بعد 16 يوما فقط من بدء نظر القضية، أصدرت محكمة دريسدن الألمانية الابتدائية أمس حكما بالسجن مدى الحياة ل «أليكس دبليو فينز» قاتل الصيدلانية المصرية مروة الشربينى، وهى أقصى عقوبة فى ألمانيا لكنها تختصر عادة إلى عقوبة مع وقف التنفيذ بعد مرور 15 عاما، وفى حال خلصت المحكمة إلى أن الجانى ارتكب «جرما جسيما»، ربما تستمر العقوبة طوال العمر، وهو ما دفع وكالة الأنباء الألمانية إلى القول بأن القاتل لن يفرج عنه بعد مضى الخمسة عشر عاما. كان المدعى العام فى القضية طالب بتوقيع عقوبة السجن مدى الحياة على المتهم مع التأكيد على أنه ارتكب «جرما جسيما» بقتله المرأة المصرية «بدم بارد» طعنا بالسكين بطريقة وحشية أمام ابنها علاوة على إصابة زوجها بجروح عرضت حياته للخطر. ونظم مسلمون ألمان وقفة احتجاجية أمام المحكمة فى نفس توقيت جلسة النطق بالحكم رفعوا فيها الشعارات والصور التى تطالب الحكومة الألمانية بضرورة وقف ما سموه «الحرب الإعلامية ضد الإسلام»، مؤكدين أن «مروة» لن تكون الأخيرة فى حال استمرار تلك الدعايات المسيئة للإسلام، خاصة عبر مواقع الإنترنت. صلاح الدين أبوحمزة، وهو ألمانى الأصل أعلن إسلامه عام 2001، ويرأس مؤسسة «الدعوة للجنة» المشرفة على تنظيم الوقفة قال ل«المصرى اليوم»: «فى الوقت الذى تحاول فيه الحكومة الألمانية الإسراع فى عملية دمج المسلمين فى المجتمعات الألمانية، وكما أن لدينا أناس يؤمنون بحرية العقيدة ولا يهتمون بما أؤمن به طالما أننى مواطن صالح، لدينا جهات أخرى لا تسىء فقط للإسلام أو ترفضه، ولكنها تحرض عليه بشكل غير مباشر عبر وسائل الإعلام». وأضاف: «تجدين من يقول لك ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون، وهذه عبارة كافية أن تثير الخوف والكراهية ضد كل المسلمين. هذا غير العديد من المواقع على شبكة الإنترنت التى تسىء للإسلام وتصور معتنقيه بسفاكى الدماء عبر أعمال مثل الفيلم التسجيلى «الفتنة الثانية» وقد أنتجه حزب «برو خوقان» ضد الإسلام». وتابع: «وقد قلت مراراً للمسؤولين الألمان إن مثل هذه الأمور هى السبب فى وجود متطرفين مثل أليكس فينز، ودعينى أقول لك شيئاً مهماً فى قضية مقتل مروة الشربينى، إن دريسدن ليس بها مسلمون كثيرون، على العكس فإن نسبة المسلمين بها قليلة، فمن أين جاء عداء أليكس للمسلمين الذين وصفهم بالمتخلفين الإرهابيين فى معرض إساءته لمروة؟ من تلك المواقع التى ترسخ لتلك المفاهيم. وتعجب «أبوحمزة» من المسؤولين الألمان الذين يبررون ما حدث لمروة بأن المتهم ألمانى من أصل روسى، ولذا فعل ما فعل، وتساءل: لماذا يتذكرون أصوله الروسية الآن؟، وأجاب : لأن الجريمة تسىء لهم، ولكن منذ أيام قتل فى أفغانستان أحد الجنود الألمان وهو من أصل روسى ويدعى «زارجى» وقالوا عنه بطل، ولم يذكر أحد تلك الجذور الروسية». وقال: «لا يراودنى الشك فى إن قاتل مروة الشربينى سيعاقب بالسجن، ولكن ماذا عمن هم مثله ويتتبعون المسلمين فى كل ألمانيا نتيجة للتحريض الإعلامى ضد الإسلام كما يفعل الكاتب «كاى زكلوسكى» حيث يردد فى كل مكان أن الإسلام ينتشر فى ألمانيا كالوباء». ويفتخر أبوحمزة، الذى بات بعد إسلامه أحد الدعاة للإسلام فى ألمانيا، بأن الكثير من الألمان دخلوا الإسلام على يديه عبر محاضراته وندواته التى ينظمها فى كل أرجاء المانيا، ويضيف: «قبل أن أعلن إسلامى كان اسمى بيير فوجل، وكنت لاعب ملاكمة محترفاً، ولكننى قررت الدخول فى الإسلام لأننى أدركت سماحته وذهبت إلى جامعة أم القرى فى مكة ودرست العربية والإسلام، وهناك مثلى كثيرون فى ألمانيا». يُذكر أن المنظمات الإسلامية فى ألمانيا تحرص على التواجد فى المناسبات التى ترى فيها وسيلة للتذكير بتلك النظرة العدائية من قبل بعض الألمان ضد المسلمين، وقضية عدم اعتراف الحكومة الألمانية حتى الآن به كدين رسمى مثل المسيحية واليهودية. وتنظر الجهات الأمنية لتلك المنظمات ب«عين الريبة» ما عدا من يتحدث منها بالألمانية مثل مؤسسة «الدعوة للجنة» التى يرأسها أبوحمزة، وذلك لتمكن الأمن من فهم أحاديث المنظمات الألمانية. وتشير التقارير الرسمية الألمانية إلى أن المسلمين يشكلون نحو 5% من إجمالى تعداد السكان فى ألمانيا، بينما يمثلون نحو ربع عدد المهاجرين فى ألمانيا. ويقطن فى العاصمة الألمانية برلين، وحدها، ما يقرب من 7% من إجمالى عدد المسلمين فى ألمانيا. كما تتنوع الأصول الإقليمية التى جاء منها المهاجرون المسلمون إلى ألمانيا، ويأتى فى المرتبة الأولى هؤلاء من ذوى الأصول التركية، ويبلغ تعدادهم حسب الإحصائيات الرسمية هنا نحو 6.2 مليون نسمة من إجمالى تعداد المسلمين فى ألمانيا، يليهم المهاجرون المسلمون من دول جنوب شرق أوروبا، كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وألبانيا، ويبلغ تعدادهم ما يقرب من نصف مليون نسمة، وتأتى فى المرتبة الأخيرة مجموعات المهاجرين المسلمين من دول منطقة الشرق الأوسط، ويقدر عددهم بنحو 330 ألف مسلم. «نحاول أن نكون صورة صحيحة للإسلام، وأن نزيل من الأذهان كل ما علق بالإسلام من صور غير صحيحة» هكذا جاءت كلمات محمد سيف الدين، أو كما ينادونه هنا «أبوأنس»، المولود فى ألمانيا من أبوين تركيين كانا قد هاجرا فى نهاية الستينيات لألمانيا واستقرا بها. وأضاف «أبوأنس» فى عربية مدموغة بالألمانية: «المسلمون المهاجرون هنا يستحيون من إسلامهم، على الرغم من أن الحكومة الألمانية أعلنت أن قدرة المهاجرين المسلمين على الكفالة الذاتية داخل المجتمع الألمانى تبلغ 80%، هؤلاء يستطيعون تحصيل دخول وظيفية شهرية أو الحصول على أجور نظير القيام بأنشطة مستقلة، لكن المسلمين المهاجرين يخشون أن يتسبب إعلانهم لدينهم أو التزامهم بتعاليمه فى حرمانهم من التواجد على الأرض الألمانية، فينعزلون على أنفسهم وهو فهم خاطئ، ولذا كثيرا ما نردد لهم أن ألمانيا غير البلاد التى أتوا منها، بمعنى أنها دولة ديمقراطية». وعلى الرغم من حديث أبوأنس، الداعى للمسلمين، إلى ضرورة الاندماج داخل المجتمع الألمانى دون أن يخشوا من الإعلان عن تقاليدهم وحياتهم الخاصة، فإن الواقع يؤكد أن هناك دعاوى تقف ضد تحقيق ذلك الاندماج بشكل صحيح، وتجد تلك الدعاوى مساحة من التأييد بين عدد من أفراد الطبقة الوسطى، الذين يخشون على مستقبل ألمانيا فى ظل استمرار تزايد أعداد المسلمين. وحسب استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «إمنيد» لصالح صحيفة «بيلد» الواسعة الانتشار فى ألمانيا فإنَّ 51% من الألمان يشعرون بعدم وجود القدرة على الاندماج مع غير الألمان خاصة المسلمين. وهو الجدل الذى ثار فى ألمانيا عقب الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية فى برلين فى نهاية شهر سبتمبر الماضى لصالح أحد الطلبة المسلمين بأداء صلواته فى فترة الاستراحة داخل مدرسته الثانوية، لتنطلق تحذيرات السياسيين من تأثير ذلك الحكم على عملية الاندماج، معتبرين أنه سيعمق الهوة بين المسلمين وغير المسلمين فى ألمانيا. قد تنتهى فصول محاكمة مروة الشربينى التى قُتلت بسبب مظهرها الإسلامى من قبل متطرف ألمانى من أصول روسية، ولكن هل تستطيع الحكومة الألمانية أن تمحو مخاوف المسلمين من تكرار الاعتداء عليهم وعلى زوجاتهم؟