حصول 36 مؤسسة تعليمية على الجودة والاعتماد بتعليم قنا    بنك مصر يطلق حملته الترويجية الجديدة لاعفاء العملاء من الرسوم الإدارية لمدة 60 يوم    وزير الصناعة يشهد توقيع اتفاقية لتحويل مراكز التدريب المهني إلى منصات لبناء كوادر فنية مصرية ماهرة    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    إعلام عبرى: ترامب يعتزم اتخاذ خطوات بالشرق الأوسط دون انتظار نتنياهو    تقارير: دي بروين يوافق على الانضمام لنابولي في الصيف المقبل    لجنة الاستئناف تعلن تأجيل قرارها بشأن تظلمات الأهلي والزمالك    وفاة سيدة صدمها القطار بالشرقية    "الداخلية" تكشف تفاصيل خطف مواطن طفله من زوجته ب"توك توك"    الصور الأولى لضحايا حادث محور دار السلام بسوهاج بسبب أعمال الصيانة والرصف    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إنشاء مستشفى أورام طنطا الجديد    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    تعليم أسيوط: الإلتزام بالجدول الزمني للإنتهاء من المواد المقررة    لا نعلم مصير 3 منهم.. إسرائيل تكشف مستجدات وضع الأسرى في غزة    سفير أوكرانيا: انتهاء الحرب العالمية لحظة فاصلة في التاريخ الإنساني    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بعد 18 يوم من وفاته.. تشييع جثمان صبحي عطري غدًا ب دبي    طارق الشناوي: "بوسي شلبي كانت دوما بجوار محمود عبدالعزيز باعتبارها زوجته.. وهذه شهادة حق"    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    «اللي في قلبهم على لسانهم».. 5 أبراج لا تعرف المجاملة    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    هل التوتر يسبب أمراض رئوية مزمنة؟    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    شيكابالا يواصل الغياب عن الزمالك أمام سيراميكا مع أيمن الرمادى    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة يشهد توقيع اتفاقية للتعاون التقني بين مجموعة السويدي ومركز (سيرسي) الإسباني لأبحاث موارد الطاقة    وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يلتقى محافظ طوكيو لبحث التعاون فى مجالات بناء القدرات الرقمية ودعم ريادة الأعمال    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    الأهلي ضد الاتحاد السكندري.. الموعد والقناة الناقلة لقمة السلة    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    سعر جرام الذهب اليوم فى مصر الخميس 8 مايو 2025.. تراجع عيار 21    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: تحليل أدبى لمرض نفسى
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 12 - 2009

منذ طفولتى لم أفرح بالعيد مثل أخى، جدتى كانت تناوله العيدية فى الخفاء بعيداً عن عيوننا نحن البنات، تعطى البنت نصف ما تعطىالولد، يتفاخر أخى بنصيبه المضاعف فيكشف السر، أقذف فى حجر جدتى بقروشها، أرفض أن أكون نصف أخى، يسقط فى المدرسة كل عام وأنا أنجح بامتياز، تستعين جدتى بالله لتبرر ظلمها وتقول : ربنا قال البنت نص الولد يا بنت ابنى.
ينفش أخى ريشه مثل الديك الرومى، يميزه الله عنى أنا بالذات، يشعر بعقدة النقص كلما تفوقت عليه أخته الأصغر، أخى كان مثل زوجى الأول والثانى، كلما تفوقت عليهما اشتد غضبهما منى، حتى طلقتهما من حياتى بالثلاثة، أما زوجى الثالث فهو طبيب وأديب يتساوى معى، لا يعانى عقدة النقص أو الغيرة، لهذا استمر زواجنا خمسة وأربعين عاما، ولأنه يسكن فى الجنوب بمحافظة الجيزة، وأنا أسكن فى شبرا فى الشمال بمحافظة القاهرة.
كرهت الأعياد فى طفولتى، تكشف لى عن مظالم ذكورية وطبقية، فى المدرسة الابتدائية كانت ابنة المأمور تعتبر نفسها من الطبقة الحاكمة، تتباهى بحذائها اللميع فى العيد، وحارسها العسكرى يمشى خلفها، يشترى لها كل شىء من دكانة ألف صنف وصنف، ترمق حذائى القديم وتغمز لأختها، تدب على الأرض بكعبها الجلدى المتين، تفرقع البمب مع أخيها المتغطرس بجوار نافذتى، تتحرش بى وأنا واقفة أمام بيتى، تنتهز أى فرصة لتوجه لى لفظا جارحا، قصيرة القامة جسمها مملوء باللحم، بطيئة الحركة، تقول عنى «طويلة وهابلة» بسبب قامتى الطويلة، وخطوتى السريعة الرشيقة.
كانت أمى تقول لى، البنت دى غيرانة منك يا نوال، عشان انتى شاطرة فى المدرسة وهى بليدة، وإنتى طويلة وهى مكعبرة، هى عاوزة تبقى صاحبتك، عشان كدة دايما تجر شكلك وتطاردك، اوعى تردى عليها.
كلما تجاهلتها زاد غضبها منى، تطاردنى مرددة «طويلة وهابلة»، ابتسم بسخرية وأمشى فى طريقى لا أبالى بها، لا تكف عن مطاردتى وقذفى بالألفاظ السيئة. فى نهاية العام نجحتُ بتفوق وهى سقطت، جاءتنى أختها الأصغر وقالت: أختى عاوزة تصاحبك، ليه مش عاوزة تصاحبيها يا نوال؟ قلت لها: عشان هى بليدة فى المدرسة وبتسقط فى الامتحان، وكمان هى تخينة وقصيّرة وبتمشى زى البطة، وضحكنا كالأطفال.
ابنة المأمور فى مدرستى الابتدائية علمتنى أكثر مما علمنى الطب النفسى، أن الاعجاب والكراهية وجهان لعملة واحدة، نحن نشعر بالإعجاب بشخص ما لأنه يملك ميزات لا نملكها، نشعر بالنقص فى وجوده فتغزونا الكراهية، قد يتحول الإعجاب إلى حب، نحن لا نحب إلا من نشعر أنه أفضل منا، إن بادلنا الحب بالحب عفونا عنه،
نغفر له تميزه عنا، إن لم يبادلنا مشاعرنا يصبح عدوا، نكيل له الاتهامات وأبشع الصفات، قد نقتله بالرصاص فى الواقع أو فى الحلم، وجوده يؤلمنا ويؤرقنا، نفرح لفشله أو موته، أو كارثة تحل به وأولاده، إذا نجح وتألق أصابتنا غصة، يتجسد فشلنا أمامنا، تتضاءل صفاتنا بالنسبة لصفاته،
تشتد عقدة النقص لدينا، لا يداويها الا أن نكيل له الشتائم، نشيع عنه النقص أو الدونية، نشيع عن أنفسنا الكمال أو السمو، ندرك فى أعماقنا أنه أفضل منا، نتعمد إنكار هذه الحقيقة بالوعى واللاوعى، نخدع أنفسنا والآخرين، لا نكف عن الكذب حتى نصدق أنفسنا ونستريح، راحة مزيفة، تقودنا إلى الإحساس بالتعب أو الأرق، نلجأ فى النهاية إلى الطبيب، يعطينا بعض الأقراص المنومة أو المهدئة أو المضادة للاكتئاب.
الطب النفسى يسمى ذلك «الحيل اللاشعورية لتعويض النقص» أو «عمليات الدفاع اللاواعية عن الذات المجروحة»، أومحاولة «الإزاحة»، كى «نزيح» عن كاهلنا ما نشعر به من نقص إلى شخص آخر، نتهمه بالنقائص، ونحكى عن أنفسنا حكايات مصنوعة تؤكد إخلاصنا لله والوطن، وما نتمتع به من إيمان وتقوى وشهامة وشجاعة.
نوع من المرض النفسى يصاب به بعض الرجال والنساء فى العالم أجمع، تختلف الأسباب من شخص إلى شخص، العامل المشترك بينهم «عقدة النقص»، يصاب بها الإنسان فى الطفولة، يصاحبها الاحساس بالعظمة، التغطية اللاشعورية عن النقيض.
هؤلاء الأشخاص نلتقى بهم فى مراحل عمرنا المختلفة، فى مدرستى الابتدائية كانت هى ابنة المأمور، فى المدرسة الثانوية كانت زميلة أخرى لا تكف عن إيذائى لأنتبه إليها، فى كلية الطب كان زميل لى لا يكف عن مطاردتى بخطابات غرامية ركيكة، كان يشبه ابنة المأمور، قصير القامة، لم يكن سمينا مثلها بل نحيفا جدا، ضئيل الجسم ضعيف الشخصية، يعوض عن ذلك بالبطولات الوطنية والدينية،
أصبح عضوا نشطا فى الإخوان المسلمين، نمت له الزبيبة والسبحة واللحية، حاول ضمى إلى جماعته الدينية دون جدوى، لم يكن أبى يثق فى الجماعات الدينية، يقول لى دائما: «خلط الدين بالسياسة دجل وشعوذة.
أصبح الزميل الإخوانى عدوا لى، بعد رسائل الإعجاب والحب لم يكف عن مطاردتى بالإشاعات، ثم قام بتأليف كتاب قال فيه، إننى دخلت جماعة الإخوان المسلمين حين كنت طالبة بكلية الطب، وبنيت فيها جامعا، وأصبحت «الإمام» لهذا الجامع، وكان يصلى من خلفى الطالبات والطلبة، (خيال أدبى ركيك يشبه خطاباته السابقة).
لم يصدقه أحد بالطبع، إذا كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل، ولم يكن حزب الإخوان يؤمن أن المرأة يمكن أن تكون الإمام فى أى جامع، فالمرأة فى نظرهم ناقصة عقل ودين، هل يمكن أن يعطوها المال أو التصريح لتبنى جامعا؟ وإن بنته على حسابها فهل يمكن لها أن تؤم المصلين؟ هل تقف أمامهم ويرون جسدها الأنثوى من الخلف ينثنى وينتصب؟
كان ذلك فى منتصف القرن الماضى العشرين، وفى هذا القرن الواحد والعشرين ألا يعترض الكثيرون من هؤلاء على أن تكون المرأة إمامة جامع، وبعضهم يعتبرون وجهها عورة يجب أن تغطى وتحجب؟ يوم 25 نوفمبر 2009، فى العيد الماضى، دق جرس التليفون فى بيتى، جاءنى صوت صديقة،
قالت لى: قريتى يا نوال اللى كتبته عنك فلانة (واحدة من زميلات قديمات)؟ قلت لها: لم أقرأ، كتبت إيه؟ قالت: جعلت من نفسها بطلة شجاعة فى السجن وإنتى عملتك مذعورة مرعوبة من الإعدام، كمان انتى وشيتى بيها عند إدارة السجن فنقلوها إلى الحبس الانفرادى، الست دى دايما تطاردك بالإشاعات السيئة ليه يا نوال؟
قلت: «لأنها بتحبنى»، وضحكتُ ضحكة الأطفال.
تساءلت صديقتى: معقول تحبك؟ قلت: «الحب والكراهية» وجهان لعملة واحدة مش كدة واللا إيه؟ قالت: لازم تردى عليها، العين بالعين والسن بالسن، مش كدة واللا إيه؟، قلت: لو طبقنا هذه الآية (من التوراة) لأصبح سكان العالم عمياناً وبدون أسنان، ثم تذكرت نصيحة أمى فى طفولتى «التجاهل يضايق أكثر»، قالت صديقتى: فيه ناس ممكن تصدق اللى هى بتقوله عليكى، قلت: الناس عندها عقل، إن كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل.
أصبح صوت صديقتى يشبه صوت أمى فى طفولتى: لازم هى غيرانة منك يا نوا ل، لأنك طويلة القامة، وهى سمينة ومكعبرة، قلت لصديقتى: حرام عليكى يا شيخة دى ست كويسة رغم كل شىء، فيه ناس من جماعتها الدينية أسوأ منها بكثير، على الأقل هى دمها خفيف.
قالت صديقتى بغضب: إنتى اللى عقلك خفيف وعندك سذاجة طفولية على رأيها.
لم أفهم لماذا غضبت صديقتى، إنها أيضا واحدة من زميلاتى القديمات، لا تطلبنى فى التليفون إلا لتقرأ لى ما يكتب عنى من قدح وذم وتلويث لسمعتى، يتهدج صوتها بالبهجة وهى تقرأ الاتهامات والشائعات، حينئذ أتذكر قولة جدتى فى طفولتى: «ما شتمك الا من بلغك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.