حزب مستقبل وطن يعقد لقاءًا تنظيميًا إستعدادًا لخوض انتخابات مجلس النواب 2025    غلق فوري.. محافظ الدقهلية يتوعد منافذ السلع المخالفة للأسعار والجودة    «تعليم المنوفية»: ظهور حالات «جدري الماء» بمدرسة الباجور خفيف ولا يمثل خطورة    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    المملكة تؤكد في مؤتمر "الأونكتاد" برؤية 2030 ودعم التنمية المستدامة والتحول الرقمي والطاقة النظيفة    حماس: أكدنا لتركيا التزامنا بوقف إطلاق النار رغم خروقات العدو المتكررة    حدود الخرطوم المنتهكة، تقارير تتهم دولة جنوب السودان بنقل أسلحة ومرتزقة لميلشيا الدعم السريع    الحكومة العراقية تجدد عقد إستيراد الكهرباء من الأردن    دخل السجن بسبب «أموال القذافي» وأيّد حظر النقاب.. 44 معلومة عن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق    السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي لانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان    رئيس الاتحاد السكندري: "تحملت 100 مليون جنيه من جيبي في 3 شهور"    ألونسو: جولر مزيج من أوزيل وجوتي.. مستوانا يتحسن معه    هل يتم تعطيل الدراسة بالمنوفية بعد انتشار الجدري المائي؟ وكيل التعليم يجيب (فيديو)    رفضت العودة إليه.. جيران سيدة مدرسة حي الزيتون ضحية طعن زوجها يروون لحظات الرعب    أبطال وصناع فيلم السادة الأفاضل على الريد كاربت ب "الجونة السينمائي" (صور)    ماجدة خير الله تهاجم لميس الحديدي.. لهذا السبب    منها زراعة 5 آلاف نخلة وشجرة.. «أثري» يكشف الاستعدادات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    مجلس الشؤون الإنسانية بالإمارات يعرض فيلم «ويبقى الأمل» في مهرجان الجونة    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    استشاري مناعة: الخريف موسم العدوى الفيروسية ولقاح الأنفلونزا ضروري قبل الشتاء    تحت شعار «قطرة دم.. حياة».. «تربية المنيا» تطلق حملة للتبرع بالدم    رقابة بلا جدوى !    غرائب الأخبارالسبعة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    لافروف: الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا ليست صادقة    هل على ذهب الزينة زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الخارجية يدعو التقدم لامتحانات الوزارة: لدينا عجز فى خريجي الحقوق    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    أستاذ علاقات دولية: مصر أصبحت محط أنظار المستثمرين بالعالم خاصة أوروبا    عاجل- مصر تتصدر الدول العربية في استقطاب مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات تتجاوز 161 مليار دولار    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    مقتل 3 عناصر إجرامية فى تبادل إطلاق النار مع الأمن بالغربية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: تحليل أدبى لمرض نفسى

منذ طفولتى لم أفرح بالعيد مثل أخى، جدتى كانت تناوله العيدية فى الخفاء بعيداً عن عيوننا نحن البنات، تعطى البنت نصف ما تعطىالولد، يتفاخر أخى بنصيبه المضاعف فيكشف السر، أقذف فى حجر جدتى بقروشها، أرفض أن أكون نصف أخى، يسقط فى المدرسة كل عام وأنا أنجح بامتياز، تستعين جدتى بالله لتبرر ظلمها وتقول : ربنا قال البنت نص الولد يا بنت ابنى.
ينفش أخى ريشه مثل الديك الرومى، يميزه الله عنى أنا بالذات، يشعر بعقدة النقص كلما تفوقت عليه أخته الأصغر، أخى كان مثل زوجى الأول والثانى، كلما تفوقت عليهما اشتد غضبهما منى، حتى طلقتهما من حياتى بالثلاثة، أما زوجى الثالث فهو طبيب وأديب يتساوى معى، لا يعانى عقدة النقص أو الغيرة، لهذا استمر زواجنا خمسة وأربعين عاما، ولأنه يسكن فى الجنوب بمحافظة الجيزة، وأنا أسكن فى شبرا فى الشمال بمحافظة القاهرة.
كرهت الأعياد فى طفولتى، تكشف لى عن مظالم ذكورية وطبقية، فى المدرسة الابتدائية كانت ابنة المأمور تعتبر نفسها من الطبقة الحاكمة، تتباهى بحذائها اللميع فى العيد، وحارسها العسكرى يمشى خلفها، يشترى لها كل شىء من دكانة ألف صنف وصنف، ترمق حذائى القديم وتغمز لأختها، تدب على الأرض بكعبها الجلدى المتين، تفرقع البمب مع أخيها المتغطرس بجوار نافذتى، تتحرش بى وأنا واقفة أمام بيتى، تنتهز أى فرصة لتوجه لى لفظا جارحا، قصيرة القامة جسمها مملوء باللحم، بطيئة الحركة، تقول عنى «طويلة وهابلة» بسبب قامتى الطويلة، وخطوتى السريعة الرشيقة.
كانت أمى تقول لى، البنت دى غيرانة منك يا نوال، عشان انتى شاطرة فى المدرسة وهى بليدة، وإنتى طويلة وهى مكعبرة، هى عاوزة تبقى صاحبتك، عشان كدة دايما تجر شكلك وتطاردك، اوعى تردى عليها.
كلما تجاهلتها زاد غضبها منى، تطاردنى مرددة «طويلة وهابلة»، ابتسم بسخرية وأمشى فى طريقى لا أبالى بها، لا تكف عن مطاردتى وقذفى بالألفاظ السيئة. فى نهاية العام نجحتُ بتفوق وهى سقطت، جاءتنى أختها الأصغر وقالت: أختى عاوزة تصاحبك، ليه مش عاوزة تصاحبيها يا نوال؟ قلت لها: عشان هى بليدة فى المدرسة وبتسقط فى الامتحان، وكمان هى تخينة وقصيّرة وبتمشى زى البطة، وضحكنا كالأطفال.
ابنة المأمور فى مدرستى الابتدائية علمتنى أكثر مما علمنى الطب النفسى، أن الاعجاب والكراهية وجهان لعملة واحدة، نحن نشعر بالإعجاب بشخص ما لأنه يملك ميزات لا نملكها، نشعر بالنقص فى وجوده فتغزونا الكراهية، قد يتحول الإعجاب إلى حب، نحن لا نحب إلا من نشعر أنه أفضل منا، إن بادلنا الحب بالحب عفونا عنه،
نغفر له تميزه عنا، إن لم يبادلنا مشاعرنا يصبح عدوا، نكيل له الاتهامات وأبشع الصفات، قد نقتله بالرصاص فى الواقع أو فى الحلم، وجوده يؤلمنا ويؤرقنا، نفرح لفشله أو موته، أو كارثة تحل به وأولاده، إذا نجح وتألق أصابتنا غصة، يتجسد فشلنا أمامنا، تتضاءل صفاتنا بالنسبة لصفاته،
 تشتد عقدة النقص لدينا، لا يداويها الا أن نكيل له الشتائم، نشيع عنه النقص أو الدونية، نشيع عن أنفسنا الكمال أو السمو، ندرك فى أعماقنا أنه أفضل منا، نتعمد إنكار هذه الحقيقة بالوعى واللاوعى، نخدع أنفسنا والآخرين، لا نكف عن الكذب حتى نصدق أنفسنا ونستريح، راحة مزيفة، تقودنا إلى الإحساس بالتعب أو الأرق، نلجأ فى النهاية إلى الطبيب، يعطينا بعض الأقراص المنومة أو المهدئة أو المضادة للاكتئاب.
الطب النفسى يسمى ذلك «الحيل اللاشعورية لتعويض النقص» أو «عمليات الدفاع اللاواعية عن الذات المجروحة»، أومحاولة «الإزاحة»، كى «نزيح» عن كاهلنا ما نشعر به من نقص إلى شخص آخر، نتهمه بالنقائص، ونحكى عن أنفسنا حكايات مصنوعة تؤكد إخلاصنا لله والوطن، وما نتمتع به من إيمان وتقوى وشهامة وشجاعة.
نوع من المرض النفسى يصاب به بعض الرجال والنساء فى العالم أجمع، تختلف الأسباب من شخص إلى شخص، العامل المشترك بينهم «عقدة النقص»، يصاب بها الإنسان فى الطفولة، يصاحبها الاحساس بالعظمة، التغطية اللاشعورية عن النقيض.
هؤلاء الأشخاص نلتقى بهم فى مراحل عمرنا المختلفة، فى مدرستى الابتدائية كانت هى ابنة المأمور، فى المدرسة الثانوية كانت زميلة أخرى لا تكف عن إيذائى لأنتبه إليها، فى كلية الطب كان زميل لى لا يكف عن مطاردتى بخطابات غرامية ركيكة، كان يشبه ابنة المأمور، قصير القامة، لم يكن سمينا مثلها بل نحيفا جدا، ضئيل الجسم ضعيف الشخصية، يعوض عن ذلك بالبطولات الوطنية والدينية،
أصبح عضوا نشطا فى الإخوان المسلمين، نمت له الزبيبة والسبحة واللحية، حاول ضمى إلى جماعته الدينية دون جدوى، لم يكن أبى يثق فى الجماعات الدينية، يقول لى دائما: «خلط الدين بالسياسة دجل وشعوذة.
أصبح الزميل الإخوانى عدوا لى، بعد رسائل الإعجاب والحب لم يكف عن مطاردتى بالإشاعات، ثم قام بتأليف كتاب قال فيه، إننى دخلت جماعة الإخوان المسلمين حين كنت طالبة بكلية الطب، وبنيت فيها جامعا، وأصبحت «الإمام» لهذا الجامع، وكان يصلى من خلفى الطالبات والطلبة، (خيال أدبى ركيك يشبه خطاباته السابقة).
لم يصدقه أحد بالطبع، إذا كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل، ولم يكن حزب الإخوان يؤمن أن المرأة يمكن أن تكون الإمام فى أى جامع، فالمرأة فى نظرهم ناقصة عقل ودين، هل يمكن أن يعطوها المال أو التصريح لتبنى جامعا؟ وإن بنته على حسابها فهل يمكن لها أن تؤم المصلين؟ هل تقف أمامهم ويرون جسدها الأنثوى من الخلف ينثنى وينتصب؟
كان ذلك فى منتصف القرن الماضى العشرين، وفى هذا القرن الواحد والعشرين ألا يعترض الكثيرون من هؤلاء على أن تكون المرأة إمامة جامع، وبعضهم يعتبرون وجهها عورة يجب أن تغطى وتحجب؟ يوم 25 نوفمبر 2009، فى العيد الماضى، دق جرس التليفون فى بيتى، جاءنى صوت صديقة،
قالت لى: قريتى يا نوال اللى كتبته عنك فلانة (واحدة من زميلات قديمات)؟ قلت لها: لم أقرأ، كتبت إيه؟ قالت: جعلت من نفسها بطلة شجاعة فى السجن وإنتى عملتك مذعورة مرعوبة من الإعدام، كمان انتى وشيتى بيها عند إدارة السجن فنقلوها إلى الحبس الانفرادى، الست دى دايما تطاردك بالإشاعات السيئة ليه يا نوال؟
قلت: «لأنها بتحبنى»، وضحكتُ ضحكة الأطفال.
تساءلت صديقتى: معقول تحبك؟ قلت: «الحب والكراهية» وجهان لعملة واحدة مش كدة واللا إيه؟ قالت: لازم تردى عليها، العين بالعين والسن بالسن، مش كدة واللا إيه؟، قلت: لو طبقنا هذه الآية (من التوراة) لأصبح سكان العالم عمياناً وبدون أسنان، ثم تذكرت نصيحة أمى فى طفولتى «التجاهل يضايق أكثر»، قالت صديقتى: فيه ناس ممكن تصدق اللى هى بتقوله عليكى، قلت: الناس عندها عقل، إن كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل.
أصبح صوت صديقتى يشبه صوت أمى فى طفولتى: لازم هى غيرانة منك يا نوا ل، لأنك طويلة القامة، وهى سمينة ومكعبرة، قلت لصديقتى: حرام عليكى يا شيخة دى ست كويسة رغم كل شىء، فيه ناس من جماعتها الدينية أسوأ منها بكثير، على الأقل هى دمها خفيف.
قالت صديقتى بغضب: إنتى اللى عقلك خفيف وعندك سذاجة طفولية على رأيها.
لم أفهم لماذا غضبت صديقتى، إنها أيضا واحدة من زميلاتى القديمات، لا تطلبنى فى التليفون إلا لتقرأ لى ما يكتب عنى من قدح وذم وتلويث لسمعتى، يتهدج صوتها بالبهجة وهى تقرأ الاتهامات والشائعات، حينئذ أتذكر قولة جدتى فى طفولتى: «ما شتمك الا من بلغك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.