يعتقد الدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق، فى القول بأن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها فى الصمت والعاشر فى عزلة الناس. ويؤمن بأن الصمت أفضل جواب لبعض الأسئلة بل إنه إجابة رائعة وفن عظيم من فنون الكلام لا يدركه ويتقنه الآخرون. ويعلم الدكتور الجنزورى، مثل أى مسؤول سابق جاء بزفة إلى المنصب وخرج منها بليل داكن السواد، أن لعبة السياسة فى مصر لا يجدى معها سوى فضيلة الصمت سواء كانت اختيارًا أو إجبارًا، إيماناً بأن داء الصمت خير كثير ونعمة من دواء الكلام وشهوته الضارة. فالرجل جاء إلى الحكومة بخطاب تكليف رئاسى غير مسبوق، ورأى فيه الرئيس مبارك «عنوانًا لمرحلة جديدة فى مسيرة العمل الوطنى وجولة متقدمة فى الإصلاح الاقتصادى، ومرحلة تحقيق نهضة كبرى». وعلى عكس التكليف والتفخيم والإشادة والدعم كان الخروج بالإقالة أو الاستقالة صاخباً ومزعجاً مصحوباً بضجيج وهجوم حكومى غير رسمى على حكومته، واتهم بأنه لم ينفذ ما جاء فى خطاب التكليف وأرهق ميزانية الدولة بمشاريع تفوق طاقتها وقدرتها، وفشل فى توفير فرص العمل وزيادة معدل النمو ومشاريع الإسكان، إن حكومته تميزت بالضعف الإدارى والشللية والجزر المنعزلة والانفصالية، وتسببت فى العجز فى الميزان التجارى وزيادة الدين المحلى. وعملاً بقاعدة «كل فعل له رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه»، فقد كان التعاطف الشعبى مع الجنزورى كبيرًا ضد الهجوم والتجريح الحكومى لحكومته وشخصه، وأصبح رمزاً للشرف والنزاهة والأمانة لدى الناس فى مصر، فما دامت الحكومة تهاجم مسؤولاً فإن ذلك يعتبر بمثابة صك براءة من الفساد والتلاعب ونهب أموال الشعب. ولكن بين الفعل ورد الفعل، لماذا يبقى الدكتور الجنزورى صامتًا ولماذا لا يتكلم ويكتب شهادته للتاريخ مادام حياً يرزق؟، فقد بلغ الهجوم عليه والاتهامات الموجهه إليه درجة لا تقبل السكوت، فقد أهانه زملاء الماضى فى شخصه ووصفوه بأنه معقد ويكره من حوله ويهوى استحواذ القرار والسلطة فى يديه، فقد ترأس 18 هيئة ولجنة أثناء توليه الوزارة، بل استغل بعض رجاله نفوذهم وسطوتهم وصاروا مثار شبهة وفساد، وحتى عند سؤال الدكتور يوسف بطرس غالى عنه قال: «سيبوه فى حاله.. فالضرب فى الميت حرام»!. فالدكتور الجنزورى فى رأى البعض «ميت» فى حياته لا حول له ولا قوة وليس لديه ما يدافع به عن نفسه وعن «كوارث حكومته» فى مشروع توشكى، وغرب خليج السويس، وترعة السلام، وشرق تفريعة بورسعيد، وبالتالى عليه أن يموت بداء صمته فى شقته الإيجار وأن يبيع كل ما يملك لتجهيز بناته، لأنه فشل وباستحقاق أن يسبح مع تيار الفساد، وحاول أن يعمل لصالح الناس، وتصور أنه بذلك ينال الرضا السامى، ولم يدرك أنه انزلق إلى جب أصحاب المصالح والفاسدين، فجاء خروجه سريعا بعد 3 سنوات، ولم تشفع له رؤيته لمشروع نهضة مصر 2017 على غرار المشروع الهندى «الهند 2020». لابد له أن يتكلم الآن ويقدم شهادته للتاريخ وللشعب، فصمته ليس إجابة رائعة للغموض الذى يحيط بحكومته وشخصه، وليس أيضًا فخرًا له، فالصمت جريمة سيعاقبه عليها الناس، فقد لا يندم على الصمت مرة ولكنه قد يندم على السكوت مراراً.