أعلن رئيس أركان الجيش التركى تجميد ترقية ضباط برتبة «جنرال وأميرال»، صدرت بحقهم مذكرة توقيف لتورطهم المفترض فى محاولة انقلابية، لتفادى المواجهة مع حكومة العدالة والتنمية التى يقودها رجب طيب أردوجان. وهذه هى المرة الأولى فى تاريخ تركيا، التى ترضخ فيها القيادة العسكرية للسلطة السياسية التى تقودها حكومة ذات جذور إسلامية فى شأن كان يعتبر عسكرياً، وفقاً لنظام الوصاية الذى ساد منذ عام 1960 تاريخ أول انقلاب عسكرى فى البلاد. وبعد 4 أيام من اجتماع للمجلس العسكرى الأعلى الذى يدرس كل سنة الترقيات فى المؤسسة العسكرية، رفعت رئاسة الأركان إلى الحكومة لائحة بالترقيات لم ترد فيها أسماء 11 جنرالا يشتبه بتورطهم فى المؤامرة، وكان يفترض أن تتم ترقيتهم. ووافق الرئيس عبدالله جول على اللائحة مما يضع حدا لمداولات دامت بضعة أيام بين السلطات السياسية والعسكرية حول مصير المتورطين المفترضين فى المؤامرة. وبذلك بقى موقع قائد القوات البرية شاغراً من قائمة الترقيات والتعيينات فى حدث نادر فى تاريخ الجيش وتركيا، علماً بأن المعلومات أفادت بأنه سيتم تعيين قائد جديد للقوات البرية. وكان أردوجان قد رفض تعيين قائد الجيش الأول الجنرال جسن أغسيز قائدا للقوات البرية بسبب استدعائه للتحقيق فى قضية الانقلاب ضد الحكومة. وعارضت حكومة العدالة والتنمية الإسلامية، التى كان ينوى الجيش الإطاحة بها بحسب تقارير تركية سابقة ترقية الضباط المشمولين بالتحقيق لتولى مناصب رفيعة فى المؤسسة العسكرية ورفض الجيش الانصياع لهذا الطلب، فى خلافات كان من شأنها فتح أزمة جديدة بين السلطتين السياسية والعسكرية. وورد اسم 25 جنرالا وأميرالا على قائمة 102 من المشتبه بهم صدرت بحقهم مذكرات توقيف. وفى المجموع، تم اتهام 196 شخصا فى هذه المؤامرة المفترضة التى تم تدبيرها فى مقر الجيش الأول فى إسطنبول عام 2003، وذلك بعد تولى حزب العدالة والتنمية فى تركيا فى عام 2002. ووصف المحللون ذلك القرار بأنه انتصار كبير، لأن الحكومة التركية حالت دون تحكم الجنرالات بقضية الترقيات، حيث كان رئيس الحكومة الذى تجتمع الشورى العسكرية برئاسته لا يبدى عادة اعتراضاً أو تحفظاً على التوقيع، لكن هذه المرة رفض رئيس الحكومة طيب أردوجان فى البداية حتى ترؤس اجتماع الشورى العسكرية فى اليوم الأخير، كما رفض أى ترقيات تتضمن أسماء 12 جنرالاً ارتبطت أسماؤهم بخطط مختلفة للإطاحة بالحكومة لا سيما «المطرقة» فى عام 2003. وقال الكاتب والمحلل التركى إبراهيم أقباب ل«المصرى اليوم» إن هذا القرار انتصار لحكومة العدالة فى ترويض الجيش التركى، مشيرا إلى أنه يعزز من قوتها فى معركة الاستفتاء الشعبى على رزمة الإصلاحات، والمقرر فى 12 سبتمبر المقبل. واعتبر أن هذا القرار يعطى جرعة معنويات قوية جداً لتمرير الإصلاحات الجديدة، كما أنه سيعزز من جانب آخر ملف الديمقراطية التركى خلال مسيرة مفاوضات أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبى وذلك بحبس الجيش داخل المهام التى حددها له الدستور. وقال أقباب: «هذا القرار يعتبر الأول فى تاريخ تركيا الحديث الذى يمثلا رضوخا كاملا من الجيش الذى يعتبر نفسه حامى النظام العلمانى وأطاح سابقا ب4 حكومات خلال 50 سنة، لصالح حكومة ذات جذور إسلامية». ولفت إلى أهمية هذا القرار لأنه يعيد الجيش فى تركيا إلى مكانه الطبيعى، فى العمل على حماية البلاد من المخاطر الخارجية، خاصة الإرهاب، ويحد بل ينهى تدخله فى الحياة السياسية ويعيد الأمور إلى نصابها الطبيعى والقانونى والدستورى». وأكد الخبير التركى القول بأن ذلك الانتصار يقلم أظافر الجيش التركى أو يحد من نفوذه على الصعيد السياسى، ولكنه بالعكس فى الوقت نفسه سيزيد من نفوذ الجيش على الصعيد العسكرى لأنه سيجعل الجيش يتفرغ للمهام الأمنية، حيث كانت هناك خروقات ومشاكل أمنية خاصة من قبل المتمردين الأكراد والإرهابيين. وشدد أقباب على أن انتصار حكومة أردوجان لا يعنى انتصاراً على الجيش، ولكنه فى الأساس يعنى انتصارا للديمقراطية، لأنه تمكن من ترويض الجيش عن التدخل فى السياسة من أجل التفرغ لمهامه الأمنية والعسكرية، فيما تركز الحكومة على عملها السياسى.