إذا كنت تظن أننى كاتب شجاع فأشكرك على ذوقك، لكن اسمح لى أولاً أن أسألك عن مفهومك للشجاعة، أرجو ألا تكون ممن يظنون أنها قول ما يعتقده أغلب الناس ويحتاجون إلى كاتب يتصدر لإعلانه بالنيابة عنهم، فالشجاعة فى ظنى أن يقول الكاتب ما يعتقده سواء كان رأيا يشترك فيه مع كل الناس أو يقف فيه ضد كل الناس. بالطبع لا يوجد كاتب لا يسعده أن يشعر باتفاق أغلب الناس مع رأيه، على الأقل لكى لا يشعر بالغربة طيلة الوقت، مع أن الغربة هى قدر الكاتب الذى يرفض أن يسير خلف القطيع، أو حتى يرفض أن يقود قطيعه الخاص، وربما لذلك سعدت بسيل الرسائل الإلكترونية والمحمولية الذى انهال علىّ عقب كتابتى ضد مساعى غسل يدى هشام طلعت مصطفى المدان قضائيا حتى الآن بجريمة قتل سوزان تميم، بصراحة كنت أتوقع أن يلقى ما كتبته معارضة هائلة قياسا بالمكالمات والتسجيلات التى كنت أتابعها فى أغلب البرامج الفضائية، لكن ما تلقيته من ردود فعل غير مسبوقة بالنسبة لى أكد لى صحة ما اعتقدته بوجود حملة منظمة يحركها البيزنس القذر لإعطاء انطباع خادع بأن الشارع المصرى فى أغلبه متعاطف مع السيد «هطم». قطعًا وللأسف ثمة من نجحت أجهزة الإعلام الممولة فى غسيل أمخاخهم وإقناعهم بأن السيد «هطم» من بناة نهضة مصر الحديثة لمجرد أنه بنى كام فندق ومدينة سكنية، مع أن فى مصر رجال أعمال محترمين بنوا مشروعات أكبر وأهم، ولم يتورطوا فى فضائح أخلاقية، والأهم أنهم لم يتورطوا فى الفضيحة الأبرز والجريمة الأخطر، جريمة زنى المال بالسلطة، التى يسميها البعض خطأً زواج المال بالسلطة، وهى الجريمة التى لم يُحاسَب عليها بعد «هطم» ورفاقه من رجال الأعمال السودة والمهببة. هنا ستسمع الرعد فى ودانك على هيئة كلام يقول لك إن اقتصاد البلد مش ناقص انهيار لكى نحاسب «هطم» أو غيره، وهى الحجة ذاتها التى استخدمت للتستر على كبار المسؤولين الذين تم إغلاق ملفاتهم المعفنة بحجة الحفاظ على استقرار البلاد، وهو كلام لو قيل فى دولة متقدمة لضُرِب من يقوله بالصُرَم، لعلك تابعت كيف فجّرت الصحافة البريطانية فضيحة فساد أعضاء مجلس العموم فى ظل أعتى أزمة مالية شهدتها بريطانيا منذ حوالى 40 عاما، ولعلك لم تشاهد أحدث حلقات برنامج «ستين دقيقة» الأمريكى الأشهر، الذى أذاع تفاصيل التحقيقات مع مسؤولى كبرى الشركات الأمريكية الذين كان فسادهم وسوء تقديرهم سببا فى انهيار تلك الشركات، دون أن يطلع ابن حرام ليقول للناس هناك: انسوا تصحّوا، والله حليم ستار، ولازم نستحمل بعض، وكلنا بنغلط، والمرحلة حرجة، وماتنسوش الناس دى عملت إيه للبلد، وما إلى ذلك من كلام يقنع به ناسنا أنفسهم أحيانا طمعا فى تغيير قريب أو خوفا من ألم فتح الجراح لتطهيرها، وهو الألم الذى لا أمل لنا بدونه. يا ناس يا هوه، المدخل لإنقاذ هذا الوطن ليس بتغيير شخص، أيا كان اشتياقنا لهذا التغيير، لأننا سنستبدل ساعتها فرعونا بفرعون يجعلنا نترحم على سابقه، إنقاذ هذا الوطن سيكون عندما يشعر كل مصرى بأن هذه البلاد بلاده، وأمرها يخصه، وهو ليس «محطوطا» فى «لوكيشن» مصر لكى يمارس دور الكومبارس، إنقاذ هذا الوطن سيكون عندما تختفى من قاموسنا تلك الجمل الخائبة عن كل فاسد أو ظالم «كتر خيره.. ماتنسوس إنه خدم مصر.. كان ممكن مايعملش اللى عمله للبلد». يا ناس يا هوه، هذه أرضكم وليست عزبة تعملون فيها أنفارا وتنتظرون ما يجود به عليكم أصحاب العزبة وأصحاب أصحاب العزبة. يا ناس يا هوه، انسحاقنا وسلبيتنا واستسلامنا للعواطف البلهاء لن يفضى بنا إلى خير، لن يطعمنا من جوع ولن يؤمننا من خوف، الحكاية صعبة لكنها ليست مستحيلة، فقط علينا أن نشعر أن هذه بلادنا ونؤمن بذلك ونربى أبناءنا عليه، ونتوقف عن انتظار منحة التغيير من أحد لأنها لن تأتى أبدا، ولتكن البداية بأن نلعن كل من يقول لنا عبارات من نوعية «كتر ألف خيرهم.. دول خدموا مصر كتير.. مش هنلاقى أحسن منهم»، فنقول له وللى زاقينه «قطع لسانك يا بعيد.. هم كانوا يحلموا باللى هم فيه لولا تغفيلنا وطرمختنا». متهيأ لى بداية ليست مستحيلة؟، ولا إيه؟. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]