استقبل نبأ زيارة أوباما للقاهرة بالفرح والسرور والاستبشار، من جانب معظم أطياف الشعب المصرى وطوائفه، وعبر بعض الشباب عن هذا الفرح بارتداء «تى شيرتات» مكتوب عليها (أوباما - توت عنخ آمون العالم الجديد) تشبيهاً له بالفرعون الشاب توت عنخ آمون، الذى حكم مصر قبل 3300 سنة، وانهمك المثقفون فى وضع تحليلات لما تنطوى عليه الزيارة من أبعاد سياسية، وراح الإعلاميون يرصدون كل ما يتعلق بمراسم استقبال أوباما وتصريحات المسؤولين حولها، وانطلق حوالى 3200 شخص من الحزب الوطنى والغد والوفد والتجمع والإخوان والحقوقيين وغيرهم، ليكونوا فى شرف الاستماع لخطاب أوباما من قلب جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامى، وتفنن إخصائيو التجميل فى إزالة بعض التجاعيد التى امتلأ بها وجه القاهرة، لتهيئة الأماكن التى سوف يتردد عليها أوباما، لتكون فى أحسن صورة، وبلغت الاحتفالات ذروتها بتعطيل العمل بالجامعات، وبعض المصالح الحكومية، وإعطاء الموظفين إجازات، وتأجيل الامتحانات، وغسل الشوارع بعد رصفها وتنظيفها من أكوام القمامة والمارة. وكأن قدوم أوباما بمثابة عيد قومى تقرر الاحتفال به سنوياً من الآن فصاعداً، أو كأنه لم يأت ضيف كريم على مصر، وإنما طالب يدها لنفسه أو للأمريكيين، أو كأنه البابا نويل جاء ليزرع شجرة الحب، ويوزع الهبات والعطايا، ويعالج المشكلات المتأزمة، من خلال مصباح علاء الدين، الذى لا يملكه سواه، يحكه مرة، فيطمئن الإخوان بأن حقهم فى الحكم مضمون إن عاجلاً أو آجلاً، ويحكه ثانية، فيبشر الأقباط بأنهم ليسوا أقلية، وأنه سينجح فى الضغط على الرئيس مبارك لزيادة تمثيلهم وممارسة حريتهم السياسية والدينية، ويحكه ثالثة ليؤكد دعمه للنظام، وحرصه على سلامته، طالما بقى هذا النظام محارباً للقاعدة وحزب الله وحماس وإيران، والتزم بالأجندة الأمريكية فى الحفاظ على أمن إسرائيل. وكل هذا العوز لأوباما هو شبق فى غير موضعه، وكل هذه الآمال العريضة ما هى إلا إفراز تلقائى لشمولية الفكر ومحدوديته، فالذين اعتادوا رؤية السلطات كلها مجمعة فى يد شخص واحد، يتصورون أن الحفاوة بأوباما ستشعل نيران الشوق فى قلبه وستزيده عطفاً على المقهورين من هذا الحزب أو ذاك، ويتصورون أنه قادر على التصحيح الفورى لما أفسده جورج بوش وأعوانه، وهذا الفهم العاجز يحول طبعاً دون القرارات الصحيحة، وأوباما نفسه مؤمن بأن الديمقراطية اختيار شعبى لا يمكن تصديره أو فرضه بقوة السلاح، وهو فى نهاية الأمر ليس عنترة بن شداد، ولا يستمد قراراته من شيبوب، بل موظف كبير على درجة رئيس جمهورية، يحكم بأمر شعبه ويتحدث باسمه، يوجد على رأسه، ولا يجثم فوق صدره، ليس بيده مقاليد كل شىء، لا يمنع ولا يمنح، إلا بالرجوع لشركائه فى الحكم سواء من المستشارين أو من السلطات التنفيذية والتشريعية، فالكونجرس مثلاً يتحكم فى الكثير من القرارات، خاصة بالنسبة للمسائل التى تخص المنطقة العربية لما تتمتع به من طبيعة طويلة المدى تؤثر على مجريات الأمور فى العالم، وبالتحديد فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية والأمن والنفط وتهديدات الإسلاميين، وكل ما يملكه أوباما هو العرض، وللكونجرس حق اتخاذ القرار، إلا فى حالات معينة ليس مكانها هنا، والكونجرس محكوم دائماً بالضغوط المتزايدة من جانب اللوبى الصهيونى، الذى لا يقدم المساعدات إلا بمقابل ضخم، ويمكن استيضاح ذلك الأمر مما قاله وزير الخارجية الأمريكى الأسبق دين راسك (إن المساعدات تفتح للدول المستسلمة أبواباً لمنتجات المتبرع واستثماراته، وقبولها بمثابة تنازل جزئى عن السيادة)، والولاياتالمتحدة ورئيسها أوباما لا تقدم المساعدات لوجه الإخوان أو الغد أو الأقباط، وإنما - حسبما أشار راسك - للحصول على المزيد من التنازلات، وقد استخدمت الولاياتالمتحدة هذه المساعدات مراراً وتكراراً كورقة ضغط على مصر سواء فى عصر أيزنهاور أو جون كندى أو جونسون، ومازالت حتى اليوم شوكة فى ظهر الحكام والمحكومين. وعن مدى تأثير اللوبى الصهيونى على الكونجرس الأمريكى يقول وليم بى كوانت، مستشار الأمن القومى فى عصر الرئيس كارتر: (إن صناعة السياسة العربية الإسرائيلية فى واشنطن، تتشابك مع السياسة الداخلية، والكونجرس متحمس باستمرار، حيث يكون التأييد فى صالح إسرائيل)، وأكد أوباما نفسه فى خطاب القاهرة أن (الروابط بين أمريكا وإسرائيل غير قابلة للانكسار، وعلى الجميع الاعتراف بأحقية إسرائيل فى امتلاك وطن، فكفى اليهود ما عانوه على مر العصور، وكفاهم المحرقة التى أزهقت روح أكثر من 6 ملايين يهودى). إذن، فكل ما قاله أوباما وسوف يقوله، كل ما فعله وسوف يفعله، يجب أن يدور مع عجلة المصالح الأمريكية ولا يعطلها، وإسرائيل هى ذراع أمريكا الطويلة فى المنطقة العربية، وشريكتها فى نهب ثروات العرب والمسلمين، فهل سيتطهر الأمريكيون من هذه الذنوب العظيمة لأجل خاطر مصر أو العرب؟ هل ستنشغل بالحريات وحقوق الإنسان وحماية الأقليات بعيداً عن هيمنتها على الأخضر واليابس؟ [email protected]