تصوروا لو توقف التعذيب فى المعتقلات والسجون المصرية يوماً واحداً، لو توقف ضباط الشرطة عن ضرب وإهانة كل مواطن يدخل قسم البوليس. وقال الضابط للمواطن أنا فى خدمتك لمدة 24 ساعة فقط؟ ما هو شعور الشعب عندما تقرر الشرطة ضبط متهم فتلتزم بأخذ إذن حقيقى من النيابة والحضور للقبض عليه فى وقت مناسب من النهار ومعاملة أهله بطريقة آدمية، والقيام بالتفتيش بطريقة منظمة مع إعادة كل شىء إلى مكانه، هل سوف يحدث انفلات أمنى فى مصر؟ هل سوف تسود الفوضى؟ هل سوف ينهار الحزب الوطنى؟ هل النظام سوف يكون معرضاً للسقوط؟ دعنا نجرب 24 ساعة فقط وأنا أعتقد أن وزير الداخلية ورئيس الجمهورية وكل المسؤولين سوف ينامون نوماً هادئاً فى هذه الليلة وسوف تهدأ نفوسهم وستكون مصر أكثر أماناً فى هذا اليوم. لقد شهد النصف الثانى من القرن العشرين تعاظم أهمية مبدأ حقوق الإنسان ووقعت اتفاقيات دولية كبرى تحتوى على بنود عديدة تؤكد اتفاق العالم على حماية هذه الحقوق. ونحن نعلم جميعاً أن حقوق الإنسان مكفولة بطريقة شبه تامة وواضحة فى جميع دول أوروبا المتحدة وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان والهند لجميع مواطنيهم وقد اضطرت بعض الدول التى لا تراعى حقوق الإنسان من قريب أو بعيد مثل مصر وتحت ضغط رأى عام عالمى إلى إنشاء مجلس قومى لحقوق الإنسان معظم أعضائه من الحزب الحاكم أو يدينون له بالولاء الكامل والمجلس يقوم بدور تجميلى للخارج وطبعاً هذا لا ينطلى على أحد فى الخارج أو الداخل. ولكن سلب كل حقوق الإنسان بدءاً من تزوير الانتخابات إلى عدم إعطاء حقوق كاملة للأقليات أو إهدار الحقوق الأكاديمية يشكل الجزء الأبسط، أما الجزء الأكبر فهو سلب حرية المواطن واعتقاله بدون حكم قضائى وهو ما يحدث أحياناً لعشرات الأعوام ويتضمن ذلك تعذيب المواطنين وهو يحدث باستمرار فى الكثير من المعتقلات السياسية وقد توفى من التعذيب أعداد لا أحد يعلمها بدقة منذ خمسينيات القرن الماضى وحتى يومنا هذا. وقد امتد التعذيب الذى هو أسوأ مراحل إهدار حقوق الإنسان ليشمل الإنسان المصرى العادى الذى تشاء ظروفه التعسة أن يجيب على ضابط الشرطة بإجابة لا تعجبه فينهال عليه مع زملائه بالضرب فى الشارع، أما عن المعاملة فى أقسام الشرطة فحدث ولا حرج عن حجم المهانة والتعذيب والضرب والتعليق من الأرجل والكى وما هو أسوأ من ذلك الذى لا يطول فقط متهماً حتى يعترف بالحق أو الباطل هرباً من التعذيب وإنما يطال أيضاً أقاربه من نساء ورجال وقد يشمل الزوجة والأب والأبناء. ما أكتبه ليس مفاجأة ولا أعتقد أنه يثير استغراب أحد يعيش فى مصرنا العزيزة وهو سبة فى جبين الدولة بأكملها شعباً وحكومة من رأسها إلى أصغر واحد فيها. وما أراه فى الصحف الأمريكية والأوروبية التى أطالعها بانتظام على الإنترنت يضع مصر فى مرتبة متدنية فى هذا المجال ويعنى أن ترتيبنا أصبح خلف الكثير من الدول الأفريقية المعروفة بالعنف والتعذيب لشعبها، وحين أرى مصر تحتل ذيل جميع أنواع التقييم الدولى لحقوق الإنسان أشعر بالأسى والحزن والحسرة على بلدى الجميل مصر. إن العنف يولد العنف وضابط الشرطة الذى يفترى على مواطن بدون ذنب ارتكبه يخلق مجرماً صغيراً، وهذا المجرم سوف يزيد المشكلة ويؤدى إلى تفاقم الإجرام. لا أدرى هل يمكن أن يحكم هذا النظام مصر بدون تعذيب. أعتقد أن رجال الداخلية لا يعتقدون ذلك. هل نحن مختلفون عن الهند التى لا يعذب فيها البوليس مخلوقاً، ولا يعتقل فرداً بدون أمر قضائى؟ إن المشكلة أن هناك الكثيرين من ضباط الشرطة قد تربوا وتدربوا على ممارسة الضرب والتعذيب المنهجى بتشجيع وموافقة قيادتهم والدفاع عنهم بكل الطرق القانونية وغير القانونية عند وفاة المتهم أو حدوث إصابات بالغة. صورة مصر سوف تصبح شيئاً آخر لو توقفنا عن الضرب والتعذيب والإهانة. دعنا نفكر سوياً وأقترح على الدولة إصدار أوامر صارمة للشرطة بالتوقف تماماً عن الضرب والتعذيب والإهانة من الشرطة للشعب لمدة 24 ساعة فقط. ودعنا نرى هل حدث انهيار فى الأمن الجنائى والسياسى فى مصر أم أن الأمور أصبحت أحسن وأعصاب الضباط والشعب قد هدأت؟ وإذا رأينا أنه لم يحدث شىء يضر بالنظام فلنمد إيقاف التعذيب أسبوعاً ثم شهراً. وأعتقد أن الرئيس سوف يسعد حين يرفع اسم مصر وصورته من قائمة الدول المتفوقة فى تعذيب مواطنيها، ولنعلم جميعاً أن كرامة الوطن من كرامة المواطن، وأعتقد أن الرئيس سوف تصيبه حالة من الصفاء النفسى عندما يعلم أن رجاله قد توقفوا عن تعذيب أهل بلده، والحكام جميعاً سوف يشعرون بهدوء نفسى وسوف ينزاح عن صدرهم الكابوس الذى يحرجهم فى كل مكان فى العالم والذى يتجدد كل يوم عندما نقرأ ونسمع ما يقوله العالم. دعنا نجرب إيقاف التعذيب 24 ساعة.