من البدايات الأولى للانتخابات البلدية في تركيا - والتي تبدأ اليوم الأحد - يبدو أنها ستتحول إلى معركة بين رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، وفتح الله جولن، الداعية الإسلامي الوسطي ومؤسس حركة "حزمت" المقيم في فرنسا، من أجل السلطة، وذلك بسبب توغل مؤيدي "جولن" في جميع مؤسسات الدولة - مثل القضاء والشرطة والحكومة وبين المدعين العامين - كما يتسم المناخ السياسي الذي يسبق هذه الانتخابات بالتوترات والاضطرابات، ممّا يجعلها انتخابات تاريخية غير مسبوقة، وذلك على إثر فضيحة الفساد الكبرى التي طالت بعض أفراد الحكومة وعائلاتهم، بما في ذلك "أردوغان" نفسه، وأيضا ابنه "بلال". وبالرغم من عدم خوض "أردوغان" أو "جولن" للانتخابات، إلا أن الصراع من أجل السلطة ما زال قائماً بينهما، وذلك لعدة أسباب من أهمها: سلسلة التسريبات التسجيلية، وفرض رقابة على الإنترنت، وخاصة فرض حظر على موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر" و"يوتيوب"، والمظاهرات المناهضة للحكومة، حيث يعتقد "أردوغان" أن "جولن" هو من يقف وراء كل هذا، ما أدّى إلى اتهام أردوغان ل "جولن" مباشرة بالتآمر هو ومؤيدوه على حكومته، عبر إنشاء "دولة داخل دولة" من أجل الإطاحة به، وبسبب ذلك الصراع فإن هذه الانتخابات تعد تاريخية ومصيرية لمستقبل البلاد. الحقيقي أن تركيا - التي تُسمّي نفسها دولة ديمقراطية، ممثلة في البرلمان - في واقع الأمر تثبت العكس حتى الآن، فقد اتخذت الحكومة إجراءات ضد الحريات الأساسية للتعبير، فضلا عن السجن للعديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين ذوي الرتب العالية الذين تكلموا علناً، وانتقدوا "أردوغان" وحزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، وهو ما أدّى إلى وصف عدد من الأتراك للحكومة بالدكتاتورية، وكمزيد من الدليل على ذلك، فقد صنفت تركيا في تقرير لمنظمة "فريدوم هاوس" خلال العام الماضي، بالدولة ال "حرّة جزئيّاً"، وذلك نظراً لفرض لوائح حول الإنترنت تفرض رقابة كبيرة على المستخدمين ومحتوى المواقع الإليكترونية، وهذا يعني أن تركيا أفضل قليلاً من سوريا والصين وإيران - وذلك في مجال الحريات - وكل هذا من شأنه أن يؤثر على نسب شعبية "أردوغان" وحزبه خلال الانتخابات. وقد نشر اثنان من سفراء الولاياتالمتحدةالأمريكية السابقين لدى تركيا، وهما: مورتون أبرامويتس، وإريك إيدلمان، تقريراً يبدو وكأنه تهديد، ففي تقريرهما توقعا أن تركيا و"أردوغان" سينهاران وسينقلب الجيش على "أردوغان"، وذلك في حال استمراره في اضطهاد أتباع "جولن"، وهو المتوقع، مما سيؤثر على "أردوغان" وحاجته في حصد 38 ٪ من الأصوات خلال الانتخابات، بينما لم تذكر هذه النسبة في جميع أنواع استطلاعات الرأي التي نشرت عبر وسائل الإعلام، وبالرغم من ذلك فإن وسائل الإعلام التركية - التي يملك منها "أردوغان" 9 قنوات وأغلبية الصحف - تعتقد أنه سيحصد 45 ٪ من الأصوات في الانتخابات، وهو ما يعد انخفاضاً في معدلات التأييد ل "أردوغان"، حيث كانت 59.1 في المئة قبل عام، في حين يعتقد معارضو "أردوغان" أن تركيا قد اكتفت من "أردوغان" وحزبه، إضافة إلى أن تقديرات الحزب تراجعت إلى 42 ٪، في حين أن المنافسين حصلوا على تقديرات تصل إلى 42.5 ٪، وأيضا فقد ساعد على انخفاض شعبية أردوغان، الأنشطة التي قام بها قادة المعارضة مثل "كمال كيليجدار أوغلو"، رئيس حزب المعارضة الرئيسي - حزب الشعب الجمهوري - ودولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية المعارض، من خلال مسيرات نشطة في جميع أنحاء تركيا، واللذين ساهما في خلق مناخ تنافسي خلال الانتخابات. وبالرغم من قيام المعارضة بحملات نشطة جداً، إلا إنها لم تستغل تلك الفضائح والقصور في أداء الحكومة على أكمل وجه، إضافة إلى أن هناك بعض القصور في البرامج الانتخابية لها، مثل عدم وضوح سياستها في حكم البلاد مستقبلياً في حال فوزها بالانتخابات، ممّا قد يؤثر على حظوظها خلال الانتخابات، ومن المتوقع أن تشهد كلُّ من: استانبول وأنقرة، المعارك الرئيسية في التصويت، نظراً لأهميتهما الكبيرة في تحديد مسار الانتخابات، وسيتم التعامل مع النتائج بمثابة تصويت على الثقة أو الضامن الوحيد لطبيعة الديمقراطية للحكومة، إضافة إلى أنه ليس من المؤكد كيفية رد فعل الحزب الحاكم على الهزيمة المحتملة. وللدلالة على مصير رجب طيب أردوغان، قامت مجموعة من الرجال الذين يرتدون زي القضاة بالسير ذهاباً وعودة - مراراً وتكراراً - في شارع الاستقلال في مدينة استانبول، في رسالة بصرية للدلالة على أن مستقبل "أردوغان" هو المحاكمة، بدلا من مكتب الرئاسة، ومن أسباب أهمية استانبول هو استحواذها على ربع سكان البلاد، ووجود مرشح الحزب الحاكم "قادر توباس" ضد مرشح حزب المعارضة الرئيسي "مصطفى ساريجول" عن الانتخابات بمنطقة "سيسلي" الأكثر ثراء في استانبول، وهناك مصادر مختلفة ترشح "توباس" بزيادة 7 ٪ إلى 9 ٪ كمرشح أوفر حظّاً من "ساريجول"، ومع ذلك - وبالرغم من توقع وسائل الإعلام فوز "أردوغان" - إلا إنها تتوقع خسارته في استانبول، وكما هو معروف فإن كل من يخسر الانتخابات في استانبول يخسرها على مستوى الجمهورية، وفي ما يتصل بالانتخابات وترتيباتها فإن مجموع من لهم حق الانتخاب هو 52965831 مواطناً، وعدد اللجان الانتخابية هو 194310 لجان، والمرشحين يمثلون 26 حزباً سياسياً. من هنا، قامت الحكومة بتدابير استثنائية اتخذت لتأمين الانتخابات التاريخية - والتي شهدت مناخاً سياسيّاً متوتراً قبل بدئها - حيث خصصت 15062 من رجال الشرطة من أجل تأمين الانتخابات في استانبول وحدها. وبعد اكتمال التصويت فإن الرقم سيرتفع إلى 39000 للإشراف على عملية فرز الأصوات، وهو ما يعني أن ما يقرب من جميع قوة ضباط الشرطة في استانبول سيكونون في مهام لتأمين الانتخابات، لذا على قوى المعارضة اتخاذ إجراءات وتدابير كبيرة ومُشدَّدة خوفاً من التزوير المحتمل. لذا، في حالة خسارة "أردوغان" الانتخابات ورحيله عن السلطة خلال العام المقبل، فإنه في هذه الحالة سيرحل قانونياً عن طريق صوت الشعب، فلا يوجد من يحلّ محلّه، خاصة وأن معظم الجنرالات العسكريين والقادة السياسيين المؤهلين لهذا الدور، قد وضعهم "أردوغان" في السجن أو في المنفى، وأن المنافسين الأقوياء المتبقين فاسدون مثله، إن لم يكونوا أسوأ، ولهذا صرح الخبير السياسي "أولتان سنجورلو"، بقوله إنه قلق حول السلام الاجتماعي: "فمن الصعب - في الوقت الراهن - معرفة ما سنواجهه بالضبط في أعقاب الانتخابات التي تجري اليوم، وأخشى أن استيقظ صباح غد لأجد تركيا - التي نعرفها - قد تغيّرت تماماً عن ما تعوّدنا عليه، لا يهم من يفوز أو يخسر، أنا أشعر بالقلق حول كيفية الحفاظ على السلام والهدوء في البلاد". مصدر الخبر : البوابة نيوز