لا أنكر أن الإعلان أدهشنى، ليس لمحتواه ولا طبيعة السلع التى يروجها، بل للشعار الذى أطلقه بكل فخر «مصر اختارت الجمبرى».. الشعار فى حد ذاته ينطوى على أسئلة كثيرة، قد يعجز المشاهد عن إجابتها، وقد تتضح له الإجابة جلية، وقد يدركها وإن كان يرفض الإفصاح عنها.. أحد هذه الأسئلة ألح علىّ طوال الفترة الماضية، فلا يعقل أن تخرج حملة إعلانية قبل عام من انتخابات الرئاسة ترفع شعار «مصر اختارت الجمبرى» دون أن يكون لهذا الجمبرى إسقاط سياسى، ودفعنى سوء الظن إلى احتمالات كثيرة، خاصة أن طريقة اختيار الجمبرى تمت بشكل ديمقراطى هادئ، بدأت باستطلاع آراء الناس فى الشوارع وترشيح عدد من الأطعمة، مثل الكشرى والكوارع والفول وغيرها، وانتهت بانتخابات حرة نزيهة جعلت الجمبرى الاختيار الأول لكل المصريين.. وقد كانت الحملة من الذكاء بحيث اختارت الجمبرى دون غيره من المرشحين، فهو من الأطعمة المفضلة لدى كثير من المصريين، فضلا عن أنه لا يفوق أحلامهم ولا يتجاوز قدراتهم بكثير. بتزامن أعتقد أنه ليس مقصودا ولا مدروسا، انطلقت حملة تأييد السيد جمال مبارك كمرشح للرئاسة، لاعتبارات كثيرة من بينها أنه من بيت الرئيس مبارك، فضلا عن جهده الواضح الذى يبذله سواء فى أمانة السياسات، أو على مستوى صنع القرار.. حيث انطلق محبو جمال فى كل المحافظات للترويج له وجمع توقيعات تؤيده، ولصق صوره وبوستراته على كل الأعمدة والبنايات، فى إشارة إلى التأييد المطلق. لا أعتقد أن ثمة مؤامرة تمت ضد المصريين وأتت بالجمبرى على موائدهم، ولا أعتقد أن الانتخابات الحرة النزيهة موضة العام والأعوام المقبلة يمكن أن تزيف إرادة شعب، خرج يؤيد ويبايع اختيار الجمبرى، لكننى لم أمنع نفسى من القلق، ومبعث قلقى طبيعى، فمنذ متى ومصر تختار من متعدد؟.. ومنذ متى ومصر تختار من الأساس؟.. لقد حكم علينا الزمن أن يتم اختيارنا واختبارنا.. دول مستعمرة تختارنا وتجد فى مصر مستقرا لها، والمولى عز وجل يختبرنا بابتلاء اسمه الحكومة، وفى الحالتين المصرى هادئ طيع، لا يعترض على ابتلاء، لكننى قاومت هذا القلق، وقلت لنفسى «وماله لما يكون اختيارنا للجمبرى اختيار أو اختبار». هنيئا لمصر وللمصريين على اختيارهم، وأقول لكل من انتخبوا الكشرى والكوارع لا تحزنوا، لأنه وببساطة لا راد لقضائه، أما الجمبرى فله أن يفرح ويرقص فقد تحقق له حلمه، وسيجلس متربعا على مائدة كل المصريين.