وقع برنامج حزب الوسط ولائحته وقائمة مؤسسيه على لجنة الأحزاب السياسية موقع الصدمة، إذ لم تجد اللجنة بأعضائها الأكابر أميز من هذا البرنامج، الذى وصفته محكمة القضاء الإدارى -ممثلة فى هيئة المفوضين- بأنه برنامج متميز عن كل برامج الأحزاب القائمة، وذلك من جميع الوجوه، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى تناول البرنامج وفهمه لطبيعة أحكام الشريعة الإسلامية جاء متميزاً للغاية، وزاد من تلك الصدمة أن كاتب التقرير هو مستشار قبطى اشتهر عنه النزاهة والحياد، وبعده عن الميل والهوى، وهو المستشار نزيه فريد تناغو. وضاعف من الصدمة أضعافاً مضاعفة ما تضمنته لائحة مؤسسى «الوسط» من حوالى 400 امرأة بما يمثل 30٪ من مجموع المؤسسين، أما ما أفقد اللجنة صوابها وعقلها تماماً فهو تضمن لائحة المؤسسين أكثر من 20 قبطياً من المصريين المحترمين الذين يشغلون أكبر المراكز العلمية والاجتماعية، فمنهم العالم والمهندس والطبيب وأستاذ الجامعة. أمام تلك الصدمة، التى أفقدت اللجنة توازنها، كان لابد لها أن تترك -وهى تنوى الرفض- البرنامج برمته، وأن تتكلم عن برنامج آخر، وأن تترك المؤسسين المائتين بعد الألف، وتتناول آخرين، بمعنى أصح، أن تترك الملف الذى أمامها المقدم بتاريخ 20/5/2009، وأن تهرب إلى الخلف كثيراً لتبحث ملفات أخرى، وهذا هو ما فعلته اللجنة، فبدت أمام كل من قرأ قرارها برفض الوسط عارية عن كل ما يستر سوأتها، منفصمة الشخصية والكيان، متضاربة، هاربة. أما الهروب الأول: ففى معرض رد اللجنة على تقرير السيد الأستاذ المستشار مفوض الدولة نزيه فريد تناغو، الذى شهد بتميز البرنامج وجدته، فى هذه الدعوى المنظورة عام 2005، قالت اللجنة إنه يجب الالتفات عن هذا التقرير، لأنه لا يتفق مع ما قضت به المحكمة فى حكمها الصادر من عام 1996 وعام 1998، وهذا الذى أوردته اللجنة هو محض هزل، لأن تقرير المفوضين المذكور يخص دعوى أخرى لا علاقة لها بالدعويين المشار إليهما، وما صدر فيهما من حكمين ليس محل بحثنا. فالتقرير المغضوب عليه الذى كتبه المستشار نزيه فريد تناغو، ويشهد فيه بتميز الوسط كتب فى عام 2005، ولم يقدم فى الدعويين اللتين انتهتا تماماً بحكمين نهائيين قبل كتابته بسبع سنوات فى إحداهما وتسع سنوات فى الأخرى! والسؤال للجنة الأحزاب السياسية، التى تضم أحد أساتذة القانون، وثلاثة من المستشارين، هو: هل يصح القول بأن تقارير هيئة المفوضين تكتب بعد صدور الأحكام النهائية الباتة أم قبلها؟ وهل يصح نسبة تقرير صدر فى دعوى إلى دعوى أخرى انتهى أمرها منذ سبع أو تسع سنوات؟ أم أنه التدليس والتلبيس اللذان مارستهما اللجنة على النحو الوارد بصفحة 15 من القرار؟ وأما الهروب الثانى: فقد ذكرت اللجنة فى تقريرها أن من أسباب اعتراضها على الوسط هو صغر الخط الذى كتبت به أسماء المؤسسين، ونشرت فى جريدتى «المصرى اليوم» و«الشروق»، وأن هذا الحجم من الخط لا يُرى بالعين المجردة! والثابت أن اللجنة لم تذكر فى تقريرها أنها قد تلقت من أى من الجمهور اعتراضاً على أحد من المؤسسين، كما أن الثابت أنها لم تذكر فى تقريرها أنها قد تلقت من أحد من الجمهور شكوى من صغر حجم الخط، فالجمهور فقط هو صاحب الصفة، وحده دون غيره، فى إبداء الاعتراض أو الشكوى، وكون اللجنة تقوم بنفسها بهذه الشكوى، فإن ذلك يعد من قبيل اغتصاب سلطة الجمهور والتعدى عليها وإسباغ وصف تمثيل الجمهور والتحدث باسمه على لجنة الأحزاب السياسية بغير مسوغ أو مبرر أو سند من القانون. وهو فى النهاية محاولة للتغطية على هروب اللجنة من عملها الأساسى فى قراءة تلك الأسماء قراءة متأنية متفحصة، لا من صفحات الجرائد المعدة للجمهور، ولكن من الثمانى عشرة نسخة المكتوبة بخط واضح والمطبوعة على الكمبيوتر، والمقدمة من المهندس أبوالعلا ماضى. ولو كانت اللجنة قد قرأت تلك الأسماء كما يجب، بما تتضمنه من رموز وطنية عظيمة، لربما كانت غيرت قرارها، ولكنها تركت مهمتها واختصاصها الأصيل، وتعدت على اختصاص الجمهور الذى خذلها، فلم يرسل بثمة اعتراض أو شكوى على أسماء المؤسسين، فاضطرت اللجنة أن تقوم بعملية هروب مفضوحة، فادعت أنها تنوب عن الجمهور الذى هو 80 مليوناً، لتتحدث باسمه وتشتكى من صغر حجم الخط، فبدت صغيرة قزمة، وبدا هروبها أمام الناظرين أضحوكة. وأما الهروب الثالث: فقد تضمن تقرير اللجنة الهاربة فى جميع المواقع تقريباً، أنها ترفض حزب الوسط لاتفاق ما ورد فى برنامجه مع الدستور! تجدد ذلك فى ص13 مثل قولها: «وليس من جديد فى شأنها قدمه برنامج هذا الحزب بل إن الدستور قد أفاض فى هذه المبادئ فى المادة 40 وما بعدها»، ونفس الحال فى ص14: «وما أورده الدستور فى الفصل الثانى منه بشأن المقومات الاقتصادية يغطى ويزيد على ما ورد فى برنامج هذا الحزب»، ونفس الحال فى كل الفقرات التى تلت ذلك. والحقيقة أننى أكاد أقطع بيقين أن أحداً من أعضاء اللجنة، بمن فيهم الدكتور مفيد شهاب، لم يقرأ قانون الأحزاب السياسية الذى اشترط لقيام الحزب أن يكون متفقاً مع الدستور لا مخالفاً له، إذن فكيف تنعى لجنة الأحزاب العبقرية على الوسط أن برنامجه يتفق مع الدستور ومن ثم ينبغى رفضه؟! اللهم إلا حالة الهروب والارتباك التى سيطرت على اللجنة فى كتابة هذا التقرير أو القرار المتخبط. والأشد هروباً من هذا ما ورد فى ص15 من قول اللجنة: «فهذا الجانب (تقصد جانب إدماج الأخلاق فى سياسات الإصلاح) مردّد فى أفواه الناس جميعاً وتتبناه الأفراد والجماعات، وتحرص الدولة على حمايته ودعمه لما فيه من أهمية عظمى فى تقدم المجتمع وتنميته». والمستفاد من هذا النص أن لجنة الأحزاب السياسية لديها اختصاص فى مراقبة أفواه الناس جميعاً، وعد وإحصاء وتصنيف ما يصدر عن تلك الأفواه، وكذا بالنسبة لكل الأفراد والجماعات بل الدولة، وهى اختصاصات ما أنزل الله بها من سلطان، وتمثل فى حقيقتها هروباً من اختصاص اللجنة الأصيل والمنصوص عليه، بمقارنة برنامج الوسط بغيره من برامج الأحزاب القائمة، وليس بما يصدر عن أفواه الناس جميعاً، وما تتبناه الأفراد والجماعات، إذ الأفواه ليست أحزاباً لها برامج يمكن مقارنتها ببرنامج الوسط، وهذا الهروب من اللجنة التائهة يبدو واضحاً فى أن قرار اللجنة قد خالف كل ما صدر من قرارات سابقة عن ذات اللجنة. إذ إن الذى كان متبعاً من قبل لجنة الأحزاب السياسية منذ تاريخ إنشائها فى عام 1977، أنها كانت إذا أرادت أن ترفض حزباً بزعم أن برنامجه غير متميز، كانت تقتطع فقرات محددة بنصها من برامج الأحزاب القائمة، كالتجمع مثلاً أو الوفد أو الأحرار، ثم تجرى مقارنة سريعة بينها وبين برنامج الحزب الجديد، تنتهى برفض الجديد، هذا الذى كان متبعاً من قبل لجنة الأحزاب السياسية طوال تاريخها «المجيد». إلا أنه خولف فى هذا القرار فقط، فقد خلا تقرير لجنتنا التى تتضمن أربعة من القانونيين الأفذاذ، من ثمة فقرة واحدة أو سطر أو عبارة أو كلمة وردت فى برنامج حزب من الأحزاب القائمة، لإجراء مقارنة حقيقية وموضوعية بين تلك الفقرة أو العبارة وبين مثيلة لها وردت فى برنامج الوسط، خلا تماماً قرار اللجنة «الفاهمة» ذات الأفذاذ الأربعة من أى مقارنة بين برنامج الوسط وغيره من البرامج القائمة، وهذا ما يفسر هروب اللجنة بأفذاذها القانونيين الأربعة إلى أفواه الناس! يحصون كلماتهم، ويعدون أنفاسَهم، لينتهوا إلى مقارنة مضحكة بين برنامج الوسط وأفواه الناس جميعاً! وهو هروب فى الحقيقة مذل ومزرٍ ومهين. وأما الهروب الخامس: فإن اللجنة، وقد أعيتها الحيل، قررت أن تتناول بالبحث والتنقيب والاعتراض برنامجين آخرين، كان قد تقدم بهما فعلاً المهندس أبوالعلا ماضى فى العامين 96 و98، فأخذت فى مناقشة هذين البرنامجين، هروباً من مهمتها الأصلية التى تقتصر فقط وتنحصر فى مناقشة البرنامج الماثل المقدم فى 20/5 من العام الحالى، ومعنى ذلك أن اللجنة قد ضمت ملفات وأوراقاً ومستندات أخرى لا علاقة لها بملف الحزب الماثل، بالمخالفة للقانون، ودون أن تخطر المؤسسين أو وكيلهم بذلك حتى يستطيعوا الاطلاع على تلك المستندات الجديدة وتتاح لهم فرصة الرد عليها وتفنيدها. ومعنى ذلك أيضاً أن لجنة الأحزاب السياسية بضمها برنامجين كتبا فى عامى 96 و98 وما صدر بشأنهما من حكمين قضائيين حائزين لقوة الأمر المقضى إلى ملف الحزب الماثل، وإعادة المناقشة لهذين البرنامجين السابقين، معنى ذلك هو إهدار لهذين الحكمين النهائيين، ونسف للقاعدة القانونية لحجية الأحكام القضائية النهائية، واعتداء صارخ على أحكام القضاء. إذ وضعت اللجنة نفسها فى مكانة أعلى من القضاء، بأن سمحت لنفسها بأن تقتنص مستندين من بين دفتى دعويين محكوم فيهما، وأن تعيد طرح مناقشة ما ورد بهذين المستندين، وسبب ذلك التيه كله هو حالة الهروب التى انتابت اللجنة الموقرة بأفذاذها القانونيين الأربعة، وفى مقدمتهم الدكتور مفيد شهاب، وعلى رأسهم جميعاً السيد صفوت الشريف، له منى كل الدعاء بأن يعيده الله ولجنته الموقرة بعد هذا الهروب الكبير إلى أرض الوطن سالماً غانماً فى هذا الشهر الكريم. *الكاتب محام وقيادى فى حزب الوسط «تحت التأسيس»