لو أصبحت شركات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات هى المتحكمة حقا وحدها فى جمع المعلومات وتخزينها فهل ستسمح لها الدولة، وهل المهيمن تاريخيا على المعلومات أن تتفوق على قدرتها فى أداء دور الحفاظ على الأمن والأمان؟ ثم ماذا عن الشخص المستخدم للتكنولوجيا فهو الآخر يتحمل مسؤولية ولابد أن يثقف نفسه بمخاطر الاستخدام وكيف يمكن تجنبها وأن يتحمل تبعة سوء الاستخدام. إذا انطلقت معلومة إلى الفضاء الإلكترونى عبر الهاتف النقال أو الإنترنت فما من وسيلة لإعادتها أو التحكم فيها وينطبق ذلك على الشبكات الاجتماعية (مثل فيس بوك) وإذا انطلقت المعلومة سبحت فى الفضاء وأصبحت فقط فى حيازة المتلقى لها أو القائم على تخزينها وقد يرتع فيها المجرمون الذين يسطون على المعلومات لاستخدامها فى نزح الأموال من الحسابات بالبنوك أو فى الابتزاز أو إلحاق الضرر بأصحابها. تلك المخاطر تجعل شركات المحمول ومقدمى الخدمات يتفانون فى محاولة تأمين الشبكات والمحافظة على سرية المعلومات لكن أين الضامن من أنهم لايستخدمونها لأغراضهم الشخصية أو فى زيادة قدرتهم التنافسية على حساب آخرين؟ وما دور الدولة فى معرفة ما يتداول من معلومات تجرى بين الهواتف أو تنام فى خوادم الإنترنت؟. المعروف أن بلاك بيرى تحتفظ بالسيرفير (الخادم) الخاص بها فى كندا وأنها شفرت خدماتها بحيث لا يمكن لأجهزة أمن أى بلد اختراقها وكان ذلك هو السبب الرئيس الذى أعطى بلاك بيرى ميزة تنافسية وجعل كثيراً من الشركات العالمية والهيئات الدبلوماسية تختار تلك التكنولوجيا بل توزعها مجانا على موظفيها لإجراء الاتصالات المتلعقة بالعمل دون خوف، لكن أجهزة أمنية فى بلاد عربية والهند ارتأت أن متشددين قد يستغلون خدمات بلاك بيرى بدون أن تتمكن تلك الأجهزة من كشفهم، وثار توجس بين بعض المسؤولين من أن الشركة المالكة للبلاك بيرى قد سمحت أو قد تسمح لبلاد ذات نفوذ بفك شفرتها أو أن البيانات يمكن اختراقها وهى فى طريقها لكندا أو إلى مستقبلها لكن الشركة الكندية استبقت تلك الظنون بإعلان أنها لاتعطى أى حكومات حق فك الشفرة التى تؤمن بها خصوصية المعلومات لمشتركيها. ويبدو أخيرا أن بلاك بيرى رضخت وبشكل غير مباشر لبعض مطالب الدول المتخوفة وسمحت بتمكينهم من معرفة مصادر الرسائل ومتسلميها وفك شفرة الهواتف لكن على أن يتم كل ذلك خلال «سيرفر» محلى فى تلك البلاد أى بعيدا عنها وثارت منظمات المجتمع المدنى المعنية بالحريات والحقوق الشخصية على ذلك، كما هاجمت وزيرة الخارجية الأمركية قرارات الحكومات التى هددت بإيقاف خدمات بلاك بيرى واعتبرتها تنتقص من حق الأفراد فى حماية أسرارهم الشخصية، وعلى نفس المنوال كانت العلاقة قد تأزمت بين جوجل التى أسسها أمريكى من أصل روسى يعرف ما تفعله الدول الشمولية بحقوق الأفراد والصين حينما طالبت الأخيرة بمنع البحث عن معلومات بعينها والرقابة على البحث عن أخرى على نظام جوجل، واعتبرت الأخيرة ذلك تدخلا فى شؤونها وضد مبدا حرية المعلومات. ومن جهة أخرى فإن امتلاك جوجل معلومات عما يبحث عنه الأفراد وما يطلبونه من معلومات دون رقابة قد يعطيها ميزات تنافسية وأمنية لا تتواجد لدى الشركات الأخرى بل أجهزة أمن البلاد. أسئلة كثيرة ومعقدة ومحيرة وتصب كلها فى أن من يملك التكنولوجيا والمعرفة سوف يتحكم فى العالم. * رئيس جامعة النيل