مصر لم تعرف "الخراب الإقتصادي" إلا عندما سيطر فكر التجار علي مقاليد الإقتصاد المصري، فقامت أنشطته الأساسية علي "الإستيراد" من الخارج و البيع و الشراء للمنتجات الإستهلاكية للأطعمة و المشروبات و الملابس و إنصرف الفكر عن إقامة مشروعات إقتصادية ضخمة لتدعيم المركز الإقتصادي المصري عالمياً لتتبوأ مصر مكانة إقتصادية عالمية تسحقها كمثل ما فعلت كوريا و ماليزيا و تايوان و غيرها من الأمم التي أحسن قادتها التفكير في مستقبلها .. إن قادة دول العالم الثالث الناهضة إقتصادياً أحسنوا إستغلال ملايين أفراد شعوبهم و حولوا طاقتهم إلي طاقة إنتاجية صناعية و زراعية وفق خطة عمل مدروسة تصب نتيجتها لصالح إسم الوطن بين سائر الأوطان الأخري .. أما في مصر فإن القيادات لازالت تصر علي إستغلال الملايين التسعين لتعداد شعب مصر و تحويل طاقتهم البشرية إلي طاقة إستهلاكية لتصب نتيجتها في صالح التجار الذين تغير إسمهم إلي مسمي رجال الأعمال. التاجر لا يهمه إلا تحقيق النفع الإقتصادي الأول لشخصه و زيادة رأس ماله إلي أقصي ما يمكن أن تصل إليه الزيادة دون التفكير في صالح المجتمع ككل .. إنما التفكير في صالح المجتمع هي مهمة الحكومات الأولي .. فما بالك سيدي لو تحولت الحكومة إلي رجل الأعمال الأول في الوطن كما و حدث منذ منتصف السبعينيات في هوجة الإنفتاح الإقتصادي حتي كارثة "الخصخصة" التي يبدو أننا سنعيش تحت ظلها عهداً جديداً و تحت رحمة التجار أو رجال الأعمال كما يحبوا أن يسمعوها في بلد ينظرون إليه بإعتباره بلد فيه تسعين مليون "زبون" و ليس "مواطن" .. لا سبيل أمام الوطن للخروج من عثرته إلا بوضع خطة إقتصادية تعتمد علي تشغيل العاطلين عن العمل في مشاريع إنتاجية تغنينا عن "الإستيراد" .. ذلك الطريق السهل الذي دأبت الدولة علي مسلكه طوال السنوات الطويلة الماضية تيمناً بالمثل المدمر "شرا العبد و لا تربيته" .. مع أن كثيراً من المنتجات التي نستوردها يمكن بسهولة تصنيعها داخل الوطن بأيدي أبنائه .. واجب علينا أن نتخلص من العبارة الكارثة التي يعلق أصحاب القرار في الوطن آمالاً عريضة عليها لإنقاذه من عثرته و هي عبارة "جذب المستثمرين" .. فالمستثمر و إن كان يحمل جنسية بلد معين إلا أنه ليس له وطن .. إنما وطنه هو "بنكه " .. و ما حدث عقب زلزال ثورة 25 يناير 2011 ثم ثورة 30 يونيو 2013 ... و ما أعقبها من إستمرار الهزات الإرتدادية و أعني بها إفتقاد الأمن في الشارع و خواء الدولة من الفكر الإقتصادي .. يغلب علي قولي أن أي مستثمر إن حضر إلي مطار القاهرة علي متن طائرته النفاثة الخاصة فإن أول أمر لقائد الطائرة أن يبقي محركها في حالة التشغيل و لا يغلق "الكونتاكت" أبداً إستعداداً للإقلاع و الهرب في أي لحظة خوفاً من إندلاع ثورة قد تطلب رأسه هذه المرة ..