تعرف على عقوبة تزوير بطاقة ذوي الهمم وفقًا للقانون    أونروا: اقتحام مقرنا بالقدس تصعيد خطير ولن ينهي قضية اللاجئين    مواعيد الجولة السادسة لبطولة دوري أبطال أوروبا    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    مصدر بالسكك الحديد: الأمطار وراء خروج عربات قطار روسي عن مسارها    أحمديات: مصر جميلة    الأهلي والنعيمات.. تكليف الخطيب ونفي قطري يربك المشهد    السفير صلاح حليمة: الموقف المصري يؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    التعليم تُطلق أول اختبار تجريبي لطلاب أولى ثانوي في البرمجة والذكاء الاصطناعي عبر منصة QUREO    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    عمر مرموش ينشر صورا من حفل خطوبته    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    اليمن.. غارتان أمريكيتان تستهدفان عناصر من القاعدة فى مأرب    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    قصور الثقافة تُطلق الملتقى الحادي عشر لمناهضة العنف ضد المرأة بمطروح    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    اليوم، جنايات الإسكندرية تنظر محاكمة المتهم بالتعدي على التلاميذ بإحدى المدارس الدولية    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    طليقته مازلت في عصمته.. تطور جديد في واقعة مقتل الفنان سعيد مختار    جهود فورية لرفع تراكمات المياه وتيسير حركة المرور في القاهرة والجيزة| صور    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    رئيس قطاع المتاحف يعقد اجتماعًا موسعًا لبحث إثراء العرض المتحفي بالمتحف المصري بالقاهرة|صور    لدعم الصناعة.. نائب محافظ دمياط تتفقد ورش النجارة ومعارض الأثاث    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    المنتخب السعودي يفقد لاعبه في كأس العرب للإصابة    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    الدوري الإيطالي | بارما يخطف الفوز.. وجنوى يتألق خارج الديار.. وميلان يحسم قمة تورينو    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    ماريسكا يكشف تطورات تعافي ثلاثي تشيلسي قبل مواجهة أتالانتا    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    محافظ القليوبية يناقش الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمنطقتي العكرشة الصناعية وأرض جمعية    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية في زمن قياسي    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: ملفات إصلاح النظام السياسى فى مصر (2) فض أحراز المسكوت عنه فى قضايا الإصلاح السياسى

منذ أن وعت البشرية نفسها كجماعات سياسية بدأت فى طرح العديد من الأسئلة المصيرية الكبرى: ما العمل؟ ومن أين نبدأ؟، ويبدو أن الجماعات السياسية فى مصر ليس لديها متسع من الوقت للتوقف قليلاً أمام مثل هذه الأسئلة، أو ربما توهمت أنها قد تجاوزتها، رغم أنها تدعو إلى إصلاح أزمة النظام السياسى فى مصر لكن من دون أن تسأل نفسها: ما العمل ومن أين نبدأ عملية هذا الإصلاح.
ربما وجب علينا أولا الإشارة إلى وجود تباين وربما حتى تناقض كبير فى تقويم الوضع السياسى الراهن فى مصر، فأحزاب المعارضة والنشطاء السياسيون والأغلبية من المثقفين والمفكرين والكتاب يعتقدون بوجوب إصلاح النظام السياسى فى مصر، فيما بالمقابل يرى حزب الأغلبية الوطنى الحاكم أن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية حسب تعبير أمين عام الحزب ورئيس مجلس الشورى ورئيس لجنة الأحزاب.
ويبدو أن أحزاب المعارضة فى مصر ليست وحدها من يعتقد فى ضرورة الإصلاح السياسى إذ يوجد اتفاق مع هذا الرأى كانت أظهرته العديد من المؤشرات الدولية، فقد أظهر مؤشر إبراهيم للحكم الرشيد فى أفريقية فى تقريره هذ العام أن العديد من دول أفريقيا الجنوبية باتت تتقدم على مصر التى تراجعت إلى الموقع الحادى عشر من بين 53 دولة أفريقية،
كما أشارت تقارير العديد من المؤشرات الدولية الأخرى إلى تراجع مكانة مصر بالنسبة لدول العالم فى مجالات عدة من بينها مباشرة الحقوق السياسية (كما ورد ذلك فى: مؤشر الديمقراطية فى العالم العربى، ومؤشر الحكم الصالح الذى يصدره البنك الدولى، ومؤشر «الشفافية الدولية» و«مكافحة الفساد»، ومؤشر الرخاء العالمى «ليجاتوم» ومؤشر «بيت الحرية»، وتقرير التنمية الإنسانية العربية.. وغيرها من التقارير والمؤشرات الدولية الأخرى)، وقد رفضت الحكومة فى مصر الاعتراف بصحة أى من النتائج التى أعلنتها هذه التقارير الدولية، ولكن ذلك لا ينفى ملامسة أغلب ما ورد فى هذه التقارير للواقع السياسى الراهن فى مصر.
وقد لا يكون من المفيد الاستطراد أكثر من ذلك فى إعادة وصف الحالة السياسية فى مصر على النحو الذى يذهب إليه العديد من قادة أحزاب المعارضة والناشطين السياسيين ربما فى محاولة للتملص من مسؤولياتهم الذاتية عن قسم غير قليل عن هذه الأوضاع السياسية، لكن هذا لا يعنى إخلاء ساحة حزب الأغلبية الحاكم من تحمل المسؤولية الأساسية عن إنتاج الأزمة السياسية فى مصر واستمرار تردى أوضاعها. وهو ما استدعى إطلاق الحركة التى تدعو إلى إصلاح النظام السياسى فى مصر، ومع كل التقدير للجهود التى تبذلها أحزاب المعارضة فى دفع وتطوير الدعوة إلى الإصلاح السياسى فإنه لابد من تسجيل الملاحظات التالية:
1- إن التوافق العام بين أحزاب وقوى المعارضة فى مصر على العناوين الرئيسة للإصلاح السياسى لا تكاد تخفى وجود تعارضات واسعة بينها على العديد من قضايا هذا الإصلاح السياسى، فلا يوجد مثلا توافق واسع حول الطريقة التى يمكن اعتمادها للإصلاح الدستورى ولا على طبيعة التغيير المطلوب فى النظام السياسى وتتراوح الآراء فى هذا المجال بين الاكتفاء بتقييد الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الدولة فى النظام الرئاسى، وبين المطالبة بتغيير أسس هذا النظام والتحول عنه إلى الجمهورية البرلمانية، فيما تدعو حركة الإخوان المسلمين إلى مرجعية أخرى للدولة أقرب إلى نموذج ولاية الفقيه ومجلس صيانة الدستور فى النظام الإيرانى.
كما لا يوجد اتفاق واسع بين قوى المعارضة على الموقف من النظام الانتخابى، وهل يجب اعتماد نظام القائمة النسبية أو النظام المختلط بالدوائر الفردية والتمثيل النسبى أو اقتراح نظام آخر، وغيرها من القضايا الخلافية، ولا يوجد بالتالى وثيقة مشتركة جامعة تعبر عن توافق قوى المعارضة المصرية على الموقف من قضايا مركزية عديدة فى صلب برنامج الإصلاح السياسى.
2- إن الحركة من أجل الإصلاح السياسى لم تظهر للآن ما يرقى إلى مستوى العمل الجبهوى أو التحالف السياسى لأعلى صعيد البرنامج المشترك ولا على صعيد أساليب وتكتيكات التحرك السياسى ويقتصر الأمر على مستويات دنيا من التنسيق واللقاءات الانتقائية بما لا يرقى أبدا إلى مستوى قضية الإصلاح السياسى المنشود.
3- إن برامج الإصلاح السياسى على تنوعها وتعددها تكاد تخلو من أى إشارة إلى مراجعة الأوضاع الداخلية لهذه الحركة ولمكوناتها من أحزاب وحركات احتجاجية.
4- إنه يجرى تداول برامج الإصلاح السياسى فى أطر حلقية محدودة وفى الدوائر المغلقة على الناشطين السياسيين، ولم تنجح قوى المعارضة بعد فى تحويل برامجها للإصلاح السياسى إلى مطلب شعبى عام وعجزت كل القوى السياسية فى مصر عن ربط الصلة ما بين الحركات المطلبية العفوية التى اجتاحت مصر فى السنوات الثلاث الماضية وبين أى من برامج الإصلاح السياسى الذى تدعو له وتطالب به.
5- إن التحرك من أجل الإصلاح السياسى فى مصر يركز على المدخل الدستورى والقانونى ويدعو إلى إلغاء أو تعديل القوانين التى تقيد مبدأ التعددية الحزبية والسياسية وتعطل تداول السلطة وتحد من الحق فى تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات المستقلة والتى تنتقص من حرية التعبير والإبداع ولا تحقق المسأواة فى المواطنة دون تمييز ولا تكفل العمل بمبدأ تكافؤ الفرص، وعلى أهمية هذا المدخل فإن النمط السائد الذى تعتمده أحزاب وقوى المعارضة لإلغاء أو تعديل هذه القوانين ينطوى على شبهة التعلق الأحادى بالتغيير من أعلى، على الأقل مقارنة بالجهد شديد التواضع الذى يراهن على اعتماد مبدأ التغيير المجتمعى من أسفل،
وتعد هذه المسألة أيضاً من الأمور التى تحتاج إلى إعادة نظر ربما لتصحيح هذا الاختلال والعمل على إقامة نوع من التوازن النسبى بين نمط الضغط من أجل الإصلاح والتغيير من أعلى، وبين النمط الذى يسعى لتوسيع الإطار الشعبى والقاعدى لإحداث الإصلاح والتغيير من أسفل، كما يتطلب الأمر ذاته ضرورة التعرف على النماذج المختلفة للتشريعات الدستورية وقوانين الأحزاب للتداول والتوافق حول النموذج الأكثر مواءمة لتحقيق مطالب الإصلاح السياسى فى مصر، وتجدر الإشارة هنا إلى خلو بعض دساتير الدول الديمقراطية المستقرة من أى نصوص تشريعية تخص الأحزاب السياسية (مثل الدستور الأمريكى مثلا)، فيما تنتمى مصر إلى النموذج الدستورى الذى أناط بالبرلمان إصدار القانون الخاص بالأحزاب السياسية،
بينما يتراوح هذا الأمر بالنسبة للعديد من دساتير العالم بين إطلاق الحرية للمواطنين فى إنشاء الأحزاب السياسية (كما فى دساتير دولة اندروا، واستونيا وألمانيا وإسبانيا وغيرها)، وبين نقيض هذا النموذج الذى يفرض على المجتمع الحزب الواحد الأوحد كما فى الدستور السورى الذى تنص مادته الثامنة على اعتبار «حزب البعث العربى الاشتراكى الحزب القيادى فى المجتمع والدولة»، فضلاً عما بين هذين النموذجين من دساتير أخرى تجيز إنشاء الأحزاب السياسية، لكنها تنص فى الوقت ذاته على القواعد المنظمة لهذه الأحزاب، وفى كل الأحوال فإن المطالبة بالإصلاح السياسى فى مصر يجب أن تدعو إلى إلغاء أو تقليص تدخل الدولة فى تأسيس الأحزاب طالما أنها تستوفى شروط الالتزام بالديمقراطية فى بنيتها الحزبية وكل انشطتها وفعالياتها السياسية.
6- إن الإصلاحات التى طرأت على النظام السياسى فى مصر كانت نتاج إدراك النظام نفسه لضرورات مواءمة أوضاعه الداخلية مع المتغيرات الدولية وتحت إلحاح القوى الرأسمالية الجديدة المرتبطة بالنظام والتى تتوافق مصالحها مع هذا النوع من الإصلاحات التى اعتمدها النظام فى مصر.
ولما كانت المشرحة لا تحتمل المزيد من الجثث فإننا لسنا بوارد إضافة برنامج جديد للإصلاح السياسى، وينحصر الطموح فى إثارة حوار موضوعى حول بعض القضايا المسكوت عنها فى ملفات الإصلاح السياسى والحزبى فى مصر وعلى النحو التالى: أولا – يبدو أن أحزاب المعارضة، قبل السلطة، بحاجة الآن لإعادة تعريف نفسها لإجراء مكاشفة شجاعة لمواقفها ودورها فى الحركة التاريخية من أجل الإصلاح السياسى، وفى هذا المجال تكاد تتفق مدارس الفقه السياسى المتعددة على أن المبرر الوحيد لإنشاء الأحزاب، الذى يميزها عن غيرها من الهيئات والجمعيات وغيرها، هو المشاركة المنظمة فى الحياة السياسية من أجل الوصول إلى السلطة والسيطرة الكاملة عليها أو المشاركة فيها إلى جانب أحزاب أخرى لتحقيق أفكار وبرامج ومشاريع أعضاء هذا الحزب.
وربما باستثناء الإخوان المسلمين، فإنه ليس هناك من حزب معارض آخر فى مصر يسعى بجدية للوصول إلى السلطة والسيطرة عليها، وفى غياب هذا الهدف المشروع فإن الأحزاب تتحول إلى منتديات تمارس مع السلطة ما يشبه برامج التوك شو التى يتابعها الجمهور على الفضائيات، كما لا يوجد بعد فى مصر اتفاق على آليات التغيير والتداول الديمقراطى للسلطة وما إذا كان ذلك سيتم عن طريق إحراز الأغلبية فى البرلمان؟
أو عن طريق النمط الجديد للثورات البرتقالية أو بغيرها من الطرق والوسائل، وتفتقد التجربة الحزبية فى مصر إلى نموذج «حكومة الظل» وغياب البرامج البديلة للحكم وعدم توافر ما يكفى من القادة والكوادر التى يمكنها المنافسة والتفوق فى إدارة شؤون الدولة والحكومة، وغالبا ما يختزل دور مدارس الكادر فى أحزابنا على التلقين وإهدار طاقة الأعضاء، خاصة الشباب فى عقد الندوات الموسمية والمناسباتية، ومرة أخرى، فإنه باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التى تعتمد على مصادر ملتبسة من التمويلات السخية، فإن الغالبية من أحزاب المعارضة تفتقد إلى ما يمكن أن نسميه بصناعة أو اقتصاديات الأحزاب التى تضمن لها استقلاليتها، ولهذا يعتمد الكثير من أحزاب المعارضة على مساعدات مالية محدودة من الدولة،
وهذا الأمر بحد ذاته لا يعيبها، لأنه حق مشروع للأحزاب من المال العام الذى لا يجب أن يحتكره حزب الأغلبية الحاكم، وهو من جهة أخرى واجب ملزم للدولة تؤديه لجميع الأحزاب الشرعية المتنافسة، كما يحدث بنص الدستور فى بعض الدول (مثل الأرجنتين وكولومبيا والسلفادور ومالاوى والكونجو برازفيل)، لكن اعتماد الأحزاب على تمويل الدولة فى غياب الشروط الديمقراطية يحول هذه الأحزاب إلى توابع ذيلية ملحقة بمؤخرة الحزب الحاكم. ويدعو كل ذلك أحزاب المعارضة فى مصر لإعادة النظر بجدية أكبر فى تعريف نفسها على قاعدة دورها الأساسى فى الصراع الديمقراطى لتداول السلطة باعتباره الطريق الصحيح لتطبيق رؤيتها وبرامجها للإصلاح السياسى.
ثانيا – إن الإصلاح السياسى الحقيقى فى مصر مرتبط عضويا بالدائرة الكبرى للإصلاح المجتمعى العام، ولا تستقيم الدعوة الجدية للإصلاح السياسى الجذرى مع ارتفاع نسبة الأمية فى المجتمع ومع تعثر العملية التعليمية وضحالة تأثيرها على الوعى المعرفى والثقافى العام أو السياسى لأجيال التلاميذ والطلاب، فضلاً عن ارتباط الإصلاح السياسى بضرورات الإصلاح الصحى والبيئى والالتزام بالحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان المصرى، كما يرتبط الإصلاح السياسى بدرجة نمو المجتمع المدنى ومستوى المساواة فى المواطنة وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأخرى،
ولهذا لا تكمن إشكالية تعطيل وإعاقة الإصلاح السياسى فى مصر فقط فى طبيعة النظام السياسى وهيمنة الحزب الوطنى على الحكم فهذه وغيرها أعراض ظاهرة للوضعية الراهنة للمجتمع المصرى، خاصة لأزمته الثقافية التى لم يحلها بعد منذ صدمته التاريخية مع الحملة النابليونية عام 1798، وتتفاقم هذه الأزمة الثقافية فى مصر نتيجة تمدد أنماط التفكير السلفى المعادى لكل أشكال الحداثة بما فى ذلك الديمقراطية والإصلاح السياسى، وقد يكون علينا أن نتحلى بقدر أكبر من الشجاعة الأدبية للاعتراف بأن إشكالية تعطيل الإصلاح السياسى فى مصر لا تختزل فقط فى موقف النظام من هذا الإصلاح وإنما تكمن أيضا فى أزمة الوضع الثقافى الراهن فى مصر،
ولهذا لا يمكن أن يقتصر دور النخب المصرية على الدعوة للإصلاح السياسى من دون أن تتحمل هذه النخب مسؤوليتها فى استئناف ما انقطع من دورها التنويرى الفكرى والثقافى وإقدامها على مواجهة تمدد أنماط التفكير السلفى الذى أغلق أبواب الاجتهاد وانتزع لنفسه دون أى سند أو مبرر صلاحيات المصادرة والمراقبة والوصايا على التفكير والإبداع الحر ويتخفى وراء شعارات القيم والأصالة والموروث الثقافى ليفرض على المجتمع نموذجه الطالبانى، ولا نحتاج فى البرهنة على ذلك إلى أكثر من مد البصر قليلا إلى نموذج «الحكومة الربانية» التى أقامها فرع الإخوان المسلمين فى غزة على الحدود الشرقية المتاخمة لمصر.
إن المجتمع الذى يدعو إلى الإصلاح الديمقراطى فى السياسة عليه أن يدعو فى الوقت ذاته لإصلاح ديمقراطى للفكر الدينى السائد فى مصر وفى مواجهة الخلط المتعمد بين الدين والفكر الدينى الذى تبتدعه جماعات بعينها لتمرر ثقافتها المعادية للحرية والمطلقة للتغييب والإصلاح والتقدم.
ثالثا- إن الدعوة إلى الإصلاح السياسى قد لا تنتبه بالقدر الكافى إلى أننا لم نغادر بعد اللحظة التاريخية لأزمة مارس 1954 حتى الآن، وربما باستثناء حسن هيكل، فإن هناك ما يشبه الإجماع على أن أزمة مارس 1954 كانت لحظة فارقة فى تاريخ مصر، وجرى فيها إهدار وإجهاض المبدأ السادس لحركة يوليو: «إقامة حياة ديمقراطية سليمة»، كان تسلسل الأحداث، كما تجمع عليه كل روايات أغلب قادة حركة يوليو نفسهم قد وقعت على النحو التالى: كانت قيادة حركة يوليو 1952 بعد نجاحها دعت الأحزاب السياسية إلى ما أسمته بتطير نفسها بنفسها،
ولكن بعد أقل من ستة أشهر على هذه الدعوة أعلنت قيادة يوليو فى 10/12/1952 عن إلغاء دستور 1923 الذى كان يمثل أساس النظام البرلمانى، وأعقب ذلك الإعلان فى 17/1/1953 عن حل كل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التى تحالفت مع قيادة يوليو ضد الحياة الحزبية والديمقراطية وشاركت فى حكومتها الأولى بوزيرين، قبل أن يقع الخلاف بينهما لاحقا،
وفى 23 يناير 1923 دشن نظام يوليو إلغاء التعددية السياسية والحزبية بإعلانه عن إقامة «هيئة التحرير» باعتبارها الحزب الوحيد المصرح به للعمل السياسى، وقد تناسل من صلب هذا الحزب لاحقا ابنه البكر «الاتحاد القومى» الذى ورثه بعد ذلك «الاتحاد الاشتراكى» وتوالت عمليات التوريث مرورا بمرحلة حزب مصر العربى الاشتراكى، إلى أن وصلنا الآن إلى الحزب الوطنى الديمقراطى.
كانت الخلافات الحادة قد اندلعت داخل أركان ضباط حركة يوليو ما أدى إلى استقالة محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر وعودته تحت ضغط الجماهير، وفى إطار المناورة اضطر مجلس قيادة الثورة فى 25 مارس 1954 إلى اتخاذ القرارات التالية: السماح بقيام الأحزاب ولا يؤلف مجلس قيادة الثورة حزبا ولا حرمان من الحقوق السياسية وانتخاب الجمعية التأسيسة انتخابا حرا ومباشرا وحل مجلس قيادة الثورة فى 24يوليو 1954 باعتبار أن الثورة قد انتهت وتسلم البلاد لممثلى الأمة وتنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها، وبدلا من الالتزام بهذه القرارات جرى إجهاضها والالتفاف عليها وبعد ثلاثة أيام فقط على صدورها شهدت مصر واحدة من أغرب المظاهرات التى عرفها كل تاريخ العالم عندما دبر الفريق الذى يقوده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إخراج المظاهرات التى هتفت «تسقط الديمقراطية.. تسقط الحرية».
وكان تولى عبد الناصر للسلطة فى نوفمبر 1954 بمثابة إعلان عن إجهاض ومصادرة مشروع الجمهورية البرلمانية. لقد تغيرت أمور كثيرة منذ مارس 54، لكننا مانزال بحاجة، لأن نغادر لحظة أزمة مارس لتلتحق مصر بمكانها الطبيعى بين الأمم التى تتقدم بالديمقراطية والحرية، قد يكون الإصلاح السياسى فى مصر صعبا وقد يتأخر لكنه سيكون فى النهاية ممكنا لأنه ضرورى .. وكل ضرورى ممكن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.