حقيقة لا أستطيع أن أحصى عدد المقالات والكتابات التى تناولت ما حدث فى شهر رمضان المُنقضى من إعصار إعلامى غير مسبوق حمل معه العشرات من المسلسلات والبرامج وقناة تظهر خصيصا لشهر رمضان، وهى كتابات لم تقتصر على السادة الكُتاب الصحفيين والمُثقفين والناقدين وأصحاب الرأى والرؤى المعروفين فقط، بل امتد ذلك ليشمل أيضا العديد من أفراد الشعب المصرى المهمومين بقضاياه الذين يكتبون آراءهم فى بريد القراء بكل صحيفة.. بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يُصادفنى شخص طوال هذا الشهر إلا وتطرق الحديث معه إلى هذا الإعصار الإعلامى فى رمضان الذى اجتاح قنوات التليفزيون المصرى العامة والخاصة، حاملا معه كل ما هو مُخجل ومقيت من حوارات هابطة وألفاظ سوقية ومظاهر ابتذال وعُرى وقيم فاسدة، مُتسترة باسم الفن والترويح تارة، وما يجلب فلوس المُعلنين تارة أُخرى، وهى التى يجمعونها فى الأساس من الزبائن الذين هم أفراد الشعب المصرى كله. لقد صاحب هذا الإعصار الفاجر بين ثناياه تلميحات وتصريحات وإشاعات عن المبالغ التى أنفقت على هذه المسلسلات والبرامج والإعلانات تجعل المواطنين الشرفاء فى هذا الوطن يخجلون من أنفسهم ولسان حالهم يكاد يقول بيت الشعر البائس: ألا موت يُباع فأشتريه.. فهذا العيش ما لا خير فيه! فتسمع فى أحد البرامج الحوارية مثلا تفاخُرا وتنافسا من بعض الشخصيات التافهة المُتسلقة محدودة الفكر والثقافة التى استطاعت دخول مجال ما يُسمى «الإعلام الرياضى» والذى ليس أكثر من تكرار أخبار منشورة فى الصحف وعبارات تسمعها فى الشارع من أى مواطن عادى وجمع لبعض المعلومات من على مواقع شبكة المعلومات.. فيدعى تافه منهم أنه الأعلى سعرا بين هؤلاء الإعلاميين، فيرد عليه آخر أكثر تفاهة وغرورا ويقول إن سعره 12 ألف دولار فى الساعة! وفى صحيفة قومية نقرأ أن إحدى الممثلات من الوجوه الجديدة تتميز بأنها سيئة السُمعة قد حصلت على 45 ألف دولار نظير ظهورها فى أحد البرامج الحوارية مع مُذيع لبنانى خبير فى شؤون الفضائح والوقيعة والنميمة! ويوميا نقرأ عن أتعاب ممثلين وممثلات- ظهروا فى أعمال غثة لا قيمة لها ولا وزن- بالملايين، وعن إعلانات شارك فيها بعض الفنانين وصلت أجورهم فيها أيضا بالملايين نظير الظهور لمدة لا تزيد على الدقيقة الواحدة.. وغير ذلك كثير من الأخبار الاستفزازية التى يسمعها شعب يعيش 40% منه بدخل يقل عن 2 دولار فى اليوم، ويكافح فيه 40% آخرون لأجل عدم السقوط تحت خط الفقر، بمن فيهم علماؤه ومهنيوه المتميزون كالأطباء والمهندسين والمدرسين وأساتذة الجامعات! المذهل فى الأمر أيضا أننا شاهدنا فى رمضان هذا العام برامج حوارية استضافت تقريبا نفس الوجوه التى تظهر كل عام، وأن الأسئلة مُتشابهة، والقضايا التى أثارها أصحاب هذه البرامج كانت فى مُعظمها نفس القضايا التافهة عديمة القيمة أو الجدوى.. فهذه راقصة ضيفة على العديد من البرامج يسألونها نفس الأسئلة عن قصة تحرش جماعى حدثت منذ عدة سنوات بوسط القاهرة بسبب وجودها هناك، وهذا مغنواتى شعبى جاهل يتحدث عن تفاصيل حياته ومرضه وفلسفته فى الحياة وأشياء أخرى، تجده تقريبا فى كل البرامج الحوارية بالساعات.. حتى السياسيون الذين تستضيفهم تلك البرامج– معظمهم من مُنتفعى الحزب الحاكم وقليل من الذين يُمثلون أدوار المعارضة وبعض النواب العاهات– هم أيضا نفس الوجوه الكالحة المُكررة أو قل المُقررة علينا، يقولون نفس الكلام الذى لا يملون من تكراره، ولا يهمهم مللنا نحن منهم ومن الذين يحاورونهم، مثل تلك المُذيعة التى تطل علينا كل رمضان بحوارها الصريح وقد تغيرت طريقتها لتسأل ضيوفها بطريقة استفزازية مُتعالية، ومنذ أن أذيع خبر أن الرئيس قد اتصل بها مرة ليبدى إعجابه بحلقة لبرنامج لها وهى تبدو كمن أصابها غرور دفعها لأن تقول لضيفها فى إحدى الحلقات بنفاق فاضح وساذج: «اشتم الرئيس عبدالناصر أو السادات فهذا مفهوم ومُبرر أما أن تنتقد الرئيس حسنى مبارك فهذا هو غير المفهوم أو المُبرر»! لقد قرأت مقالا رائعا للشاعر والأديب الكبير فاروق جويدة فى أهرام 10/9 تعرض فيه لما سماه الكوارث الإعلامية التى فُرضت علينا فى شهر رمضان الفائت، وتساءل فى مُقدمته «أين منظومة الأخلاق والقيم فيما شاهدنا من البرامج والمسلسلات التى أنفقت عليها الدولة إنتاجا وشراء ملايين الجنيهات؟».. وعلق سيادته أيضا على البرامج الحوارية فقال: «لقد كان جديدها هذا العام هو كم رهيب من الفضائح التى انتشرت مثل تلال القمامة على المشاهدين، وسمع الناس فيها ألفاظاً يُعاقب عليها القانون وتخدش الحياء العام». إننى أعتقد أنه يجب أن يكون للشعب المصرى وقفة مع حكومته من الآن وقبل مدة كافية من حلول رمضان القادم، فهو المُستهدف والمُبتلى، ولن يتغير شىء طالما أننا لا نفعل أكثر من الكتابة والكلام.. إننى من منبر صحيفة «المصرى اليوم» أدعو إلى إنشاء «الجمعية الشعبية لمكافحة الإعلام الرمضانى الردىء» وأدعو كل مصرى شريف غيور على وطنه وناسه ولغته ودينه أن يُبادر إلى المُشاركة فى عضوية هذه الجمعية.. وأتمنى أن يوافق الأستاذ الكبير فاروق جويدة على رئاسة هذه الجمعية وأن يدعو المثقفين والكُتاب والفنانين الشرفاء إلى اجتماع فى مكان يحدده لتشكيل مجلس إدارة مُتطوع للنظر فى إجراءات عمل موقع على الإنترنت خاص بالجمعية يُمكن من يريد الانضمام والمُشاركة أن يفعل ذلك بسهولة، حتى يتوفر العدد الكافى لقيام أحد القانونيين المُتطوعين بالتقدم لطلب إشهار الجمعية، التى يكون هدفها هو حماية الشهر الفضيل من الإعلام المُتدنى الرخيص وهذا التكدس المُعيب للمسلسلات والبرامج فى شهر رمضان، ويكون ذلك كما أتصور مبدئيا بالآتى: (1) إعداد وثيقة تُوجه إلى رئيس الجمهورية يوقع عليها أعضاء الجمعية تُطالب بضرورة ألا يُترك أمر الإعلام الرمضانى فى يد وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وحدهما، بل يجب أن تُشكل من الآن لجنة من كبار المُثقفين المحترمين لوضع قواعد وضوابط ما يُعرض فى هذا الشهر. (2) مُخاطبة وزير الإعلام كتابة بأن تشمل البرامج الحوارية ضيوفاً يكون فى ظهورهم فائدة ومعنى وهدف، ووقف مهازل الاستضافات العشوائية التى يُشتم فيها رائحة الصفقات الفاسدة. (3) المطالبة بوقف تلك القناة الموسمية المتخصصة فى إفساد شهر الصوم والتى تُخرج لسانها للجميع وتتحدى المجتمع المصرى وكشف من يقف وراء صاحبها وأغراضه. (4) إعطاء مُهلة لوزير الإعلام للاستجابة لهذه المطالب فى موعد أقصاه ثلاثة شهور قبل حلول شهر رمضان القادم، وإذا لم يتم الاستجابة لهذه المطالب تقوم الجمعية بالدعوة لتنظيم وقفات واحتجاجات أمام مقر رئاسة الوزراء ومبنى التليفزيون. إننى أضع الفكرة أمام القراء والمهمومين بثقافة الشعب المصرى وعقله قدر اهتمامهم بأكله وبطنه.. وعلى الله قصد السبيل.