أربعة وعشرون مليوناً منا أميون، لا يعرفون القراءة والكتابة حتى فى حدودهما الدنيا. تصريح للدكتور رأفت رضوان، رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، لفت نظرى منطوق التصريح الذى بدلاً من أن يقول- كالمنتظر- انخفضت لدينا نسبة الأمية خلال السنوات الأخيرة ووصلت إلى... كذا، قال بصدق وصراحة وصلت نسبة الأمية فى مصر إلى حوالى 26% من إجمالى عدد السكان مما يعنى أن النسبة بدلاً من أن تقل وتنحصر وتتراجع كما فى بلاد الدنيا تعلو عندنا وتزيد وتصل إلى ما يقرب من ثلث تعدادنا، أمية كاملة منها عدد ثمانية ملايين نسمة يعرفون فقط كتابة أسمائهم وهى أمية أيضاً ولا تعنى أى معرفة، تعنى فقط بديلاً للبصم بالأصابع، أكثر من ستين أو سبعين سنة نجرى وراء وهم محاربة الأمية والقضاء عليها ونفشل. وحتى نضع ذلك الإحصاء فى مكانه الصحيح ونستدل على الأرقام الحقيقية لنسبة الأمية فى مصر علينا أن نضيف إليها ونحن مرتاحو البال والضمير أمية تلاميذ المدارس الحكومية والتى يجلس فى فصولها من ثمانين إلى مئة وعشرين تلميذاً فى بعض المناطق فلا يتعلمون شيئاً على الإطلاق ولا حتى القراءة والكتابة، ينتقلون فقط من سنة إلى أخرى بقوة الدفع وكذب بيانات وزارة التربية والتعليم وإتاوات مدرسى المجموعات والدروس الخصوصية ثم يصلون إلى الشهادة الابتدائية وبعدها الإعدادية وهم أميون أمية شبه كاملة غير منقوصة، أمية قراءة وكتابة وأمية وعى بالتاريخ أوالحساب أو الجغرافيا أو العلوم أو غيرها، فى أدراجنا الدراسات والبيانات والإحصاءات والتحليلات عن الأمية وأسبابها ودوافعها وأساليب مواجهتها دون أن نستخدمها أو نستعملها، وعندما تطرأ المشكلة من جديد لسبب من الأسباب لا نبحث فى الأدراج القديمة ولا الدراسات والاقتراحات المستكملة بل يحلو لنا دائماً فى مشكلة الأمية وفى غيرها أن نبدأ كل مرة من جديد من نقطة الصفر ومن أول السلم، المعرفة عندنا بالمشكلة وأساليب مواجهتها لا تتجمع أو تتراكم بل تتعثر وتختفى وكأنها لم تكن ثم نبدأ من جديد، بادئين بتعريف ما الأمية؟ ومن الشخص الأمى؟ وكم نسبتها؟!.. نعلم كل ذلك لكنه إهدار الوقت والجهد الذى أدمناه؟ وتبقى النسبة كما هى بل تتزايد بفعل انتشار الجهل بقيمة العلم وخلل وتخلف منظومة التعليم وإهمال أى دراسات سابقة ربما وضعها أعداء لنا أو مسؤولون تركوا مناصبهم ولا داعى لمجاملتهم أو الاعتراف بفضلهم. أليس عيباً وفضيحة أن تكون نسبة الأمية فى مصر بهذة الضخامة؟ أربعة وعشرون مليوناً لا يقرأون ولا يكتبون بل يتزايدون ونتشدق نحن بأننا قلب الأمة ومركز الثقل فى المنطقة ونحن الثقافة والتعليم والفن والإبداع أو هكذا كنا.. ما يقرب من ثلث عددنا أميون ونأمل فى المستقبل، أى مستقبل بينما يسود الجهل؟ جهل القراءة والكتابة وجهل التعليم الحقيقى وليس المظهرى أو الإحصائى ومعه الفقر ومعه المرض، سياسات تعليمية متعاقبة ووجهات نظر وزير ثم وزير آخر ومجالس عليا للتخطيط ولجان من لجان من لجان ولاشىء يتغير. ما الصلة بين هذه الأرقام المرتفعة للأمية وشبه الأمية وبين انتشار الأفكار المتطرفة والمنغلقة والمتشددة فى مجتمعنا الآن؟ بينها وبين البعد عن إعمال العقل أو استفتاء القلب والانصياع الكامل لكل ما تردده فضائيات المذاهب والملل والمصالح بينها وبين انفجار عدد السكان من سنة لأخرى بمتوالية جهنمية تلتهم أى أمل فى تحسن الظروف والأحوال، بينها وبين تقلص فرص العمل والإنتاج المبنى على المعرفة والعلم ثم الاندفاع للخارج شمالاً وشرقاً فى مهن لا تليق وبأجور تقترب من حد الكفاف تتساوى مع مستوى التعليم والتأهيل المتدنى، بينها وبين توطن مرض وباء أنفلونزا الطيور وتكدس تلال القمامة وانفلات أخلاق الشارع المصرى؟ بين هذه النسبة وبين الانصياع لتدهور الأحوال وسرقة الأراضى ونهب الثروات وتزييف الانتخابات والرضا بمقومات الحياة فى حدها الأدنى، إن لم تكن الأمية هى كل السبب فهى على الأقل ثلثه كنسبتها عندنا أو قل هى الأرض الممهدة والبيئة الملائمة والسهلة لتوطن وتوحش كل هذه المظاهر وغيرها فى مصر. [email protected]