النظام المستبد الخبيث، و.. اشتغلوا.. دون رخصةٍ قانونية، وقد كان فى مكنتهم ذلك، فسهُل صيدهم وحصارهم، وانتهاك حرماتهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، بل وأصبحوا مادةً إعلاميةً يومية، لا فى أبواب السياسة والثقافة، ولكن فى صفحات الحوادث، يُقبض على عشرة، ويُعتقل خمسةٌ وعشرون، ويُمدَّد حبس خمسين، ويُحال إلى المحكمة العسكرية سبعون، وهكذا تتضاعف الأعداد، وليصبحوا مادةً يوميةً، تُستخدم فزَّاعة أمام الداخل والخارج، ولأجلهم تُسَنُّ مزيدٌ من القوانين سيئة السمعة، يُدار بسببها باقى المواطنين، ممن لا ينتمون إلى هؤلاء ولا هؤلاء، خارج الحفرة، ولكنهم يدفعون ضريبة نظامٍ خبيث يتعارك مع مجموعةٍ داخل حفرة بدعوى أو بزعم أنها معركة بين الشرعية واللاشرعية. إننى لا أنسى، يا أخى، أن بداية هذا التخطيط كان من الرئيس مبارك شخصياً، حين قال للحاج حسن الجمل، رحمه الله، فى عام 1985م وقت أن كان نائباً فى البرلمان عن الإخوان المسلمين على قائمة الوفد: «ماتشتغلوا» «انتو مابتشتغلوش ليه» «لو اشتغلتوا ماحدش حيقرب منكم»، فخرج الحاج حسن الجمل الطيب البشوش فرحاً ينبئُ إخوانه بتلك البشرى، وما هى ببشرى، ولكنها حفرةٌ عظيمة أوصَلَتْ الوطن إلى حالةٍ من النزاع اليومى بين فريقين لا يمثلان، على أحسن الفروض، أكثر من 1% من الشعب المصرى، وباقى الشعب يدفع الثمن يومياً، مع العلم أن هذه هى المقابلة الوحيدة التى تمت بين الرئيس وواحد من الإخوان، ويبدو أنها كانت كافية!! أخى الفاضل، إن النظام الحاكم لا يستطيع أن يفكر خارج تلك الدائرة الخبيثة الجهنمية، وقد أدمَنَ التعامل مع الكيانات السرية غير القانونية، خاصةً أن تلك الكيانات قد افتقدت كثيراً من التعاطف الشعبى بسبب عزلتها، ومن تعاطف النخبة بسبب إصرارها على أفكارٍ وآراءٍ مهجورةٍ ومنكورةٍ فى الفقه الإسلامى الراجح، ويبدو ذلك فى الاستغاثات الصادرة من قادتها مؤخراً للنخبة والقوى السياسية «أن أغيثونا»!! ولكن أحداً لا يستجيب. إن تلك الحفرة بداخلها كثيرٌ من الناس الصالحين الطيبين الصادقين، ولكنهم لا يرون أحداً إلاَّ أنفسهم فقط، ولا يسمعون إلا ذواتهم فقط، ويعتقدون بذلك أنهم مركز الكون، وهم معذورون فى هذا الفهم، لأنهم محاصرون، مقطوعةٌ عنهم كل سُبل التواصل والحياة، وبعضهم لا يحتمل قليلا من النقد، ومؤكد أن هذا البعض سيتولى شتمى وشتمك- وليس الرد الموضوعى المحترم- بعد قراءة هذا الكلام. وهكذا أصبح الشغل الشاغل للنظام هو مواجهة هؤلاء القابعين المعزولين داخل الحفرة السحيقة، وفى المقابل أصبح الشغل الشاغل لهؤلاء الطيبين الحفاظ على أنفسهم وتنظيمهم بل.. وحفرتهم!، ومع طول الأمد احتلت الحفرة فى أذهانهم وأولوياتهم وأجندتهم اليومية مكان ومكانة الوطن ومصالحه العليا التى قد تقتضى بعضاً من العقل والحكمة فى مواجهة نظام متسلط جبار، وهكذا سار الفريقان كلٌ فى طريقه، وضاع الوطن. إننا ياأخى مُصِّرونَ على كسر تلك المعادلة الخبيثة، وصناعة معادلة جديدة، نتقدم فيها للناس وللدنيا ببرنامجٍ واضحٍ ظاهر، ومؤسسونا من أطياف الشعب المصرى كله، رجاله ونسائه، مُسلميه وأقباطه، يعملون من خلال القانون، ويقبلون بالحوار، ويؤمنون بالحرية، ويرفضون العنفَ والإرهابَ، والاحتكار والفساد، ويرفضون التدخل الأجنبى بكل صورهِ وأشكالهِ، ويُعلون من شأن الوطن، ويَنصَبُّ كل اهتمامهم على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ويتخلصون من الثأرات التاريخية وتصفية الحسابات الفكرية والمذهبية والشخصية، وسوف نواصل مشوارنا، مع بقية سكان مصر الأصليين، وفقاً للدستور والقانون- حتى وإن كان بهما عوار- ولن تنزلق أقدامنا إلى حفرةٍ جديدة يُريدها لنا نظامٌ خبيث، فلسنا من النوع الذى يُكَرِّرْ الأخطاء، كمن صُفِعَ على قَفاهُ ست عشرة مرةً سهواً..!! مع خالص الشكر والتقدير عصام سلطان المحامى * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]