أتفق تماماً مع ما جاء فى مقالات الأخ العزيز مجدى الجلاد، وإن كنت أعتب عليه إذا سمح لى - بعض الغموض الذى أحاط ببعض ما جاء فى المقالين الأول والثانى، بحيث التبس الأمر على كثيرين بخصوص ما يرمى إليه فى نهاية المطاف. إن كل تجارب الشعوب الحية من حولنا تشير إلى حقيقة واحدة، مفادها أن الحرية لا تمنح، وأن نيل المطالب لا يكون بالتمنى وإنما تؤخذ الدنيا غلابا، وأن الله سبحانه وتعالى قد نبهنا فى كتابه الكريم إلى أنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ولكن يبدو أن كثيراً من المصريين - بكل أسف - قد استسلموا لجلاديهم، وبدأوا يتعايشون مع الفساد الذى استشرى كالنار فى الهشيم، بحيث بات من الصعوبة بمكان أن يفكر أحد فى القضاء على هذا الفساد.. فالكل أصبح مستفيداً: السارق الكبير ينعم بما سرق، والمسروق الغافل رضى بالفتات الذى يلقى إليه.. والبطش الغاشم من قوى الأمن يتربص بكل من تسول له نفسه أن يفكر أو أن يستفسر. والأخطر من كل هذا وذاك أن أفراد النخبة المثقفة، وما تبقى من الطبقة المتوسطة الفرعية، قد انقسموا على أنفسهم.. فمنهم من فقد الأمل وآثر الانزواء، ومنهم من وجد ضالته فى التحالف مع الأمن تجنباً لبطشه من ناحية، وطمعاً فى تزكيته لمنصب أعلى من ناحية أخرى، ومنهم من فقد بوصلته فلم يعد قادراً على تحديد مساره وأهدافه، وما تبقى منهم يحاول جاهداً أن يلم الشمل ويجمع الفرقاء على كلمة سواء فى مواجهة التحديات، ولكنه يعانى أزمتنا فى التعامل بروح الفريق. وإذا انتقلنا إلى الغالبية العظمى من المصريين فسوف نجد الأمية الأبجدية والثقافية تقف حجر عثرة فى طريق التفكر والتدبر، كما نجد محاولة الهروب الكبير من الدنيا وما فيها من ظلم وفساد إلى الآخرة، وما فيها من نعيم مقيم.. وقد نسى هؤلاء أو تناسوا أننا قد خلقنا فى هذا الكون لكى نسير فى الأرض، ونعمرها ونتدبر آيات الله فى الكون بالعلم، والعمل، ونسوا أن طلب العلم فريضة، وركب بعض نهازى الفرص هذه الموجة، وقاموا بتكريس هذه المفاهيم الظلامية، وركزوا على مظاهر التدين تاركين جوهر الدين يعانى من الخواء. فى خضم ذلك تتراءى أمام أعيننا مظاهر حديث تشير إلى وجود مخططات شيطانية تهدف إلى توريث الحكم، وتوريث البلد بما فيه ومن فيه وفقاً لخطوات مدروسة ومحكمة لتحقيق مآربهم من امتصاص ما تبقى من رحيق هذا البلد المغلوب على أمره، ونأتى إلى السؤال الذى أوجهه إلى كل المخلصين فى هذا البلد: إلى متى هذا الصمت.. وما الحل؟ فى رأيى أن الحل يقوم على ما يلى: أولاً.. لابد من التحرك الإيجابى الآن وليس غداً. ثانياً.. لابد من توحيد الصفوف، وتنحية أى خلافات أيديولوجية وعقائدية جانباً.. ووضع مصلحة مصر فوق أى مصالح شخصية صغيرة، وأتوجه بندائى هذا إلى كل الأحزاب الحقيقية، ومنظمات المجتمع المدنى بجميع أشكالها، وتجمعات الشباب المصرى بكل مسمياتها. ثالثاً.. لابد أن يشعر المصريون جميعاً بأنهم فى قارب واحد تتقاذفه الأمواج من كل جانب، وأننا لسنا على استعداد أن يُفرض علينا حكامنا، فلم يكن لنا رأى فى اختيار عبدالناصر والسادات ومبارك، وآن الأوان أن يكون لنا الرأى الأول والأخير.. فلسنا قطيعاً من الأغنام.. ولن نكون، كما أننا لسنا ناقصى الأهلية ولا منعدمى الكفاءة، ونصر على أن تُحترم إرادة الأغلبية الواعية فى انتخابات حرة ونزيهة تحت رقابة حقيقية، محلية ودولية. إننى أتفق تماماً مع أخى الكريم الأستاذ مجدى الجلاد فى أننا إذا لم نفق من غفلتنا فى الوقت المناسب فإننا نكون قد ارتكبنا جريمة كبرى فى حق أبنائنا وحق الأجيال القادمة.. فهلا تحركنا.