مشهد سينمائى واقعى حدث بالفعل لى ولأسرتى كلها ..سيارتنا فى إتجاه الدائرى أقود السيارة وزوجتى إلى جوارى وأبنى نورالدين 5 أعوام فى الكرسى الخلفى ؟ .نور : بابا أنا شفت سيدنا يونس . الأب : يا حبيبى أنت جميل شفاف ..مصدقك ..ربنا ينجينا ويحفظك . دقائق ( السيارة فوق الدائرى على سرعة 80 كم ) ..مقطورة ضخمة تحاول المرور من يسارى دون آلة تنبيه أو أى إشارة ....تصطدم المقطورة بالرفرف الخلفى لسيارتى خلف عجلة القيادة !تطير السيارة وتسقط لتدور حول محورها بسرعة وعنف خمس دورات مجنونة ..أنظر لزوجتى أثناء الدوران..وشىء غامض جعلنى لا أدوس على الفرامل ...ولكن مع كل دورة للسيارة تقترب السيارات الأخرى زاحفة نحو سيارتنا ..ما هى الأ لحظات وتصطدم بسيارتنا .! ...صمت رهيب ومع كل دورة للسيارة أتسائل هل ستصطدم العربات القادمة بسيارتنا ؟..أم ستقف قبل الإصطدام وهل تسمح لها سرعتها بالتوقف المفاجىء؟ ...كل ذلك والسيارة والزمن والحياة والعمر كله يدور ويلف مع دوران السيارة ....أثناء دوران السيارة كان من العجيب أن أقوم بالنظر إلى زوجتى المفزوعة الصامتة من هول الصدمة والمقيدة إلى حزام أمانها وهى فى حالة سيئة لا أستطيع وأنا إلى جوارها أن أفعل لها شيئا والأعجب أننى نظرت للخلف لصغيرى نور .هنا تبرز نظرية النسبية فما أقسى أن يكون أبنك وزوجتك قريبين وبعيدين فى نفس الوقت !هكذا تختلف المسافات كما يختلف الزمن فلحظات الحادث تساوى عمرا ممتدا والمسافة بينى وبين زوجتى وأبنى هى سنتيمرات وأفدنة فى الوقت ذاته !.. فى صمتى الجليل أنقل نظرى إلى السيارات الزاحفة زحف الموت صوبى !كل تلك النظرات عجيبة لأنها تحدث وأنت تدرك أن الموت قادم اليك فى خلال لحظات ومع كل دورة للسيارة يقترب أكثر ..ومن الطبيعى أن تفكر فى تلك اللحظات فى الموت وفى مصيرك فقط ..أنها ليست المرة الأولى التى أواجه فيها الموت ..ولكنها المرة الوحيدة التى أقابله وجها لوجه وأقابلة شخصيا ...نور أبنى الصغير يسأل أثناء الدوران : بابا هو فيه أية ؟ أنظر له وأستمر فى الصمت المقدس .. ...يكرر نور : بابا فيه أية ؟ تهدأ حركة دوران السيارة وتتوقف مع توقف السيارات القاتلة تقريبا فى نفس اللحظة ....ما هذا الثبات والصمت الذى أنتابنى وما هذه الشجاعة والتقبل الكامل لفكرة الموت مع أسرتى ! لم أعد أخشى الموت نفسه ؟ أقرب إحساس لمشاعرى ..هو نفس الإحساس الذى ينتابك وأن تلعب فى الملاهى لعبة تبدو خطيرة ولكنك تدرك أنك لن تموت بسببها ..نفس الأثارة المحدودة هى ما شعرت به ...رغم إدراكى هذه المرة أنها لعبة النهاية ! منذ أيام قليلة حدثت هزة أرضية قوية ..وأنتابنى نفس الإحساس ..الثبات والهدوء ....أيها الموت شكرا لك ..لقد أخبرتنى وأعلمتنى بوضوح بأننى لم أعد أخشاك بالفعل ؟ أسباب عدم خشيتى من الموت مجهولة بالنسبة لى ..لكن يمكن أن أخمنها ... ربما بسبب قبح الأيام ؟ ربما الملل والتكرار اليومى ...ربما الإحباط بشكل عام ! ربما التقدم فى العمر و إنسحاق الحلم ! ربما فشل الثورة ؟ ربما الإيمان بالقضاء والقدر ؟ربما رحيل الإعزاء فى سن مبكرة ! ربما إختفاء الدهشة من حياتى ؟ والموت يمثل أكبر الدهشات !ربما لأن الموت صار خبرا عاديا يحاصرنا كل يوم ...لدرجة أن أخر مقالاتى قبل الحادث حمل عنوان ( التطبيع مع الموت ) فقد صرنا نتناول طعامنا ونحن نشاهد الجثث والقتلى والأشلاء عبر التلفاز ..ولم تعد هذه المشاهد تحرك فينا أى مشاعر خوف أو رهبة ! ربما كل الأسباب السابقة مجتمعة !ربما