فى انتظار عودة رجال "الوطنى" للحياة - سطوة ونفوذ العُمد بالقرى مرتبطة بوجود "الفلول" - حل الحزب وراء اختفاءهم.. و"30 يونيو" تُعيدهم بمهام جديدة - العمدة في الصعيد من الحاكم بأمره إلى "بوسطجي" المأمور - عُمد المنوفية: دورنا شرفي يقتصر على الحماية وفض المنازعات تعيد شخصية "العمدة" إلى الأذهان، الشخصية الحاكمة القوية المستبدة أحيانًا، والمُنصاعة للأوامر في أحيانٍ أخرى، وبرغم أهميتها في مصر لعقودٍ طويلة إلا أن وجوده الآن أصبح لا يُعتبر فيصلي أو مؤثر بين أبناء القرية الواحدة، كما أصبح دور شيخ البلد الذي كان يتم إختياره من بين الحكماء في القرية وله الكلمة المسموعة، دورًا مُهمشًا وغير موجود. يصبح منصب "العمدة" فى مصر بصفة عامة وفى الصعيد بصفة خاصة، ذكرى لمنصب تاريخى كانت تتصارع عليه العائلات وتدفع بالغالى والثمين للفوز به، لدرجة أن حزنها لمفارقة العائلة للعمودية كان يتجلى في عمل جنازات وهمية، وتتفاخر العائلات حتى الآن بأن لهم جد كان عمدة لمدة 50 عامًا تقريبًا. كانت العمودية في مصر قبل ثورة يوليو 1952، بالانتخاب، وعقب الثورة ب12 عام تم إقرار القانون رقم 124 لسنة 1964 بشأن تعيين العمد والمشايخ وطبقًا لاختيار الجهة التنفيذية المنوطة بذلك وهي وزارة الداخلية، وإستمر الأمر هكذا حتى يومنا هذا. وبدأ يظهر دور العمدة السياسي في حشد أبناء قريته للانتخابات للحزب الحاكم في الثمانينات، وإستمر يتقلص دوره الإجتماعي الحقيقي خاصة بعد يناير 2011، حتى قارب على الوجود إسميًا فقط. قنا: غياب المهام كان اختيار العمدة بمحافظة قنا وغيرها، يرتكز في الأساس على عائلته وسطوته وخضوعه لقوات الأمن، وكان دوره السياسي في الانتخابات يهتم بحشد المواطنين وتهديد أي مرشح منافس للحزب الحاكم وقتها "الوطني المنحل"، ويُذكر في أحد المرات تم تعيين 46 عمدة بمراكز فرشوط وأبوتشت ونجع حمادي، كانت تحوم حولهم الشبهات من خروجهم على القانون وإستيلاءهم على أراضي وجرائم أخرى، إلا أن الداخلية كانت ترى أنهم الأصلح في أماكنهم. ويرى البعض أن منصب العمدة بالنسبة للداخلية، ما هو إلا إرشاد عن المتهمين، أو إطاعة لأوامر المأمور. ربما إختلف الأمر بعض الشئ الآن، خاصة بعدما عاشته البلاد عقب ثورتي يناير ويونيو التي علت فيها كلمة الشباب، فلم يعد للعُمد وشيوخ القرى دورًا مؤثرًا في الشارع القنائي، وتنتظر المحافظة الإعداد لاختيار العُمد الجدد سواء قبل البرلمان القادم أو بعده. المنوفية: مهنة شرفية تنعدم مهام العمدة وشيخ البلد بقرى محافظة المنوفية، حال توافر نقطة شرطة بالقرية، ويمارس العمدة وشيخ البلد مسؤلياته بفض المنازعات بين المواطنين، وحماية أمن القرية من الجرائم والحفاظ على الأمن العام، وذلك وفقاً لأحكام القوانين واللوائح وإتباع الأوامر التى تُبلغ إليهم من جهات الإدارة من خلال لجنة العُمد والمشايخ بمديرية الأمن، ويتقاضى أجر رمزى عبارة عن 150 جنيهًا للعمدة و 75 جنيهًا لشيخ البلد شهريًا، وذلك مقابل النفقات التى تتطلبها وظيفة كل منهما . ويؤكد عدد من مشايخ البلد أنها مهنة شرفية أكثر منها ربحية، ويتم اختيار الشيخ على أساس حسن السمعة وقوة الشخصية وصفات أخرى، وتنخفض مرتباتها بما يتناسب مع سلطاتها وحدودها. وأشار عبدالبر متولى اسماعيل موسى، 80 عام، عمدة قرية بيرشمس التابعة لمركز الباجور، أن دور العمدة يتمثل فى تنقية الجو العام من الخلافات والسيطرة عليها بقدر الامكان، وإن لم يستطع يوجهها إلى مركز الشرطة للتعامل فى الواقعة، مضيفًا أنه منذ توليه مهام العمُودية عام 1985 م بالانتخاب، ظلت سلطاته كما هى حتى بالتجديد له من جانب الشرطة، موضحاً أن لديه حالات معينة يمكنه التدخل فيها للسيطرة على الأمن أو اقتحام المنازل فى حالات الاستغاثة، وقوع أحد البيوت، أو احتراقها ، أو تواجد أحد الجنائيين أو الهاربين بها ، او قيام شخص بارتكاب جريمة معينة والاختباء فى داخله . واشار "عبدالبر" أن شخصية العمدة، وعلاقاته الطيبة بروابط وعصبيات القرية هى التي تفرض إحتوائه الأزمات، سواء أثناء الإنفلات الأمني بعد يناير 2011 أو حتى قبلها. ويرى بيومى ابراهيم الصغير، عمدة قرية كفر سنجلف القديم، أن نجاح أحد المرشحين في الانتخابات البرلمانية، لن ينفع أو يضر العمدة وشيخ البلد في شئ، لافتًا إلى ضرورة أن يكونا على الحياد تماماً، لأنهما يؤديان مهامهما وواجباتهما كما ينبغى ولن يعود عليهما شئ من المرشح الناجح أو الخاسر، مشيرًا أن دور العمدة "شرفى" وخدمى لكونه يفض المنازعات بين الفلاحين، كما يتجلى دور ومهام "شيخ البلد" فى المنازعات على الحدود بين المتخاصمين على الجيرة فى الاراضى، عن طريق تكليفه بحصه أو جزء أو ناحية معينة بالقرية . من جانبه صرح العميد سمير الجنزورى مأمور مركز الباجور ل"المشهد"، أن شيخ البلد يعُتمد إمضاءه بقسم العمد والمشايخ أثناء عرضها على القسم لكونه شخص موثوق فيه بالنسبة للداخلية، موضحاً أن الاختصاصات الهامة للعُمد والمشايخ تكون في إطار مساعدة الشرطة فى استيفاء معلومات معينة أو استكمال تحقيقات أو تحريات عن واقعة أو شخص معين . الشرقية: "واجهة إجتماعية" إقتصر وجود عمدة القرية بالشرقية، على عدد قليل من قرى المحافظة، فبعدما عاشت الشرقية لعقود طويلة من الزمن، ولكونها محافظة زراعية، معتمدة على عُمدة القرية في كثير من مصالحها العامة والخاصة، بدءًا من فض المنازعات الشخصية بين الأفراد، إلى إبعاد الفتن بين العائلات وبعضها، أصبحت الآن مجرد "واجهة إجتماعية"، وهناك عدد من العائلات تحاول المحافظة على اللقلب حتى الآن، منها عائلة الأباظية والتي تسيطر على قرى الزقازيق، وعائلات الطحاوية التي تسيطر على شمال المحافظة، وعائلات مشهور التي تسيطر على قرى منيا القمح. ولعب العمدة دورًا منحازًا تجاه النظام الأسبق أثناء فترة يناير 2011، فكان ذلك واضحًا وجليًا في نبذ الثورة ورفضها، وذلك بحكم إنتمائهم قبل 2011 للحزب الوطني المنحل، وإختفوا من بعدها طوال فترة حكم الإخوان ليظهروا من جديد بعد ثورة يونيو 2013. وبعد ثورة 30 يونيو عاد نفوذ العمدة من جديد في لعب دور محوري من خلال التبليغ والقبض عن أعضاء جماعة الإخوان بمناطقهم، ومن المنتظر أن يعيد قرار محكمة الأمور المستعجلة بإلغاء منع أعضاء الوطني المنحل من الترشح للبرلمان، والإعداد لتعيين العُمد من قِبَل وزارة الداخلية، أن يعود دور العمدة السياسي من جديد في الحشد لدعم مرشحي العائلات.