الأرجح أن جزءاً كبيراً من حالة الثقة التى تنتاب بعض المسؤولين السابقين والحاليين فى انتقاد رئيس الوزراء الأسبق د.كمال الجنزورى، والتعليق على أدائه، وإلقاء مسؤولية عدد كبير من الكوارث والأزمات عليه، مرجعها حالة أقرب إلى اليقين لدى هؤلاء أن الرجل سيبقى صامتاً، ولن يرد على أحد، ولن يخرج مثل غيره من السابقين والأسبقين، ليقدم إجابات على الأقل من وجهة نظره لعلامات الاستفهام الكثيرة التى تلحق اسمه، بدءاً من أسباب عزله، وقصة الخلافات داخل حكومته، ومراكز القوى التى تشكلت فيها لتطيح به فى النهاية، وعلاقته بالرئيس مبارك، وطريقة معاملته عقب خروجه من السلطة، والتى مرت دون تقدير أو تكريم أو استحسان. من أين يأتى هؤلاء إذن بهذه الثقة الكبيرة فى صمت الرجل، وبالتالى يتحركون فى الهجوم عليه كما يشاءون، دون اكتراث برد فعل، أو حذر من هجوم مضاد؟ هل فقط لأنهم يعرفون أن الرجل اختار الصمت والعزلة، وطى صفحات الماضى بحلوها ومرها؟ إذا كان ذلك كذلك فكيف يضمنون ألا يضطر فجأة للكلام على الأقل ليرد قدراً من هذا الهجوم؟ هل يضبط هؤلاء «ترمومتر» الهجوم عند درجة حرارة معينة لا تثير غضب الرجل؟ ويعرفون أن بقاء هذا الهجوم عند ذلك الحد يضمن استمرار صمته، وكأنه اتفاق غير مكتوب، خاصة أن كل ما يلوكون عنه لا يتجاوز الأداء والممارسة ليصل إلى الذمة والنزاهة، ويقتصر على أحاديث حول أسلوب إدارته، وطريقة تفكيره، وقدرته على إدارة الحوار فى الحكومة، وربما قدر من ديكتاتورية اختارها لاستعادة هيبة رئيس حكومة مصر، كونه حاكماً وليس سكرتيراً تنفيذياً. ربما كانت هذه الثقة أيضاً مبعثها أن هؤلاء يعرفون أن الجنزورى، «لم ولا» يصمت لأنه اختار ذلك، وإنما لأن هناك من فرض عليه هذه العزلة، وربما منعه من الكلام، وصادر ذاكرته، ووضع صوته تحت إقامة جبرية غير معلنة، وسعى لمسحه «اسماً، وصورة، ومعنى، وقيمة» من ذاكرة مجتمع انبهر به، وتعامل معه لأول مرة منذ بداية الثمانينيات بالطريقة اللائقة ب«رئيس وزراء مصر»، وهى معاملة ما كان يمكن أن يحظى بها من الجماهير التى تذكره بتقدير بالغ حتى اللحظة، إلا لأنه أقنعها بالفعل أنه «رئيس وزراء مصر». ربما يثق هؤلاء الذين يهاجمون الجنزورى، فى أن صمته ليس اختيارياً، ويعرفون أن من يفرض عليه ذلك، هو نفسه الذى يضبط لهم «الترمومتر» عند مناطق محددة لا يتجاوزونها فى الهجوم على رئيس الوزراء الأسبق، فلا يتحسبون لرد منه قد يكون قاسياً، أو تمرد على الصمت قد يكون كاشفاً لفترة مهمة من عمر هذا النظام. لكن المؤكد أن كل هذه الأسئلة والاحتمالات لن تجد حسماً إلا عند الجنزورى نفسه، فلا يكفى أن تقول إن الرجل دفع ثمن «كاريزما» اشتاق لها الناس فحققت له من الشعبية ما يجعل إزاحته واجباً بمعايير الحكم فى مصر، فكم حدث ذلك مع غيره دون أن يدفعوا هذا الثمن الفادح، أو يبدو الأمر وكأنهم يعاقبون، حتى لو كانوا يعاقبون بالفعل. لا تؤمن مدرسة الحكم فى مصر، والجنزورى أحد خريجيها الكبار، بحق الرأى العام فى المعرفة، لذلك يلتزم الرجل الصمت، أو يساعد من يريده أن يصمت على ذلك، فلا تسأل الجنزورى لماذا يقبل بذلك؟ فقط اسأله: إذا كان الصمت فى 1999 فضيلة، فهل مازال كذلك فى 2010؟! [email protected]