يثور جدل حاد هذه الأيام حول الموقف الصحيح من انتخابات مجلس الشعب القادمة. ولأن هذا الجدل بدأ ينحصر حول نقطة واحدة وهى تحديد من سيخوض ومن سيقاطع، فإننى أخشى أن نفقد البوصلة وتتوه منا معالم الطريق ونقصر عن تحقيق الهدف المنشود وهو تحقيق أوسع توافق ممكن بين قوى المعارضة لإحداث تأثير إيجابى حاسم على مخرجات العملية الانتخابية لدفع قضية التغيير قدماً إلى الأمام، عما إذا كان موقفها النهائى سيكون بالمقاطعة أو بالمشاركة. للتوصل إلى إجابة صحيحة عن سؤال يتعلق بقضية محيرة يتعين أن نبدأ بطرح السؤال الصحيح أولا.. والسؤال الصحيح بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب القادمة هو: هل تقبل قوى المعارضة خوض الانتخابات القادمة فى ظروف مماثلة لانتخابات مجلس الشورى السابقة؟. ولأن التصريحات الصادرة عنها جميعا، دون استثناء، تؤكد أن تزويراً فاضحاً شاب انتخابات الشورى، والتى عكست نتائجها المعلنة ما أرادته وزارة الداخلية وليس ما أراده الناخبون، فمن الطبيعى أن تكون الإجابة عن السؤال المطروح بلا. معنى ذلك أن جميع فصائل المعارضة تبدو، نظريا على الأقل، مقتنعة بأن إجراء انتخابات مجلس الشعب القادمة على طريقة انتخابات الشورى السابقة سيسفر عن مجلس شعب يسيطر الحزب الوطنى على الأغلبية الساحقة من مقاعده، وتوزيع ما يتبقى من مقاعد على الأحزاب المتعاونة مع وزارة الداخلية، كل حسب وزنه ودرجة تعاونه! فى سياق كهذا، يصبح من الضرورى طرح سؤال تكميلى: وهل تقبل المعارضة خوض انتخابات تعلم، سلفاً، أنها ستزور فى مثل هذه الظروف الحساسة التى تمر بها مصر والإصرار على تمرير مشروع التوريث؟، وهو سؤال من الطبيعى أن يجيب عنه الجميع بالنفى، وربما يستنكرون طرحه على هذا النحو أصلا. غير أن طرحه على هذا النحو يبدو ضروريا لتمهيد الأرضية لحديث جاد عن حد أدنى من ضمانات النزاهة المطلوبة يتفق عليه الجميع كشرط مسبق للمشاركة فى الانتخابات. ولأن هناك قوى محسوبة على المعارضة لا يعنيها سوى البحث عن موقع لقياداتها على الخريطة واستخدام علاقتها بالمعارضة وسيلة لتعزيز موقفها التفاوضى فى «حوار الصفقات»، فمن الحكمة أن تتحلى قوى المعارضة الجادة بأكبر قدر من الحكمة والمرونة التكتيكية عند بحث قضية الضمانات، مع التمسك بالثوابت الضرورية لضمان حد أدنى من الجدية. فتلك هى الوسيلة الوحيدة لنضيق الخناق على كل من يقبل العمل كأداة لتفتيت المعارضة! لذا تعد دعوة حزب الوفد لعقد مؤتمر عام لمناقشة ضمانات النزاهة المطلوبة، والتى آمل أن يستجيب لها الجميع، فرصة ثمينة لتحقيق إجماع وطنى حول الحد الأدنى المطلوب ولإعلان التزام الجميع بالمقاطعة إذا لم يستجب النظام. ولأننى على ثقة تامة بأن الحزب الحاكم لن يستجيب، فمن الطبيعى أن يؤدى إجماع المعارضة على المقاطعة إلى سد الطريق أمام كل المحاولات الرامية لشق الصف، وسيسهل حينئذ كشف وتعرية موقف المخربين لوحدة الصف، خاصة فى حال ضمان التزام الوفد والإخوان بقرار المقاطعة. وإننى على ثقة تامة من أن إعلان النية الجادة للمقاطعة سيولد، فى ظل الظروف التى تمر بها مصر فى هذه المرحلة الحساسة، ما يكفى من الضغوط على الحزب الحاكم لإجباره على الاستجابة لمطالب الحد الأدنى، وبالتالى فتح الطريق المغلق أمام التغيير. أما إذا أصر النظام الحاكم على العناد، وهو ما ليس مستبعداً، فسيخرج من الأزمة أكثر ضعفاً بعد أن يكون غطاء الشرعية قد سقط عنه تماما أمام الداخل والخارج على السواء!