إنها الذكرى الرابعة لانتفاضة يناير الشعبية أهم حدث شهدناه وشاركنا في صنعه نحن أبناء الجيل الذين تشكل وعيهم في عهد الديكتاتور العجوز مبارك، فرأوا أن لا خلاص إلا بزواله هو وزمرته مهما كانت التضحيات، بعد أن أغلق كل نوافذ الأمل في الإصلاح والحياة الكريمة، وعاث في الأرض فسادا واستبدادا، وحول مصر إلى ضيعة خاصة له ولعائلته وعصابته و"دولة بوليسية" تكرس نفسها لحمايته، لا لمواجهة الأعداء واستعادة دور ومكانة مصر اللذين ظلا يتراجعا حتى وصلنا إلى دولة صغيرة لا حول لها ولا قوة، لا تستطيع حتى أن تحمي مصالحها وحدودها الجغرافية والجيوسياسية وأمنها المائي، بعد أن كنا الدولة القائدة الكبري ذات التأثير في محيطها العربي والأفريقي. صحيح أن توصيف انتفاضة يزعج كثير من الرفاق الذين يصرون على وصف "الثورة" رغم عدم حدوث تغيير لا جزئيا ولا جذريا، وعدم هدم النظام الذي خرجنا عليه والتفافه بالخداع الاستراتيجي والتآمر بمساعدة الإخوان واستخبارات اقليمية ودولية ونخب من كل التيارات، ونجح، للأسف، في تقويض محاولة الثورة، وتفريغها من مضمونها وزخمها والعودة أقوى مما كان وتجديد دمائه، إلا أنه رغم هذه المعطيات المؤلمة، وبصرف النظر عن التباين في وصف ما جرى، لا نملك غير الفخر بهذه التجربة الشجاعة والمخلصة والملهمة لمواجهة، بصدور عارية، نظام فاسد مستبد تابع حكم مصر بالقمع والاستغلال، واستمد بقاءه من خدمة المشروع الصهيوأمريكي، لا حماية المصالح الوطنية. نعم نفخر بهذه المحاولة لإشعال ثورة على الفساد والاستبداد والتبعية، لكن يبقي في الحلق غصة وفي الصدر مرارة، لأن رهاننا قد خسر نتيجة التآمر الذي حدث، وسقوط رموز عديدة من حولنا مخادعة وانتهازية، وأيضا غياب الايمان الحقيقي بالثورة لدى قطاعات واسعة من المصريين، بعضهم بجهل وقلة وعي وتأثر بحملات الدعائية الاستخباراتية وإعلام الديكتاتور وأنصاره، وبعضهم بسبب عدم استيعاب مدى المكاسب التي يحققونها من سقوط هذا النظام والرغبة في استقرار هش وأمن بمهانة، وبعضهم لتمحورهم حول ذواتهم وتكييفهم مع الأوضاع الفاسدة المهينة للكرامة بسبب الميراث الطويل للاستبداد، وبعضهم لأنه مستفيد من استمرار النظام وشبكات مصالحه. وربما غياب الظهير الشعبي، مع افتقاد القيادة ووحدة الهدف، وتصدر الإخوان للمشهد بغباء وفشل وجشع سلطوي ونزعة إقصائية، جعل خصوم الانتفاضة/الثورة يكتبون شهادة وفاتها مبكرا، ويعلنون انتصارهم جولة وراء جولة حتى استتب لهم الأمر، وأخرجوا لنا ألسنتهم في صورة براءة القتلة والفسدة وعلى رأسهم مبارك ونجليه، وتشويه هذا الحدث العظيم، وتبجح زوجة الديكتاتور وشريكة فساده واستبداده، وعودتها للحديث للإعلام من جديد لتسويق نفسها وعائلة السفاح السارق لثروات مصر والقاتل لشعبها، ومحاولة إظهار أنهم اشراف اطهار غير ملوثين بعار لن يمحوه مرور السنين. إنها محاولة نفخر بها، لكن علينا أن نكون من الشجاعة بمكان لنعترف بخسارة هذه الجولة، وألا نبكي على اللبن المسكوب، ونراجع اخطائنا وأولها عدم استيعاب ماهية الثورات وأنها كالحرب تحتاج قيادة وتنظيم ومواجهة شاملة مع العدو المتمثل في النظام، وليس الاكتفاء بالهتاف والصراخ في وجهه، وإطلاق شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع أو مناشدته ليقوم بالتغيير نيابة عنا في سذاجة وغباء منقطع النظير. قد نكون في حاجة إلى اخذ استراحة محارب، وعدم التورط في صراع السلطة الدموي بين الإخوان وجنرالات مبارك حتى يضعف كل منهما الأخر، حيث أن الانحياز لطرف فيهما يكسبه قوة تخصم من فرص التغيير الديمقراطي والثورة الحقيقية المنتظرة، لكن علينا أن نستغل هذه الفترة في مراجعة الاخطاء والاستعداد لجولة أخرى، وليوم آت ليس ببعيد، يعيد الحق لأصحابه، ويفتح الطريق لبناء مصر الديمقراطية المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون التي لا تمييز فيها ولا قمع ولا استغلال، وأنما حقوق وحريات ينعم بها الجميع على اختلاف انتماءاتهم. وفي الأخير، علينا ألا ننسي التضحيات التي قُدمت، والتى سندفع ثمنها وأكثر من أجل تحرير الوطن والمواطن، فالمجد للشهداء ولكل من ضحى من أجل حقوق وحريات كل الشعب، واللعنة على القتلة والفسدة ومن سعى لترميم نظام الفساد والاستبداد والتبعية أو من يقاتل من أجل اطماع سلطوية ولمصلحة جماعة أو حزب أو شبكات مصالح وليس لأهداف نبيلة ولأجل الحرية والعدل واستقلال الوطن. *كاتب صحفي Email:[email protected] محمود عبد الرحيم محمود عبد الرحيم