عروش تقام وعروش تُهَد.. وحضارات تبيد وأخرى تسود.. وتستمر الجدليات وتتصاعد التساؤلات فى الضمائر الباحثة عن الحقيقة.. بعيداً عن المطلق.. كنت أظن ولسنوات عديدة أن حب الأوطان حقيقة ثابتة مطلقة لولا ما قرأته وما شاهدته من جحود ومزادات بيع انتماء.. ونطف ملوثة تئن منها أرحام أوطاننا ذات المعايير متقلبة المزاج والأهواء تتحكم حتى فى كتابة تاريخها بمداد تغذيه الهبات والعطايا لتضيع الحقيقة فى تصنيع آلهة ترتفع نسبة قدسيتها وتقل تبعاً لما تقدمه من نفحات ليُظلم التاريخ بين بخل الحاكم وعطائه ورضا المنتفعين.. لتبدأ طقوس الزفة وتفرد لها صفحات فى سجل التاريخ سوداء أو بيضاء حسب الهوى ودرجة الشبع.. وهكذا وفى كل العصور يظل البحث عن الحقيقة مصدر خيبة وشقاء للباحث عن بصيص نور من خلال مقارنة وتحليل حين يتجرد عن الأنا.. ولعل بعض ما يهمنا هو حقيقة تلك العلاقة غير السوية بين الأنظمة والشعوب.. وذلك الزواج غير المتكافئ الشبيه بقصة تلك الصبية وزفافها إلى كهل بعد عملية تسنين رخيصة لتدخل بيته جارية مستعبدة ليس لها سوى الواجبات أما الحقوق فقد استلمها سماسرة الصفقة تحت شروط بيع قسرى.. على العكس من زواج قائم على قبول وتكافؤ واحترام.. مما لا ينطبق على أغلب شعوبنا التى تباع (كلّها على بعضها فى صفقة واحدة). تحت شرط (من الصبر إلى القبر) لتتضح حقيقة الهوة بين الأنظمة والشعوب التى تظل تندب حظّها صمتاً لتموت الإرادة والأمل بينما يظلّ الفضول بانتظار رشفة حقيقة.. مما يضطره إلى اللهاث وراء وسائل الإعلام التى من المفترض وحسب قوانين الشرف الإنسانى أنها تحتل إحدى كفتى ميزان الديمقراطية مع النظام لخلق توازن يصبّ فى مصلحة الشعب والسلطة بينما الإعلام عكس ذلك، فهو لم يكتف بأن يكون بوقاً للسلطة بل أصبح سيفها المصلت على الرقاب مقتحماً أدق التفاصيل الخاصة مخترقاً ما تنص عليه الدساتير والقوانين والمبادئ فى فبركة الحقيقة وتزييفها.. أما الحقائق المختبئة فى كواليس السياسة والمال المعتم فلم يعد إعلامنا حريصاً على تسليط الضوء عليها بل يحاول جاهدا أن يعبئ رائحة العفن والعطن المنبعثة منها فى زجاجات بلّور على الرغم من (قرف) الجمهور وسخريته.. إعلام مزيف وكتيبة أقلام كاذبة وكروش منتفخة رياء.. وشعب يبحث عن ثمة إشعاع أمان يخفف خوفه، على الأقل فيما يزعزع إحساسه بالطمأنينة خاصة تلك الجرائم البشعة التى تختفى تداعياتها ونتائج أحكامها فى (قمقم سحرى داخل صندوق سرى فى تابوت مدفون فى مغارة من دخلها مفقود.. مفقود..) جرائم قتل وانتهاكات واختلاسات وتبديد ثروات.. وإعلام صباحاته منشّطات ومساءاته منوّمات.. فأين هى الحقيقة؟.. أين هى من احتلال العراق والديمقراطية الكاذبة؟.. أحداث أبوغريب؟.. التجزئة تحت مسمى الفدرلة؟.. كردستان وغرائب سياسية واقتصادية واستثمارية؟.. النفوذ الإيرانى فى العراق جنباً إلى جنب مع الاحتلال؟؟ وجود إيران فى سوريا ولبنان؟ قضية فلسطين وغيبوبتها بين فتح وحماس؟ السودان وملفات تقسيم وغموض؟ الطائفية السياسية فى اليمن؟؟ الصحوة الجماعية لأقليات وطوائف بمسمّيات مختلفة والمطالبة بحقوق تتأرجح بين رفض وقبول؟.. النساء المعتقلات والأطفال فى سجون العراق؟ جفاف دجلة والفرات وكارثة إنسانية مقبلة؟؟ وحقائق آنيّة وتاريخية.. سياسية ودينية.. اجتماعية وفردية حدّث ولا حرج.. فتعالوا أنت وأنا.. هو وهى.. نبحث ونبحث لعلّنا نجدها فى.. مالطا. إليك: أنت وحدك..!! حقيقة ممتدة مع العمر قبل أن تكون وأن أكون.. شجرة حياة.. جذورها مغروسة فى عمق الأنفاس.. أغصانها شرايين.. براعمها أحلام تتفتح ورود أمل.. ثمارها بشائر تسبح فى موجات نور.. أنت وحدك.. لؤلؤة فرح تعترش محّارة الروح.. أنت وحدك.. فارسى الأزلى المرسوم على مرآة الحق.. الموشوم على ذراع العدل.. المحفور على جسد الغد.. المزروع فى رياض الوجدان. أنت وحدك.. أعود إليك بكل طقوس الشوق.. أتكئ على خطوات الحزن.. أحمل بين يدى كفنى وخنجر الندم.. أطلب العفو.. فاظهر سيدى.. انطلق من ملكوت الغوث.. تستأصل الوهم المعشش فى العروق.. تسحق أقزام الغدر المختبئة فى جوف الخوف.. اظهر.. فقد ملّ الصبر وطال الانتظار.