لا حديث فى مصر والعالم العربى يعلو على صوت المسلسلات، هكذا أصبح شهر رمضان الكريم شهراً للدراما العربية.. ولا أعرف ما هى المناسبة.. هل الدراما مثلا حلال فى رمضان.. حرام فى باقى الأشهر.. أم أنها عادة تحولت إلى مأساة، مثل كل العادات والتقاليد البالية والسيئة التى تسيطر علينا وتدمر حياتنا. ولو تأملنا عدد المسلسلات التى يتم انتاجها خصيصاً لشهر رمضان والتى يتجاوز عددها أكثر من مائة مسلسل، ولو تصورنا أنه تم إنفاق عشرات الملايين من الجنيهات والريالات والليرات والدينارات ومن كل العملات العربية على هذا الفيض من المسلسلات التى يتسم أغلبها بالتفاهة فى التناول وغياب أبسط القواعد الفنية، بداية من الكتابة مروراً بالتمثيل ناهيك عن الإخراج والصوت والإضاءة وكافة مكونات العمل الفنى لعرفنا أننا فعلا نعيش فى مأساة. وكنت قد اعتدت فى رمضان من كل عام مشاهدة مسلسل واحد أو اثنين بعد جولة أولية على بعض المسلسلات المختارة، وغالبا بعد يوم واحد أو يومين أستقر على ما سأتابعه طوال الشهر، لأن الكتاب "يبان" من عنوانه ويمكننا التغاضى عن مشاهدة مسلسل تافه وممل من ثلاثين حلقة. ولم تكن مشاهدتى لهذه المسلسلات بهدف المتعة فقط، وإنما بحكم الاهتمام بالشأن العام بما فى ذلك شتى أنواع الفنون، لأن الفن هو مرآة المجتمع، وفى أحيان كثيرة يحمل إرهاصات ما هو قادم.. لكننى وبكل بصراحة لم أعد أستطيع تحمل هذا الانفلات المسلسلاتى، وأفضل أن أرى المجتمع من أى مرآة أخرى غير التليفزيون، لأن فوائده لا تذكر إلى جانب مضاره. وأمام هذا السيل من المسلسلات والبرامج والإعلانات والصراعات بين الفضائيات والتليفزيون، لماذا فعلا لا نأخذ موقفا إيجايبا ولو لمرة واحدة فى حياتنا؟.. لماذا لا نرفض أن نتحول إلى سلعة يتقاتل الجميع عيلها ويحاصرونها بالأعمال التافهة التى تغيب العقول وتؤدى إلى مزيد من اغتراب المواطنين فى وطنهم. منذ سنوات يزداد الهجوم الدرامى والبرامجى فى رمضان بشكل لافت، وتزيد الجرعة من عام لآخر حتى وصلنا إلى مرحلة حاصرنا فيها المنتجون والمعلنون، ورسموا البرنامج اليومى لحياتنا وجعلونا أسرى التليفزيونات.. وليس بأيدينا شىء نفعله غير التنقل بالريموت كنترول بين القنوات لا أكثر.. ولا أقل. ماذا سيحدث لو قرر كل منا مقاطعة التليفزيون فى رمضان؟ أو الاكتفاء بمشاهدة مسلسل واحد، أعتقد أنه لن يفوتنا أى شىء على الإطلاق، بل على العكس تماما ستكون الحياة أمتع وأبهج وأكثر راحة للأعصاب. أنا شخصيا جربت ذلك قبل عدة أشهر مقاطعة برامج البيت بيتك والعاشرة مساء و90 دقيقة، واكتشفت أن الحياة أكثر راحة وهدوء، والأهم استعدت العقلانية التى كادت تضيع منى بسبب الجلوس لساعات أمام هذه النوعية من الإعلام الذى يفتقد الحياد، ويتعامل مقدموه معنا باعتبارهم من كوكب آخر، ويرتدون مسوح الأنبياء، وينصحون هذا ويفترسون ذاك، وينسى كل منهم من أين جاء وكيف صعد ماذا فعل بحياته! عموماً رمضان كريم ولا نريد أن نفقد صيامنا، لكن جربوا الحياة بدون مسلسلات، وأنا فى انتظار النتيجة!