لم تكن رحلة داخل مركب نهرى ضمن مخططها حين قررت نهال محمد، (38 عاماً)، أن تقطع المسافة بين عملها فى منطقة وسط البلد ومنزلها بحى مصر القديمة سيراً على كورنيش النيل، ولكن نداء أحد الشباب دفعها لتكرار التجربة التى لم تفعلها منذ كانت طفلة فى الخامسة عشرة من عمرها. نداء الشاب تضمن وعداً «المركب 5 دقائق وهيتحرك».. إلا أن الانتظار طال أكثر من نصف ساعة حتى اكتملت الحمولة التى بلغت أكثر من 40 فرداً. تنوعت الوجوه داخل المركب النهرى، ما بين زوج وزوجة تفرغا لمشاهدة النيل، فى الوقت الذى استغرق فيه طفلهما فى اللعب على جهاز ألعاب إلكترونى فى حجم اليد. ومجموعة أخرى من الشباب تراوحت أعمارهم بين 14 و18 عاماً تركوا النيل، موجهين أبصارهم نحو حلقة رقص مقامة على ظهر المركب.. بينما جلس فى طرف المكان شاب وفتاة يحاولان اختلاس قبلة بعيدة عن نظرات الجالسين. الجو العام، وتغير نوعية «أحباب النيل»، وطريقة «الفسحة» أشياء ترى «نهال» أنها طرأت على رحلة النهر كما كانت تراها فى طفولتها وشبابها. فالأجواء كما تتذكر كانت «هادية جداً».. قالتها نهال بينما أنغام الD.J تطلق صوت مطرب غير معروف يغنى: «رحت سهرة فى الكباريه، خلانى سِكرت ابن الإيه، شوفت فلوس فى الهوا بتطير، شوفت أزايز خمرة كتير». تصمت «نهال» وتنظر غير مصدقة لما يحدث، طفلتان لا تتجاوز أكبرهما السادسة عشرة تبدآن «وصلة رقص» تراها نهال «خادشة للحياء». موقف نهال الرافض لهذه «الوصلات» جعلها تقرر عدم خوض التجربة نفسها بصحبة الأبناء «الوضع دلوقتى اختلف والهدوء اختفى، والحل إننا نأجر مركباً مخصوصاً ووقتها الفسحة مش هتتكلف أقل من 100 جنيه.. وده مبلغ كتير على فسحة فى النيل». دقائق قليلة وفوجئت «نهال» بالمركب فى طريقه للعودة من جديد إلى مرساه، قالت نهال: «زمان كنا بنركب الفرد ب 20 قرشاً وبياخدنا من عند ماسبيرو لحد مرسَى قريب من حديقة حيوان الجيزة، دلوقتى وصل السعر إلى 3 جنيه ويادوب أخدنا بيها لفة 10 دقائق ورجعنا». الوجه الآخر للكورنيش يحكيه عم سيد أبوعمر المراكبى منذ 1989. يقول عم سيد: «كانت مراكب بشراع ومجاديف ومفيش المواتير اللى كله بيستخدمها اليومين دول.. والمواتير بتحرق بنزين كتير وعشان كده الفسحة سعرها ارتفع». يحكى عم سيد عن 9 سنوات من عمره قضاها قبل أن يتولى قيادة مركب، والسبب يرجع إلى شروط استخراج الرخصة التى تبدأ كما يقول، بدرجة «بحرى»، ثم «بحرى ماهر»، وأخيراً «ريس» وهى الدرجة التى تمكن بها من القيادة بعد أن ظل على كل درجة مدة ثلاث سنوات، ولكنه يستدرك: «الكلام ده كان زمان دلوقتى أى حد بيسوق من غير رخصة ولا يحزنون، وكمان معظمهم عيال صغيرة». المركب النهرى يقترب سعره من 100 ألف جنيه، كما أوضح عم سيد الذى أضاف أن «دخل المركب لا يقل عن 2000 جنيه يومياً، ويومية العمال كلهم- وعددهم من 5 إلى 7 عمال- 300 جنيه، رغم أن المراكبى بيشتغل 20 ساعة، وحياة المراكبى كلها تقريبا بتبقى فى الميه، هنا بيشتغل وبياكل وبيشرب وبينام حسب ظروف الشغل». عم سيد يعمل على مركب نهرى خاص، وهو العمل الذى يشبهه بسائق التاكسى فى المواصلات البرية «الزبون بيختار المكان اللى هو عايز يروحه»، ويوضح أن سعر الساعة يتراوح بين 80 و150 جنيهاً، «على حسب الزبون سواء مصرياً أو عربياً أو أجنبياً»، ويشير فى الوقت نفسه إلى مراكب يصل سعر الساعة بها إلى 50 جنيهاً، ويوضح فارق السعر قائلا «المراكب دى مابيبقاش ليها مرسى شرعى.. دى بتبقى مراكب عاملة زى العربيات اللى بتحمل ركاب من بره الموقف». المركبات النهرية لا تخلو أيضاً، سواء الخاصة أو العامة، من بعض المشاكل التى تتعلق بسلوكيات الركاب «أحياناً بيجيلى شباب أجانب يأجروا المركب وأنا معاهم وبيعملوا حاجات مش ولابد، بس الشرطة بتكون حارساهم فمش بقدر أتكلم.. لكن لو مصريين ممكن أرميهم فى الميه لو ماسمعوش الكلام.. وطبعا فيه مراكبية الفلوس بتخليهم ما يشفوش أى حاجة فى المركب سواء مصريين أو أجانب».