كنت أعمل فى مستشفى آدنبروك فى كمبردج بإنجلترا، وكان المبنى الذى اكتشف فيه العالمان واطسون وكريج.. مركب ال D.N.A ونالا عن هذا الكشف المثير جائزة نوبل، كان هذا المبنى ملاصقاً لمبنى سكن الأطباء الذى هو أمام المستشفى.. زرت هذا المبنى الذى كان بينى وبينه عشر خطوات.. فبهرنى موديل لل«دى.إن.إيه» أو الD.N.A وهو الشريط الوراثى المكون من اثنين من الأشرطة الحلزونية التى تلتف حول بعضها البعض، وهذه الأشرطة هى المسؤولة عن نقل الصفات الوراثية!.. قابلنى بعض العلماء الذين يعملون فى هذا المبنى الضخم، فعرفت كيف تعرض هذان العالمان لهجوم شرس من الحاقدين حتى إن البعض أطلق على هذا المركب ال(دى.إن.إيه)، أطلق عليه The W.C. Structure أى مركب دورات المياه!! ذلك لأن W ترمز للعالم واطسون Watson، أما ال C فهى ترمز للعالم Crick.. قلت فى نفسى ما قاله أبوالعلاء: بنو الفضل فى أوطانهم غرباء تشذ وتنأى عنهم القرباء كان هذا الاكتشاف هو الذى فتح البوابة أمام علم الوراثة، وبالتالى الاستنساخ والهندسة الوراثية. لقد نجح العلم فى استنساخ الخلايا، وأصبح قادراً على عمل قطعة من جلد مريض محروق وفى حاجة إلى جلد، أن يستنسخ جلداً مساحته 30سم x 30سم من قطعة جلد صغيرة 1سم x 1سم! كما أصبح العلم قادراً على استنساخ الخلايا الجذعية Stem Cells واستخدامها فى إصابات القلب والنخاع الشوكى! كما نجح العلم بواسطة الهندسة الوراثية فى استنساخ خيول دربى، وأبقار بمعدة خنزير، وجلد خروف (للصوف) ولبن بشرى! أما معدة الخنزير فلأنها قوية! لقد سبقت العلوم الفنون، فقد نجح العلم فى صناعة سكر تزيد حلاوته ألفى مرة على السكر العادى، وهذه كارثة على صناعة السكر، كما أنها تتفوق على الفنان محمد قنديل الذى يغنى: تقول سكر.. أقول أكتر متين مرة! يذكر لنا باتريك ديكسون فى كتابه «ثورة الجينات» أن هناك فى المعامل البريطانية 62 ألفاً من الحيوانات المهندسة وراثياً With new Genetic Code منها العنزة الخروف أو العِنزروف Sheep Goat وهى تباع عند الجزارين، لحمها أكثر وسعرها أرخص! أما عن استنساخ الأعضاء، فهذا حلم من أحلام الهندسة الوراثية، هذا الحلم هو تعطيل كل ما فى الخلية الجسمية إلا الشفرة الخاصة بكبد أو كلى أو قلب، فهذه الشفرة تفتح لعمل العضو المطلوب! فى 12 مارس 1997 أعلن البرلمان الأوروبى أن عملية الاستنساخ تدمر اثنين من قوانين حقوق الإنسان: أ- مبدأ المساواة بين البشر (واحد له والد واحد والآخر له والدان). ب- مبدأ عدم الإكراه والعنف، إكراه وعنف على الإنسان الآخر المستنسخ، كما أدان البرلمان الأوروبى وبوضوح العبث بالهندسة الوراثية فى هذا المجال، وأوصى باستخدامها الاستخدام الأمثل لصالح الإنسان. لقد قدمت الهندسة الوراثية للإنسان: هورمون النمو، عوامل التجلط لمرضى سيولة الدم (هيموفيليا)، الأنسولين البشرى، فاكسين فيروس B، دلالات الأورام، كما قدمت فى الزراعة أشجار المال!، قمحاً يقاوم البرد، الملوحة، الجفاف، كما قدمت طماطم، موزاً، تفاحاً لا تفسد سريعاً Softning Genes، أيضاً تحويل النشا إلى سكر، بكتيريا تثبت النيتروجين لجذور النباتات، أما فى الصناعة، فقد توصلت إلى بكتيريا تلتهم البترول الذى يلوث المحيطات، أيضاً بكتيريا اسمها زبال المواسير، تحول الميثان إلى ميثانول (كحول) يذيب الدهون داخل المواسير المسدودة. إنه قرن الجينات حقاً، ووجب علينا أن نغير المثل الشعبى القائل «مكتوب على جبينك» إلى «مكتوب على جينك» كالسكر.. والضغط، والقلب، والسرطان.. بل العمر أيضاً. [email protected]