أعتقد أنه من واجب الأكاديميين العرب أن يقدموا العون المعرفى للرئيس والمفكر الاستراتيجى الأمريكى باراك أوباما. إن الرجل يحاول إقامة جسور للتفاهم بين الحضارة الغربية المسيحية والحضارة الإسلامية الشرقية. ولقد استطاع أن يضع يده على أحد المفاتيح الرئيسية للعلاقات المعقدة بين الطرفين، وهو الظلم القومى الفادح الذى نزل بالشعب الفلسطينى نتيجة للتحيزات الغربية للمشروع الصهيونى، ثم لدولة إسرائيل. إن ملامح المشروع الذى يعده أوباما حالياً للسلام لا تعكس إدراكاً كاملاً لحق الشعب الفلسطينى، الذى يجسد خلاصة التطور السلالى والحضارى على الأرض الفلسطينية، الذى يحمل ملامح وسمات الشعوب السامية التى نص سفر يشوع على أسمائها وممالكها التى حار بها بنو إسرائيل طبقاً لهذا السفر عند دخول فلسطين. إن هذه الشعوب تشمل الكنعانيين والأموريين والحيتيين واليبوسيين والفرزيين والفلستيين والحويين وغيرهم. إن التحيزات الغربية حاولت إلغاء وجود هذا الشعب على الأوراق الدولية الخاصة بدولة الاستعمار البريطانية وفى صك انتداب تمهيداً لإلغاء وجوده المحسوس والراسخ على الأرض، ولقد وصلت المأساة إلى قمتها عام 1948 عندما مكن العالم الغربى المهاجرين اليهود من الاستيلاء على ما يقارب 21 كيلو مترًا مربعًا من أرض فلسطين التى تبلغ مساحتها حوالى 27.5 كيلو متر مربع. هنا يبدو الجهد الدولى الغربى الذى يساوم العرب على المساحة المتبقية فى الضفة وغزة التى تقارب 6500 كيلو متر مربع والمخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية بمثابة الامتداد للتحيزات الغربية الظالمة. إن حجم التحيز الغربى المتواصل منذ القدم يظهر اليوم فى الأفكار المتداولة عن مشروع السلام، فهناك حديث عن تعديل حدود 1967 أى أن المساحة التى يجب أن تقام عليها الدولة الفلسطينية ستقل عن مساحة الضفة وغزة. وهناك حديث عن التنازل من جانب اللاجئين عن حق العودة إلى الديار الأصلية التى احتلتها إسرائيل عام 1948 تحت شعار «يهودية دولة إسرائيل»، وهناك حديث عن وجود رمزى للعرب فى القدس. لقد بدأ هذا التحيز الغربى بالأفكار التى أطلقها المفكرون البروتستانت عن عصر الخلاص المسيحى فى القرن السادس عشر، التى عبرت عن نفسها فى الأحلام الألفية، ثم اندمجت مع المصالح الاستعمارية الغربية والرغبة فى التخلص من الفائض السكانى اليهودى وزرعه بعيداً عن أوروبا الغربية على الشاطئ الجنوبى للبحر الأبيض. لقد كان نابليون بونابرت أشهر وأول المسيحيين الذين تحمسوا لتوطين اليهود فى فلسطين، تأثراً بالأفكار البروتستانتية من ناحية، ورغبة فى دعم مشروعه الاستعمارى فى الشرق من ناحية ثانية. لقد أصدر بونابرت حين قام بغزو مصر واحتلالها عام 1798 بياناً يستحث فيه يهود آسيا وأفريقيا على مساعدته ويقول فيه: «أعينونى على بناء دولتكم القديمة»، لقد كرر نابليون هذا النداء عند قيامه بمحاصرة عكا وعندما عجز عن فتحها أصدر بياناً يطالب فيه اليهود بمساندته قائلاً: «يا ورثة فلسطين الشرعيين، أدعوكم للمساهمة فى السيطرة على بلادكم، من أجل بناء أمتكم ولكى تصبحوا أسياد فلسطين الحقيقيين». إن هذين البيانين يكشفان بوضوح عن رغبة القوى الاستعمارية المبكرة فى استخدام اليهود كجيش عامل فى خدمة الاستعمار الفرنسى قبل ظهور الحركة الصهيونية بقيادة تيودور هرتزل بقرن كامل من الزمان مع انعقاد مؤتمر بازل عام 1897. لقد امتزجت هذه الأهداف الاستعمارية المكشوفة مع مفهوم العصر الذهبى للخلاص المسيحى الذى يقتضى هداية اليهود إلى المسيحية عن طريق توطينهم فى فلسطين تمهيداً لظهور المسيح الذى سيحكم العالم هو والقديسون لمدة ألف عام يسود فيها السلام. إذن لقد حكم على الشعب الفلسطينى المستقر على أرضه على مدى العصور كمزيج سلالى وحضارى للشعوب السامية والبحرمتوسطية التى استوطنت فلسطين منذ القدم، بأن يكون ضحية يتم ذبحها على مذبح هذا المزيج من الأفكار الدينية الاجتهادية وبين الأطماع الاستعمارية. لقد عاودت الأطماع الاستعمارية عملها مع وزير الخارجية البريطانى المسيحى اللورد بلفور الذى أصدر وعداً فى 8 نوفمبر 1917. لقد جاء هذا الوعد فى صورة رسالة إلى اللورد اليهودى روتشيلد تقول: «يسعدنى أن أنهى إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالى تعاطفاً مع أمانى اليهود الصهاينة التى قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وسوف تبذل ما فى وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شىء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة فى فلسطين أو بالحقوق والأوضاع القانونية التى يتمتع بها اليهود فى أى دولة أخرى». ونلاحظ هنا، سيادة الرئيس أوباما، أن الاستعمار البريطانى قد أطلق على الجماعات اليهودية المنتشرة فى أنحاء الدول الأوروبية صفة الشعب، فى حين أنه لم يطلق على الشعب الفلسطينى الباقى على أرضه لألوف السنين هذه الصفة وسماه «الجماعات غير اليهودية». مرة أخرى يتبلور التحيز الغربى ضد الشعب الفلسطينى بهذا المزيج من الأفكار الدينية والأطماع الاستعمارية الراغبة فى توظيف اليهود لخدمتها وإبعادها عن أوروبا. هنا أرجو أن نلاحظ أن تعهد بلفور بعدم المساس بالحقوق المدنية للشعب الفلسطينى المسمى فى الوعد ب«الجماعات غير اليهودية» قد تم نسيانه مع الزمن بتمهيد الوضع من جانب بريطانيا لتشريد الشعب الفلسطينى. لقد بدأ هذا التمهيد البريطانى باستصدار صك انتداب بريطانيا على فلسطين من عصبة الأمم عام 1920. هنا يظهر التحيز وتعمد إيقاع الضرر بالشعب الفلسطينى. إن الغاية الأصلية لانتداب أى قوة عظمى للإشراف على أحد الشعوب كانت طبقاً للمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم مساعدة هذا الشعب على ممارسة حق تقرير المصير والحصول على الاستقلال. ولكننا نصاب بالفزع عندما نقرأ صك الانتداب ونجده يعد شعباً آخر غير الشعب المالك للأرض والموجود عليها بحقوق لا وجود لها على أرض الواقع. لقد نص صك الانتداب فى المادة الثانية على ما يلى: «سوف تهيئ حكومة الانتداب الظروف السياسية والإدارية والاقتصادية التى تؤدى إلى إنشاء وطن قومى لليهود». لقد تضمن الصك وعد بلفور البريطانى لليهود لتلزم به بريطانيا المجتمع الدولى، وبناءً عليه تم تعيين وزير بريطانى يهودى هو هربرت صمويل كأول مندوب سام لبريطانيا لتسهيل تنفيذ وعد بلفور عن طريق تشجيع الهجرة اليهودية وتمكين المنظمات الصهيونية من السيطرة على فلسطين وقمع الثورات الفلسطينية ووصمها بالإرهاب. سيادة الرئيس أوباما: إن تاريخ التحيز الاستعمارى الغربى المتحالف مع أصحاب الأحلام الألفية فى العالم المسيحى الغربى يستحق منك الاهتمام إذا أردنا حقاً معالجة العلاقات المعتلة بين الحضارة الغربية المسيحية والحضارة الشرقية الإسلامية، وأن نقيم سلاماً عادلاً يصحح هذا الظلم التاريخى.