أثارت قصيدة الشاعر عبدالرحمن الأبنودى «مواويل وتناتيش للذكرى.. جمال عبدالناصر»، ردود فعل بين الأدباء والمثقفين الذين أبدوا اندهاشهم من الكلمات التى اختارها الأبنودى فى مدح وذكرى عبدالناصر، الذى اعتقل فى عهده أكثر من مرة، وكان ممن تأذوا وقت حكمه، ووصفوا القصيدة بأنها صرخة ورصد لواقع يعيشه المصريون الآن، وأن الأبنودى لخص 40 عاماً فيما يشبه البانوراما الشعرية، وقال بعضهم إن صناع القرار فى مصر عليهم أن يقرأوا تلك القصيدة جيداً ليفهموا منها واقع شعبهم الآن، ويدركوا أنهم يعيشون فى جزر منعزلة عنه. وصفت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى قصيدة الأبنودى بأنها «صرخة» من شاعر ظل طوال حياته يعلى من شأن الكلمة، وأن الأبنودى بتلك القصيدة رسم بانوراما للأربعين عاماً الماضية، وأراد بها أن يقول شهادة حق، وأضافت: «تلك الشهادة لا يمكن لأحد أن يشكك فى نوايا صاحبها لأنه عاش الحقبة الناصرية بحلوها ومرها، بل إنه ذاق مرارة السجن فى تلك الأيام، لذا فإننا بقراءة بسيطة لتلك القصيدة سندرك أنه لا يلهث وراء شىء سوى شهادة حق، خاصة أنه دائماً ما يعتبر القراء ثروته التى لا يفرط فيها أبداً». وأضافت فريدة: «قرأت القصيدة 4 مرات متتالية إلى الآن، وفى كل مرة أبكى كثيراً لأننى أشعر بأن هذا الشاعر العظيم يكتب بصدق ويشخّص الواقع بكل أمانة، بل إنه يذكرنا بأيام جمال عبدالناصر ويقارن بمرونة عالية بينها وبين ما يحدث الآن، لذا يجب على القائمين على القرار أن يتوقفوا كثيراً عند الواقع الذى رصده الأبنودى فى قصيدته ليدركوا أنهم يعيشون فى جزيرة منعزلة تماماً عن الناس، وما يؤكد صدقه أن الأبنودى ذاق مرارة السجن فى أيام عبدالناصر، إلا أنه يصر رغم ذلك على أن يتجاوز المرارات الشخصية، ويأبى أن ينساق وراء أكاذيب وافتراءات أضرت بصورة مصر فى الخارج»، وتابعت: «القصيدة تعتبر رد اعتبار لزعيم عظيم على لسان شاعر من أكبر شعراء العامية فى مصر». ويرى الكاتب والروائى أسامة أنور عكاشة أن مجرد قراءة تلك القصيدة يستشعرها كبار السن وهم يتذكرون أيام عبدالناصر، ويدهش لها الصغار الذين لم يعاصروا عهد عبدالناصر، ورغم ذلك لايزال اسمه يتردد ونحن فى الألفية الثالثة، وقال عكاشة: «الشعراء هم ضمير الأمة، لذا فعندما يتذكر الأبنودى أيام عبدالناصر فى وقتنا الحالى فهو يعبر عن حقيقة فى الشارع المصرى، وهى أنه رغم اختفاء عبدالناصر عن أنظارنا فإنه لايزال حياً فى عقول الناس، لذا فتوجه الأبنودى فى القصيدة هو حالة وجدانية ناتجة عن فكره ولسان الشعب أيضاً، ففى ذروة الأزمات التى اختنق منها الشعب لم يجد متنفساً يذكره بأيام تعد من أجمل ما يكون سوى عهد ناصر». وأضاف عكاشة: «لم يجد الأبنودى نوراً يفيق به من الظلمات التى نعيشها الآن سوى تذكر أيام ناصر، فاختار كلمات يعبر بها عن صفاته مثل أنه كان همه الأول والأخير هو حل أزمات المصريين ومعاناتهم بكل أنواعها، وتذويب الفوارق بين الطبقات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأجمل ما فى القصيدة أن كاتبها هو من أكثر الذين تأذوا فى عهد عبدالناصر، لأن الأبنودى تعرض للاعتقال والسجن أكثر من مرة فى ذلك الوقت، لذا فما ذكر فى القصيدة هو بمثابة شهادة حق ومسألة ضمير جمع فيها آراء العديد من المواطنين الآن، ونسى تماماً ما عاناه شخصياً، ولكنه توقف عند قيمة الرجل وقيمة التصاقه بمبدئه وحبه لهذا الوطن». وقال الكاتب والأديب جمال الغيطانى: «إن قصيدتى الأبنودى وفاروق جويدة الأخيرتين، تمثلان حالة شعرية لابد من التوقف عندها»، مشيراً إلى أنهما يثبتان وجود قلق وخوف من المستقبل وعلى الوطن، وقال الغيطانى: «الأبنودى بقصيدته الأخيرة يؤكد أنه وصل إلى الذروة الشعرية، فهى أشبه ما تكون بحالة شعرية كونية، فهو يحذر من الواقع ويدق ناقوس الخطر حتى ننتبه جميعاً إلى ما يمكن أن يؤول إليه المستقبل»، وتابع الغيطانى: «لو كنا قرأنا أعمال نجيب محفوظ قبل 67 لاستطعنا أن نتغلب على الهزيمة، ولو أمعنا النظر فى قصيدة الأبنودى التى يرصد فيها واقعنا الآن لانتبهنا إلى خطورة ما سنواجهه فى المستقبل». ولفتت الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد إلى أن الأبنودى الذى يعيش الآن فى 2009، لم يجد شيئاً إيجابياً يتحدث عنه أو يكتب فيه أشعاراً سوى عبدالناصر، وهو ما وصفته بأبلغ تعبير يوضح عدم وجود أى مقارنة بين ما نعيشه الآن وعصر ناصر، وقالت: «غالباً ما يبحث الشاعر عما يستشعره من حوله ويبدأ فى كتابته بطريقته الشعرية، ولا ننسى أنه تحدث فيها أيضاً عن بعض سلبيات عبدالناصر، التى تعرض لها شخصياً أثناء اعتقاله، وذلك أمر طبيعى لأن لكل عصر سلبيات وإيجابيات وأخطاء، ولكن ما تتعرض له مصر الآن، خصوصاً أنها ليست فى فترة حرب، يحتاج إلى صرخات مدوية كتلك القصيدة». وأضافت: «تناولت القصيدة البحث عما كان لابد أن يعمل، فبعد انتصارنا فى 1973 كلنا حلمنا بنهضة واستفادة حقيقية من أخطائنا السابقة، ولكن ذابت كل الأحلام وسط الإهانات المستمرة للشعب وحرمانه من الحريات، فلم يجد الأبنودى أملاً يتحدث فيه بعد عدم استفادتنا من كل ما تعرضنا له سوى تذكر عبدالناصر، وكما ذكرت فى إحدى مقالاتى (منذ عشرات السنين كنا نقاوم بالسلاح، وفى أكتوبر 2009 نقاوم القمامة والسرطانات والسحابة السوداء)، فماذا سيكتب الشعراء الآن، هل سيمدحون فى سيطرة المال والسلطة أم لجنة السياسات، لذا فإن قصيدة الأبنودى هى لسان حال معظم المصريين».