كشفت دراسة أعدتها "أليكس بارتنرز"، الشركة العالمية المتخصصة في مجال الخدمات الاستشارية، مؤخراً تحت عنوان "تحذير: منعطفات غامضة في الأمام- آفاق قطاع السيارات العالمي" أن قطاع صناعة السيارات العالمي، والذي نجح في تجاوز تحديات صعبة جداً خلال السنوات الماضية، يقف اليوم على أعتاب مستقبل مبهم المعالم بكل معنى الكلمة، بما في ذلك التعافي البطيء لقطاع السيارات الأوروبي، بالإضافة إلى تفاوت أداء شركات السيارات الأوروبية والإفراط المستمر في الإنتاج بما لا يتناسب مع حجم الطلب في السوق؛ واحتمال أن تكون السوق الأمريكية، والتي لا تزال قوية بعد إعادة هيكلتها، قد وصلت إلى ذروتها. وتتوقع شركة "أليكس بارتنرز" بيع 16.7 مليون وحدة على أقل تقدير خلال العام القادم؛ والتوقعات بانخفاض نسبة نمو القطاع في الصين إلى 6.3% على مدار السنوات الخمسة القادمة، مقارنة مع 17.6% خلال العقد القادم. ومن أوجه التباين أيضاً في أداء أسواق السيارات العالمية، أن شركات صناعة السيارات اليابانية، ووسط ضعف الين، تستعد للاستفادة من انتعاش محتمل في حجم الطلب العالمي على منتجات السيارات؛ أضف إلى ذلك ضغوط الجهات التنظيمية والمستهلكين لإعادة ابتكار منتجات السيارات بالكامل خلال السنوات القليلة القادمة بحيث تكون أقل ضرراً على البيئة وتتلاءم مع المتطلبات التنظيمية الأخرى. كل هذه التحديات وغيرها تضمنتها الدراسة الجديدة لشركة "أليكس بارتنرز". وعموماً، ترسم الدراسة صورة لقطاع عالمي دخل مرحلة جديدة من التحدي يسعى خلالها بعض اللاعبين للحفاظ على وتيرة نمو ما بعد الأزمة، في حين يكافح آخرون لتحقيق نمو يذكر، ويجد الجميع أنفسهم مجبرون على المضي بوتيرة متسارعة وبذل المزيد من الجهود لتحقيق ما يبدو على أنه مستحيل، بدءاً من إدخال التحسينات غير المسبوقة على المستوى الهندسي وصولاً إلى إرضاء العملاء، الذين يبدو في بعض الأحيان وكأن السيارات لم تعد تروق لهم كما كان عليه الحال في السابق. وفي معرض تعليقه على الدراسة، قال ستيفانو أفيرسا، رئيس "أليكس بارتنرز" لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ورئيس قطاع دراسات السيارات للمنطقة: "يمكننا القول بأن قطاع السيارات العالمي قد خرج من الأزمة المالية العالمية وحالة الركود الاقتصادي وتبعاتهما، وهو أمر يبعث على السرور بلا شك، ولكن لا بد لنا من الاعتراف بأن القطاع يقف على أعتب مرحلة قادمة مبهمة وغير مسبوقة، وقد يمر خلالها بتحديات صعبة للغاية، ولذلك نرى بأن الوقت غير مناسب الآن لأي أحد للتفكير في تحقيق نجاح سهل بدون بذل المزيد من الجهود". منطقة الشرق الأوسط: التحديات التي تواجه مصنعو السيارات في سعيهم لاقتناص فرص النمو وتعزيز ربحيتهم وفقاً للدراسة، وصل إجمالي مبيعات السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (دول مجلس التعاون الخليجي وبعض دول شمال أفريقيا، مثل مصر وتونس والمغرب)، إلى 1.9 مليون سيارة خلال العام 2013، حيث استأثرت المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر ب 58% من إجمالي مبيعات السيارات في المنطقة (بواقع 1.1 مليون سيارة خلال العام 2013). وبحسب الدراسة، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ مطلع العام 2009 نمواً مطرداً ومستداماً، مسجلة معدل نمو سنوي مركب بلغ 8%، فيما وصل هذا المعدل في المملكة العربية السعودية إلى 20% خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وبلغ حجم مبيعات السيارات فيها نحو 800 ألف سيارة خلال العام 2013 وحده. وبالنظر إلى المستقبل، ترى الدراسة بأن المعطيات الاقتصادية المرتبطة بمبيعات السيارات، تبشر بآفاق واعدة بالنسبة للقطاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الخمس القادمة، بما في ذلك: · نمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 5% خلال السنوات الخمس القادمة · نمو التعداد السكاني وتزايد تدفق السياح · ارتفاع معدلات الاستهلاك الفردي (أكثر من 5% سنوياً) في معظم بلدان المنطقة وتتوقع الدراسة أن تواصل مبيعات السيارات الجديدة النمو في المنطقة بفضل هذه المعطيات، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 7% لغاية العام 2019، وستكون المملكة العربية السعودية أبرز المساهمين في النمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10%. وتعتبر السيارات المتوسطة والكبيرة الحجم هي السائدة في سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن فئتي السيارات الصغيرة والمدمجة تشكل حوالي 15% فقط، على عكس بعض الأسواق الغربية التي تمثل فيها هاتين الفئتين 35% من السوق. وبالنسبة للملكة العربية السعودية، والتي تمثل إحدى أكبر أسواق السيارات في المنطقة، تشكل مبيعات السيارات الرياضية الكبيرة متعددة الاستعمالات (ثمانية مقاعد) حوالي 12% من إجمالي مبيعات السيارات السنوي في المملكة، مقارنة بأقل من 2% في الأسواق الأوروبية. وبحسب الدراسة، ستواصل مبيعات السيارات الفاخرة نموها في المملكة العربية السعودية، مدفوعة بزيادة عدد الأشخاص من ذوي الملاءة المالية المرتفعة والمرتفعة جداً، حيث من المتوقع أن تزداد مبيعات هذه الفئة بنسبة 5.6% سنوياً حتى العام 2018، وهي من أعلى معدلات النمو في العالم. ويستأثر مصنعو السيارات الآسيويون اليوم بالحصة الأكبر من سوق السيارات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث استحوذت كل من تويوتا وهيونداي على 39% من إجمالي مبيعات السيارات في العام الماضي، بصدارة واضحة ل تويوتا التي تعد من أقدم العلامات التجارية في سوق المنطقة. وقال يوجينيو بيرينجا، العضو المنتدب لشركة "أليكس بارتنرز" ورئيس العمليات للشركة في منطقة الشرق الأوسط: "تعادل مبيعات السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم حوالي 11% من إجمالي مبيعات السيارات في أوروبا، وتشهد هذه السوق نمواً أسرع من أي سوق آخر في العالم، ما يجعلها ساحة منافسة جذابة لمصنعي السيارات الطامحين للاستفادة من فرص النمو. ولكن ما هو النهج الذي يجب على المصنعين اتباعه في التعامل مع هذه السوق، وهل يمكنهم زيادة إنتاجهم بطريقة تضمن لهم تحقيق الربحية؟". وترى الدراسة بأن بعض العلامات التجارية منخفضة التكلفة، مثل السيارات الصينية، دخلت بنجاح سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستهدفة فئة متوسطي الدخل. فقد نمت مبيعات علامة "جيلي" التجارية مثلاً، إلى 17000 سيارة في المملكة العربية السعودية، بحصة سوقية وصلت إلى 3% خلال ثلاث سنوات فقط. وتتناول الدراسة أيضاً سوق خدمات ما بعد البيع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي من المتوقع أن تنمو قيمتها إلى حوالي 11 مليار دولار بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10% بحلول العام 2018. وترى الدراسة بأن وجود شبكة من المراكز الحديثة لخدمات ما بعد البيع التي توفر أفضل خدمات الصيانة وأعلى مستويات خدمة السيارات، يعتبر من المحركات الرئيسية لنمو مبيعات قطاع خدمات السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تقتضي الظروف المناخية الصعبة غالباً إجراء عمليات صيانة دورية ومتكررة للسيارات. واختتم بيرينجا قائلاً: "لا شك بأن بناء شبكة من مراكز التوزيع وخدمات ما بعد البيع في المنطقة يتطلب قدراً كبيراً من الوقت والموارد، لا سيما في سوق تهيمن عليه وكالات سيارات عريقة وذات حضور قوي مثل وكلاء تويوتا وهيونداي؛ ولكن لا تزال هناك الكثير من الفرص المتاحة في سوق خدمات ما بعد البيع". أوروبا: العمل لم ينته بعد على الرغم من أن مبيعات القطاع في الأسواق الإقليمية الأخرى تعافت بشكل كبير من تبعات الأزمة المالية العالمية، بقيت مبيعات السيارات في السوق الأوروبية العام الماضي أقل بنسبة 19% مقارنة بذروتها التاريخية في عام 2007. وعلاوة على ذلك، تظهر دراسة "أليكس بارتنرز" أن مبيعات أسواق منطقة جنوب وجنوب شرق أوروبا، لا تزال منخفضة بأقل من 35% مقارنة مع ما سجلته في عام 2007، علماً بأن بعض بنبأن بعض الأسواق في هذه المنطقة شهدت انخفاضات تتجاوز نسبتها 50%، وذلك مقارنة مع انخفاضات بنسب تتراوح بين 5% و15% في أسواق أوروبا الغربية المتقدمة صناعياً. وبحسب الدراسة، فإن أكبر أسواق النمو في أوروبا هي تركيا، التي شهدت ارتفاعاً بنسبة تزيد عن 25% مقارنة مع العام 2007، وروسيا بنمو يتراوح بين 10-15%. وعلى الرغم من ذلك، تشير الدراسة إلى أن روسيا، كما هي الحال في أسواق النمو الأخرى في الوقت الحالي، تتسم بالتذبذب أيضاً، وبالتالي فإن النمو المستمر الذي تشهده قد لا يكون مستداماً. وحتى العام 2020، تتوقع "أليكس بارتنرز" أن تبقى مبيعات السيارات الأوروبية الصغيرة، مستقرة ضمن نطاق 18-19 مليون وحدة، نظراً لوجود مشاكل اقتصادية لا زالت عالقة في منطقة اليورو، بما في ذلك ركود الأجور، وارتفاع معدلات البطالة، والتوجهات الكلية طويلة الأمد، مثل النمو الحضري المتسارع، وتراجع دور السيارة باعتبارها أحد رموز الوضع الاجتماعي، إلى جانب غلبة كبار السن على المجتمع الأوروبي. وفي حين أن إجمالي عدد مصانع السيارات قد انخفض بمقدار 10 مصانع في الولاياتالمتحدة منذ عام 2007، إلا أن صافي عدد المصانع في أوروبا ازداد بواقع مصنع واحد. ووفقاً للدراسة، معظم مصانع السيارات الأوروبية الغير مستغلة توجد في إيطاليا وإسبانيا وروسيا، في حين أن عدد المصانع الغير مستغلة يعتبر أقل في كل من جمهورية التشيك وألمانيا والمملكة المتحدة. وتابع ستيفانو أفيرسا: "من غير المرجح أن يتعافى سوق السيارات الأوروبي قريباً، وبالتالي لا نتوقع أن يسهم النمو قصير الأمد في حل مشكلة عدم استغلال الطاقة الإنتاجية الكاملة لمصانع السيارات في أوروبا. وقد يضطر أولئك الذين ينتظرون اقتناص الفرص التي قد يولدها تعافي القطاع، للانتظار لفترة طويلة جداً".