لم يكن التصوير فى هذا التحقيق سهلاً على الإطلاق.. ربما يفسر ذلك قلة الصور التى تصاحبه، والسبب هو تعذر التصوير فى الأماكن المغلقة كمعامل التحاليل ونقابة الأطباء والمستشفى الشهير، وما يجره هذا علينا من مساءلة قانونية. حتى التصوير فى شوارع القاهرة والأماكن المكشوفة كان مغامرة غير مأمونة العواقب، يكفى أن يلاحظ السمسار كاميرا تتعقبه وتصوره، حتى يكتشف اللعبة على الفور، ولكم أن تتخيلوا ما الذى سيفعله بنا فى ذلك الموقف. لذلك كان على زملائنا المصورين أن يبتكروا كل يوم حيلة جديدة يستطيعون بها اقتناص اللقطات دون أن يكشفهم أحد، ويكشفنا معهم بدورنا. كان أولهم الزميل أدهم خورشيد الذى اختار أن يذهب معنا فى أول جولة لنا داخل منطقة إمبابة، حيث يتخذ السماسرة مأواهم خلف محكمتها الشهيرة.. قادنا أدهم داخل سيارته التى حمل زجاجها ملصقاً صغيراً ل«المصرى اليوم»، وفى منتصف الطريق لاحظ أدهم وجود الملصق فحاول إزالته، وعندما فشل راح يبحث عن ملصقاً آخر يضعه على الملصق القديم حتى لا يلفت نظر أهالى المنطقة لحقيقة أمرنا، رغم أننا حاولنا إثناءه بدعوة أن الملصق لا يمكن أن يلفت نظر أحد لصغر حجمه، إلا أن أدهم أصر على موقفه وهو يردد بصوت منخفض «الحرص واجب». ومن أدهم إلى الزميل محمد عبدالغنى الذى رافقنا فى أحد لقاءاتنا بالسمسار فى ميدان الكيت كات.. استأجر محمد «تاكسى»، ووقف على مسافة معينة تسمح له بالتصوير عن بعد، دون أن يلاحظ السمسار وجوده، ولما طالت وقفة التاكسى لجأ محمد إلى حيلة طريفة، إذ طلب من السائق أن يخرج من التاكسى ويتظاهر بأن السيارة معطلة طالباً منه أن يفتح غطاءها الأمامى، وينحنى عليه ليوحى بأنه يقوم بتصليحها، بينما محمد يجلس بداخلها مختفياً ويلتقط الصور، دون أن يكتشف وجوده أحد. أما الزميل أحمد المصرى الذى رافقنا لفترة طويلة فيما بعد فقد صادفته عدة مواقف تختلط فيها الطرافة بالخطورة، منها أننا كنا قد تواعدنا فى إحدى المرات أن ينتظرنا أسفل إحدى العمارات فى الدقى يقع بداخلها معمل تحاليل شهير.. استأجر المصرى «تاكسى» ورابط تحت العمارة، بعد أن اتفق معنا على «تثبيت» السمسار لحظات قليلة على باب العمارة حتى يتسنى له أن يصورنا سوياً، وبالفعل نفذنا نحن من ناحيتنا ما اتفقنا عليه مع المصرى، أما هو فقد حاول أن ينفذ ما وعد به إلا أنه لم يلاحظ وجود أحد البنوك أسفل العمارة، وبمجرد أن أخرج الكاميرا ليلتقط صورتنا مع السمسار فوجئ بأحد رجال الشرطة الذين يقومون على حراسة البنك يتجه ناحيته وعينه مثبتة على الكاميرا، ولم يضع أحمد الوقت إذ صرخ فى سائق التاكسى أن يتحرك بسرعة قبل أن يلتقط الصورة.. فيما بعد قال لنا أحمد إنه ضحى بالصورة من أجل ألا يمسكه رجل الشرطة، ويسأله ماذا كان يصور، وساعتها سوف يعلو صوته بما يلفت نظر السمسار الذى كان سيكتشف حقيقتنا، والله وحده يعلم ما الذى كان سيفعله معنا.