أخذت المائة جنيه من زكريا، وذهبت إلى محل الفراخ، اشتريت نصف فرخة مشوية، مع السلطات، وكيلو يوسفى من محل الفكهانى المجاور، وذهبت إلى كشك «سيد زرافة»، سيد كان شبعان، فأكلت نصف الفرخة وحدى، وأكل هو بعضاً من اليوسفى، وكلما أنهى واحدة من ثماره قال: أنت محتاج غذاء كل انت، ثم يتناول واحدة جديدة ويقشرها ويأكلها فى ثوان. وتوقفت عربة أمام الكشك، نزلت منها سيدة شقراء، اشترت من سيد بخمسين جنيهاً شوكولاتة، وعادت إلى سيارتها وانطلقت، وقلت: - دائخ يا سيد. وقال سيد إننى لابد أن أرتاح لفترة، وقال إن زكريا ربنا فتح عليه من واسع، كان معصمى يؤلمنى، وكان زكريا يتحدث طوال الأيام الأخيرة عن سبوبة كبيرة، تساوى التبرع بدمى مقابل المائة جنيه كل مرة لمدة عشرات السنين، وقال سيد: - لو أن واحدة عليها الدورة الشهرية، هل يمكن تبيع؟ وقشرت ثمرة يوسفى، وقلت: - ننتظر مجىء زكريا ونسأله فهمت أن واحدة من زبائن زكريا جاءته مثلا اليوم، وكانت تحتاج إلى نقود، وسألت عن زكريا، ويبدو أنها كانت عليها الدورة الشهرية، وقال سيد: - كوثر رفضوا أخذ دم منها. زكريا قال لى، لماذا، سألت أنا، وحكى زكريا أن السبب هذا الوشم الذى على صدرها، الذى دقته إدارة السجن على صدرها لما حكم عليها بالسجن فى قضية الآداب، سرح تفكيرى بعيداً، وقلت إننى لن أضع وشماً أبداً على ذراعى مثلما كنت أخطط، كنت أريد أن أدق وشماً على ذراعى، أقول فيه مثلا «إن الله مع الصابرين»، أو «حياتى عذاب»، أو ربما مجرد فقط أول حرف من اسمى، كان عدد الأنفار الذين يعملون لحساب زكريا يكبر يوماً بعد يوم، وكنت عرفت أن كوثر أجبرها أمناء الشرطة فى الحى على العمل مرشدة لهم. وقال سيد إنه حصل على ربعين حشيش اليوم من كوثر، وفهمت أنا أنها أكيد حصلت على ربعين الحشيش من أمين شرطة تعرفه، ويرافقها هذه الأيام، وكانت قد بدأت تمطر، فدخلت إلى الكشك، لأحتمى بسقفه، وقلت الحمد لله لأنى شبعت جداً بعد العشاء المعتبر، وبدأ سيد يلف سجائر الحشيش، وأمسكت جريدة من الجرائد العديدة، وحاولت قراءة العناوين الكبيرة. وتذكرت كلام ممرضات المستشفى عن أننى لابد أن أرتاح لفترة، بيعى لدمى كل أسبوع شىء خطير، كما قالت تلك الممرضة التى قال لى عنها زكريا إنها مرافقة ابن عمه سائق الميكروباص، وكانت كل عناوين الجرائد عن التنمية، وعن زراعة الصحراء، وحاولت أن أعرف متى ميعاد مباراة المنتخب بعد غد، وقال سيد وهو ممسك بورقة البفرة: - يعنى نصف لتر الدم سيظل بمائة جنيه؟ وقلت: - آه، لو تتم السبوبة التى كلمنى عنها زكريا، مجرد فص، فص من الكبد وقال سيد إننى يمكننى أن أمتلك كشكاً مثل كشكه هذا لو بعت الفص، لكن طبعاً فى مكان آخر، كى لا أقطّع عليه، وحلفت لسيد بحياة العيش والملح، أن الكشك سيكون طبعاً بعيداً عنه، وكنت أكح وصدرى ضيق، وفكرت أن كحتى خطيرة، وتذكرت أننى لما خرجت من الغرفة التى أعيش فيها، نسيت القلة خارج الغرفة فوق السطوح، لو رأتها جارتى ربما تأخذها، فهى بنت حرام، وناولت سيد فص يوسفى، وفكرت فى كلام زكريا أنه يريد أنفاراً جديدة، وأنه تعرف على المزيد من ممرضات تعملن فى مستشفيات خاصة كثيرة، وأن السوق عطشانة للدم، وأن الرجل الجدع هو القادر على التبرع كل أسبوع مرة، وكنت أضع لسيد فص اليوسفى فى فمه وهو يلف سيجارة الحشيش، وأضع فى فمى فصاً. قصة : وحيد فريد القاهرة مواليد 1976 دمياط له مجموعة قصصية «الصدور»