محافظ كفر الشيخ يفتتح أعمال تطوير مدرسة بدسوق بتكلفة 6 ملايين جنيه (صور)    منها إسقاط الجنسية عن مصري، 3 قرارات جديدة لرئيس الوزراء    الأحد.. "البحوث الإسلاميَّة" ينظِّم الأسبوع الدَّعوي ال14 بجامعة أسيوط    الإسكان تناقش "تكنولوجيا الإنارة الذكية" بمشاركة عدد من الخبراء والمتخصصين    25 ديسمبر.. الحكم في طعن المعاشات لتنفيذ حكم صرف العلاوات الخاصة    محافظ الغربية: تنفيذ مشروعات ب 2 مليار جنيه خلال عام    الخارجية الفلسطينية: إحراق المستوطنين لمسجد بالضفة انتهاك لحرمة دور العبادة    رسالة من إدريس لوزير الرياضة حول دور اللجنة الأولمبية في صناعة الإنجازات    قرعة دور ال 32 لكأس مصر السبت المقبل    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    إحالة المتهم بقتل أسرة اللبيني للجنايات    مدبولي يشهد توقيع عقد مدرسة للحرف اليدوية ويفتتح "مهرجان الفسطاط الشتوي" غدًا    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة سيارة حادث الراحل إسماعيل الليثي    بروتوكول الممر الموحش    رسالة شكر من الفنان للرئيس، تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي    قرار من رئيس الوزراء بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    مساعد وزير الإسكان يبحث التعاون مع ألمانيا بمجالات رفع كفاءة الخدمات بالمدن الجديدة    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    موعد امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 (موعد إجازة نصف العام 2025-2026)    السجن المشدد ل4 متهمين بسرقة سوبر ماركت بالإكراه فى قنا    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يبحثان تعزيز التعاون مع بنك المعرفة المصري لدعم الأئمة والدعاة    الخارجية السودانية ترحب بتصريحات روبيو: رسالة للدول التي تساعد الدعم السريع    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    المستمتع الجيد.. 5 أبراج تملك مهارة الإنصات وتمنح من حولها الأمان    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    3 زلازل تضرب ولاية باليكسير غرب تركيا    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    الأعشاب ليست بديلا آمنا للأدوية.. احذر وصفات السوشيال ميديا: بعضها ربما يكون سُما    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    اتحاد شركات التأمين: يثمن إتاحة الاستثمار المباشر في الذهب والمعادن النفيسة    بورفؤاد تدفع ب7 سيارات كسح لمواجهة أزمة غرق الشوارع بمياه الأمطار    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    خبير لوائح يكشف سر لجوء اتحاد الكرة للجنة المسابقات لإصدار عقوبات السوبر    الأعلى للثقافة: مدونة السلوك خطوة مهمة لضمان احترام الآثار المصرية وتعزيز الوعي الحضاري    الداخلية تكشف الحقيقة الكاملة لفيديو "البلطجي وسرقة الكاميرات" في الدقهلية.. القصة بدأت بخلاف على الميراث!    زوج يقتل زوجته بعد شهرين من الزواج بكفر الشيخ    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    مواعيد مباريات اليوم في جميع البطولات والقنوات الناقلة    المرشحون يستعدون لجولة الإعادة ب«حملات الحشد»    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    المهن التمثيلية تصدر بيانا شديد اللهجة بشأن الفنان محمد صبحي    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات إصلاح النظام السياسى فى مصر (3) .. ليس بالبرنامج السياسى وحده
نشر في المصري اليوم يوم 04 - 12 - 2009

.. ليس بالبرنامج السياسى وحده، وإنما بتوافر عدد آخر من الشروط الأكثر أهمية يمكن فقط إدراك الإصلاح السياسى فى مصر وتحقيقه. هذا التنويه البدهى يبدو مع ذلك ضروريا للتنبيه إلى عدم كفاية الجهد المحموم الذى تبذله أغلب الأحزاب المصرية المعارضة فى هذه الآونة لإعادة صياغة برامجها القديمة الجديدة للإصلاح السياسى، إذ رغم أنه فى الإجمال يعتبر جهدًا محمودًا فإنه فى كل الأحوال ليس كافيا وحده لرفع التحدى وتحقيق الإصلاح السياسى المنشود فى مصر المحروسة.
كان تقرير ما يمكن أن تحرزه حركة المعارضة من نتائج واسعة أو جزئية ومرحلية فى نضالها من أجل الإصلاح السياسى يعتمد بشكل أساسى على ما يكفى توافره من عناصر ثلاثة متكاملة: وجود أزمة حقيقية فى النظام السياسى ودرجة كافية من تطور ونضج المجتمع خاصة طبقته المتوسطة، ومستوى القدرات الذاتية لأحزاب وقوى المعارضة للتفاعل مع هذين العنصرين لإحداث ما هو ممكن من مشروع الإصلاح السياسى.
ويمكن ان نضيف إلى هذه المعادلة، بلا أدنى تحفظ، عنصرًا رابعاً يتمثل فى: تأثير العامل الخارجى، سلبًا وإيجابًا، فى تقرير مصير ومستوى العملية التاريخية للإصلاح السياسى،
وقد ظهر تأثير هذا العامل الخارجى بكل وضوح فى التجارب الإصلاحية المعاصرة، فى الثورة البرتقالية فى أوكرانيا 2004 2005، وأخواتها الأخرى من الثورات الملونة التى شهدتها عدة بلدان، خاصة من أوروبا الشرقية.
ورغم أهمية العوامل المحلية الثلاثة المشار إليها أعلاه فإن العامل الخارجى يمكنه أن يتقدم عليها فى تقرير مصير ومستوى الإصلاح السياسى بمقدار ما قد يقدمه من دعم أو يمتنع عن تقديمه للحركات الإصلاحية المحلية،
ويمكننا التحقق من هذا الأمر من خلال متابعتنا للسلوك الدولى بشكل عام والأمريكى بشكل خاص الذى انتهجته مع كثير من الأنظمة الرسمية والحركات الإصلاحية فى عدد غير قليل من دول العالم، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى: (التأييد الغربى الخارجى القوى ودعم بابا الفاتيكان لحركة التضامن البولندية بدءًا من عام 1980 ومروراً بمنح ليخ فاونيسا جائزة نوبل للسلام فى 1983 وصولاً إلى انتصار التحول الديمقراطى فى بولندا فى أول انتخابات حرة عام 1990/ والدعم الأمريكى- الغربى لحركات الإصلاح الديمقراطى فى أغلب دول أوروبا الشرقية وتفكيك العديد من دول الاتحاد السوفيتى/ الدعم الخارجى الأمريكى- الغربى للانقلاب العسكرى الذى قاده الجنرال برفيز مشرف فى الباكستان عام 1999، قبل أن ترفع اليد عنه ليعلن استقالته فى 2008/ الدعم الذى قدمته أمريكا للرئيس الهايتى المنتخب برتراند ارستيد فى مواجهة الانقلاب العسكرى فى بلاده وإعادته للحكم عام 1994،
ثم انقلاب أمريكا عليه لاحقا وطرده خارج البلاد رغم إعادة انتخابه ديمقراطيا فى عام 2000/ وكان الموقف الأمريكى الصلب قد تمكن من إعادة رئيس سيراليون المنتخب أحمد تيجان كيتا للحكم فى عام 1998، بعد أن أطاح به الانقلاب العسكرى/ وفى حالة أخرى أدى التدخل الأمريكى فى الشأن الإسرائيلى الداخلى إلى ترجيح كفة إسحق رابين على رئيس الحكومة إسحق شامير فى انتخابات الكنيست 1991/ ونشهد الآن فصلاً مختلفًا من التدخل الأمريكى يتمثل فى تراجع أمريكا عن موقفها من إعادة مانويل بثلايا رئيس هندوراس المنتخب إلى الحكم الذى أطاح به الانقلاب العسكرى فى نهاية يونيو الماضى...إلخ)،
وهذه الأمثلة والعديد الآخر منها يؤكد الأهمية الاستثنائية للدور الأمريكى- الدولى الذى يدعم أو يمتنع عن دعم الحركات الإصلاحية ويقرر إلى حد بعيد مصير ومستوى التغيير السياسى فى العديد من بلدان العالم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوضع المصرى، رغم خصوصيته، لم يكن منذ البداية بعيدًا عن هذا الاعتبار وحساباته المعقدة، وقد حصل ذلك فى تجربة يوليو 1952،
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة التى اتهمت ضباط يوليو بالعمالة للمخابرات الأمريكية، حسب الرواية التى نشرها رجل المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند فى كتابه الشهير «لعبة الأمم»، فإنه من الثابت بالوثائق والوقائع الدعم الذى قدمته واشنطن فى البداية لحركة يوليو، وحسب شهادة القطب الناصرى سامى شرف نفسه فإن: «السفير الأمريكى جيفرسون كافرى بدأ يتحرك علنا على الساحة المصرية، وتردد أنه عقد لقاءات مع الضباط الأحرار الذين كانوا يخططون للقيام بالثورة»، ويضيف إلى ذلك سامى شرف قوله فى شهادته: «إن طبقة الإقطاع والرأسمالية تطلعت إلى أمريكا لمساعدتها لكن واشنطن كانت تنظر إلى الجهة الأخرى وتأمل أن يكون الضباط الأحرار أكثر حكمة فى التعاون معها..
دعمت أمريكا مطلب قادة مصر الجدد فى الحصول على الاستقلال التام ومارست واشنطن ضغوطا هائلة على بريطانيا الحليفة.. وتدعمت العلاقات بين الضباط الأحرار وأمريكا، خاصة بعد أن وصف أتشيسون، وزير الخارجية الأمريكى، مصر بأنها دولة تنتمى للعلم الحر»، وتؤكد هذه الوقائع الموثقة ما نذهب إليه من أهمية تقدير الدور الأمريكى والخارجى، ليس كحدث طارئ وإنما كتأثير ممتد من 1952 وللآن فى تقرير مصير ومستوى الإصلاح والتغيير السياسى فى مصر،
وكان هذا الأمر أكثر وضوحا فى المشهد الفريد من الدراما السياسية الذى تابع العالم كله أحداثه على مسرح مدينة شرم الشيخ فى مايو 2008، فى إطار انعقاد المنتدى الاقتصادى العالمى المعروف باسم منتدى دافوس، عندما تبادل الرئيس المصرى حسنى مبارك والرئيس الأمريكى بوش مقاطعة حضور كل منهما للآخر أثناء إلقاء كلمته الرسمية أمام المنتدى، وذهب الرئيس المصرى إلى أبعد من ذلك عندما امتنع عن وداع بوش بل وخفض المستوى الرسمى وأوفد فقط وزير الخارجية لأداء هذا الواجب،
وقد جرى تفسير هذا المشهد الدرامى من عدة زوايا متنوعة لكنه لم يكن خافيا على أحد أن ماحدث جرى على خلفية احتجاج الرئيس المصرى العلنى على التدخل الأمريكى الفظ فى الشأن الداخلى المصرى بما فى ذلك تأييد أمريكى غير مرغوب فيه وامتناع أمريكى عن تأييد مرغوب منها.
ورغم التغيير الملحوظ الذى طرأ على السياسة الأمريكية الخارجية فى عهد الرئيس أوباما، خاصة لهجة التخفيف من وطأة التدخلات الأمريكية لدعم التحولات الديمقراطية فى مصر ودول الشرق الأوسط الأخرى، فإنه لا يوجد مع ذلك من طرف النظام الرسمى والحزب الحاكم ولا فى أحزاب وقوى المعارضة من يمكنه أن يتجاهل أو يتجاوز فى حساباته الدور والموقف الأمريكى الدولى عندما يتعلق الأمر بمصير ومستوى عملية الإصلاح والتغيير السياسى فى مصر، وكل ادعاءات أخرى تخالف ذلك هى من قبيل اللغو وعلاكة التصريحات على طريقة أحمد سعيد فى صوت العرب أو طريقة سعيد الصحاف فى إعلام صدام حسين.
وبعد مناقشة الدور المحدد للعامل الخارجى فى تقرير مصير ومستوى الإصلاح السياسى فى مصر يمكننا التحول لمناقشة مفهوم ما يسمى أزمة النظام باعتباره العامل الثانى المحدد لهذه العملية السياسية التاريخية، وربما كان من الضرورى هنا دعوة أحزاب وقوى المعارضة لإعادة النظر، ولو قليلا، فى استخدامها المفرط لتعبير الأزمة، إذ لايكاد يخلو خطاب أو تصريح لقادة ورموز المعارضة من استخدام مصطلحات مثل: أزمة الدولة وأزمة النظام وأزمة الحكم وأزمة السلطة وأزمة الديمقراطية..إلخ، وقد أشرنا منذ البداية إلى أن النجاح الذى يمكن أن تحرزه حركة الإصلاح السياسى فى مصر مرتبط شرطًا بنوع وطبيعة ومستوى الأزمة السياسية.
ونظراً لأهمية هذا الارتباط الشرطى فإنه قد يكون من الضرورى إجراء مراجعة نقدية لاستخدامات مصطلح الأزمة فى الخطاب السياسى للمعارضة المصرية وفقا للملاحظات التالية:
1- إن مصطلح الأزمة يستخدم فى العديد من الحالات بشكل متواتر وعشوائى ويخلط عادة فى ذلك ما بين مفاهيم الدولة والنظام والسلطة وأزمة الحكم وكأنها جميعًا مترادفات لمفهوم واحد، ورغم العديد من التعريفات التى تناولت مفهوم الأزمة فإنها تكاد تجمع على أنها نقطة تحول فارقة تهدد أسس النظام واستقراره وربما حتى بقاءه، وتنطوى الأزمة على لحظة تاريخية للتغيير نحو الأحسن أو الأسوأ، وربما لهذا قد يتوجب على الخطاب الإصلاحى فى مصر أن ينطلق من تعريف واضح ومحدد لطبيعة الأزمة الراهنة فى مصر،
فهل هى أزمة تخص الدولة كما حصل ذلك فى مثال الأزمة اليوغسلافية وكما حدث لإثيوبيا والصومال أو ما يحتمل أن يحدث فى المستقبل المنظور فى السودان أو العراق أو ربما اليمن أيضا، أو أنها أزمة تخص النظام السياسى مثلما حصل لإسبانيا وعودتها للنظام الملكى الدستورى، أو ما حدث فى تحول إيران إلى نظام الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، أو ما حدث من تغيير فى النظام السياسى لأغلب دول المنظومة الاشتراكية سابقا، أم أنها أزمة تخص عملية انتقال السلطة والحكم فى إطار نفس النظام كما حصل فى أزمة الأردن عندما تدخل الملك الراحل حسين فى اللحظة الأخيرة لتغليب كفة ابنه على شقيقه، ومثلما حدث فى دولة قطر عندما خلع الابن أباه وولى نفسه أميراً على البلاد، أو ماحدث من صراع على السلطة داخل العائلة فى الكويت،
وما حدث فى أزمة توريث الحكم من الأب للابن فى النموذج السورى، وكان الشىء نفسه مرشحًا لأن يحدث فى أزمة توريث الحكم فى العراق، حيث كان صدام يؤهل ولديه عدى وقصى لخلافته وما هو مرشح لأن يحدث فى الشقيقة الجماهيرية الليبية العظمى أو ما هو مرشح لأن يحدث فى مصر لخلافة جمال مبارك إذا ما قرر الرئيس أخيراً الاكتفاء بالولايات السابقة وعدم الترشح لولاية أخرى سادسة.
أن تحديد الوجه الرئيسى لطبيعة الأزمة الراهنة فى مصر وعدم الخلط بينها وبين أزمات أخرى افتراضية ليس مجرد ترف ثقافى ولا بدعة سياسية بل هو ضرورة وأولوية قصوى تنبغى مراعاتها، لأنها ستحدد الهدف المرئى والممكن الذى يمكن تعبئة الناس حوله لإنجازه أو للاقتراب إلى أقرب نقطة غير قابلة للارتداد عنه.
2- إن حركة المعارضة وهى تستخدم مصطلح الأزمة فى خطابها تسقط أحلامها على الواقع فتنفصل عنه بدلا من أن ترتبط به، فقد شاع فى هذه الخطابات منذ فترة غير قصيرة الحديث المرسل عن الأزمة التى تبشر بالانهيار الوشيك للنظام، وأحدهم قال قبل عامين: «إن عقارب الساعة تدور بسرعة إلى النهاية فى مصر، والعد التنازلى لنظام مبارك يمضى إلى لحظة الصفر»،
وقال آخر قبل ثلاثة أعوام: «مصر تعيش حالة من الغليان تنذر بانفجار شديد جدا» ونحتفظ بقائمة طويلة من مثل هذه التصريحات التى قد تناسب الموجة التى تبث عليها بعض الفضائيات فيما هى تفقد المعارضة المزيد من رصيدها المحدود فى الشارع المصرى وتنتقص من صدقيتها ومن حسن تقديرها للواقع وهى من الأمور المهمة التى تميز بين الحركات السياسية التى لديها مشروع حقيقى وواقعى للإصلاح السياسى فى مصر وبين جماعات التشهير وظواهر الفقاقيع الصوتية والثورات الافتراضية التى يعج بها المشهد المصرى الراهن.
ومرة أخرى وليست أخيرة ليس بالبرنامج وحده يمكن تحقيق الإصلاح السياسى فى مصر رغم الاهتمام الكبير الذى توليه الأحزاب الآن للإعلان عن برامجها السياسية، ورغم التوجه الصحيح للتنسيق فيما بينها للتوافق على برنامج سياسى إصلاحى موحد قدر الإمكان، لأن البرنامج وحده يبقى محصورا فى إطار البلاغ اللغوى، ويلزمه الكثير من الشروط الأخرى لكى يتحول إلى رافعة حقيقية للإصلاح والتغيير فى مصر.
وهذه المسألة على وجه التحديد هى التى تميز الحزب عن غيره من الهيئات الأخرى فى المجتمع مثل الصالونات الفكرية والجمعيات والمنتديات الأهلية غير الحكومية، ولمزيد من إيضاح هذا الأمر المهم يمكن الاعتماد على مثال واقعى من الحياة السياسية المصرية، كان الاقتصادى الكبير الراحل الدكتور سعيد النجار أسس مع آخرين فى مطلع التسعينيات جمعية أهلية اسمها «النداء الجديد» التى أصدرت كتيبها الأول فى يونيو عام 1992 وتضمن «الدعوة للخروج من نطاق الحكم الفردى وضرورة وجود ديمقراطية حقيقية ورد السيادة للشعب وإحداث رقابة فعالة واحترام مبدأ المساءلة السياسية وإنهاء سيطرة الدولة على الإعلام وإحداث إصلاح دستورى حقيقى..»،
وما ورد فى كتيب هذه الجمعية فى وقت مبكر نسبيا يكاد يتوافق مع البرامج التى أصدرتها أحزاب المعارضة لاحقا مثل البرنامج الذى أصدرته لجنة الدفاع عن الديمقراطية والحريات فى ديسمبر 1997، والنداء الذى أصدرته جبهة الإنقاذ الوطنى بعد الغزو الأمريكى للعراق أو البيان الذى صدر مؤخرا عن الاجتماع الذى عقد بمقر حزب التجمع فى 8/11/2009 وضم أحزاب: الوفد والتجمع والناصرى والجبهة الديمقراطية.
وإذا لم يكن من الممكن مساءلة جمعية النداء الجديد عما فعلته ببرنامجها الإصلاحى، فإنه بالمقابل يجب مساءلة الأحزاب عما فعلته ببرامجها السياسية التى لا تكف عن إصدارها تباعا، لأن أحزاب المعارضة ليست جمعية وليس هناك من مبرر لاستمرارها كأحزاب إن هى تحولت عمليا إلى جمعية أو منتدى فكرى أو سياسى،
وربما لهذا نقترح مناقشة الملاحظات التالية:
1 قد يكون من المناسب أن تبادر الأحزاب المصرية بمراجعة المردود السياسى العملى للجهد الذى بذلته وتبذله فى إصدار برامج للإصلاح السياسى، وقد يكون من المفيد اقتراح آلية جديدة تتمثل فى لجنة مصغرة تنبثق عن الاجتماعات التنسيقية للأحزاب وتضم مثقفين مستقلين لمراجعة أوجه القصور الذاتى فى ربط الصلة بين البرامج التى تصدرها وفرص تحويلها إلى إمكانية عملية للتحقق، وهذه الآلية تختلف نوعيا عن الكلام المرسل الذى اعتدنا سماعه من أيام الاتحاد الاشتراكى عن ضرورة النزول للجماهير والالتحام بها، ومن الطريف أن يصدر مثل هذا الكلام مؤخرا عن السيد محمود أباظة رئيس حزب الوفد الذى قال فى كلمته أمام مؤتمر الوفد فى 22/11/2009: «وسوف نذهب إلى الشعب ولا ننتظر أن يأتى إلينا»!!
2 إن أحزاب المعارضة التى ترفع فى برامجها مطالب محقة تشدد على الإصلاح السياسى والديمقراطى مطالبة من جهتها بإثبات جدارتها لرفع هذه المطالب المحقة، أولا بالبرهنة على سلوك داخلى ديمقراطى مع من تختلف معهم داخل كل حزب ومع من تختلف معهم فى الأحزاب الأخرى، ويحتاج هذا الأمر ثانيا إلى مراجعة نقدية علنية لمواقف هذه الأحزاب من الديمقراطية، فحزب التجمع وأحزاب اليسار المصرى بشكل عام مطالبة بإعلان موقفها الواضح مما حدث للديمقراطية من انتهاكات فى تجربة دول ما يسمى المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى،
ولا يقبل التيار القومى للآن مراجعة ما ارتكبه النظام الناصرى بحق الديمقراطية، ولا يجوز لمن يرفع فى مصر مطالب محقة بعدم التمديد لولاية رئيس الجمهورية أن ينشر فى جريدته الحزبية إعلانات مدفوعة الأجر للاحتفال بالعيد الأربعين لجلوس العقيد قائد الثورة على عرش الشقيقة الجماهيرية العظمى، ولا يجوز لمن يرفع فى مصر مطالب محقة بمعارضة التوريث أن يبتلع لسانه عندما يتعلق الأمر بالحديث عن توريث «الشبل» عرين النظام فى سوريا خلفا للأسد الأب.
وفى السياق ذاته كان إعلان الإخوان المسلمين أخيراً عن أول برنامج سياسى فى 2007 قد قوبل بترحيب عام، لكنه مع ذلك أثار حوله الكثير من الأسئلة حول جوهر موقف الإخوان من الإصلاح الديمقراطى، خاصة عندما دعا هذا البرنامج لإنشاء «هيئة لعلماء الدين وظيفتها تقديم الرأى الملزم للسلطة التشريعية والتنفيذية» وهو استنساخ فاضح لنموذج ولاية الفقيه ولجنة صيانة الدستور فى إيران، وقد يعنى أن الإخوان اضطروا لمجاراة الأحزاب فى المطالبة بالديمقراطية باعتبارها تكتيكا للتمكين من الحكم ومن ثم تحويل مصر إلى دولة دينية يحكمها الملالى وآيات الله فى الطبعة السنية الجديدة للإخوان المسلمين.
3 إن مفتاح حل الأزمة السياسية فى مصر لايكمن إذن فى البرنامج الإصلاحى الذى يتوافر إلى حد التخمة، وإنما يكمن فى الشروط الأخرى الغائبة التى تحول البرنامج إلى إرادة للتغيير، ويتوقف هذا الأمر إلى حد بعيد على الدور المفقود للنخبة المصرية التى يبدو أنها لا تزال واقعة تحت ضغوطات «سيف المعز وذهبه» أو إغراءات السلطة وقمعها،
فيما يرى آخرون المشكلة فى استسلام النخبة لطوفان الإسلاموية السياسية بما جرفته معها من قيم وأفكار، وتوقف هذه النخبة عن مواصلة رسالتها الأساسية فى التنوير والمناداة بالتحديث والإصلاحين السياسى والديمقراطى، وأيا ما كانت صحة أو خطأ هذه التفسيرات فإن مصر تبدو بحاجة ماسة إلى روح جديدة ونخب جديدة.. وحزب سياسى جديد، وهذا هو عنوان وموضوع المقال الأخير فى ملفات الإصلاح السياسى فى مصر المحروسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.