أتمنى أن يُقرأ مقالي بترو قدر المستطاع وأن تتفتح له عيون القلوب لا الوجوه فيبدو أن الحروف أصبحت تحتاج إلى محام حين ننطقها أو نكتبها ببراءة أصبنا أم أخطأنا ولأن المتربصين كثر لذا أعلم مسبقا أنني سأتلقى سيلا من الاتهامات مختلف ألوانها في ظل مناخ أعتدنا فيه التسرع في إبداء الأحكام . أتحدث عن السباق الحنجوري كلاما وغناء لتمجيد المصري وإرضاء غروره ودغدغة حواسه لمجرد أنه مصري وأن كل مصري الله عليه ! وإذا كان مصطفى كامل أعلن أنه لو لم يكن مصريا لود.. نجد البعض يردد " لو لم أكن مصريا لحمدت الله على ذلك " وبين المقولتين تتأرجح الشخصية المصرية صعودا وهبوطا ، والحقيقة أنني لاأقصد الانتقاص من مصريتنا وقيمتها ولكني أرغب الصدق مع النفس حين أجد التغني بها ترفع المصري لعنان السماء بينما قدر إنجازه على أرض الواقع يناقض أغانيه ونرى شعوبا تفوقنا تقدما حبا لأوطانها قولا وفعلا لا غناء وغرورا . ونحن داخل الوطن نشعر بتضخم الأنا وأن الدنيا يجب أن تخضع لنا وتسبح بمجدنا ولزاما عليها أن تدور في فلكنا ولكن حين يخرج البعض من الإطار ويعيش فترة خارج الوطن يرى الصورة بوضوح أكثر وكيف أن التحولات العالمية رهيبة ولا شيء يحتم عليها أن تتأثر بالمشهد المصري وأن العديد من دول العالم تمارس حب الأوطان بطريقة واقعية من أجل بناء مستقبل يليق بأجيالها ، هل يعني ذلك أنني أنتقص من قيمة الشخصية المصرية ؟ قطعا لا ولكن مايحزنني أننا نعيش أسارى استدعاء اللحظة الماضية هروبا من لحظاتنا الآنية ، ففي حين يعيش العالم حولنا سباقا محموما مع الزمن نركض نحن للخلف بسرعة لا نحسد عليها نفتش في قديم دفاترنا : كيف كنا وماذا فعلنا وكم قدمنا ؟ ثم نضع نقطة في نهاية السطر ونأبى أن نبدأ سطرا جديدا في صفحة الإنجازات تماما كالعمياء التي تمشط شعر مجنونة فلا العمياء قادرة على أن تبصر ماذا صنعت يداها لتزيده تنسيقا وجمالا ولا المجنونة تكف عن نكش شعرها حتى نتفرغ لغيرها .. وهكذا صرنا نعيش خيلاء الماضي وغير قادرين على رؤية واقع يحتاج معايشة ومعالجة لبناء مستقبل يليق بنا كي نلحق بعجلة التقدم غير القابلة للتوقف . عجبا تراه حال المصريين بالخارج وهم يعانون نفس المشكلة فلا تستطيع أن تجمعهم لتستفيد من قدراتهم وإبداعاتهم أو حتى معرفة أوجاعهم ولا يمكنك أخذ وعود قابلة للتحقيق لأي عمل يرفع من شأن الوطن ومع ذلك تجدهم يتجمعون في أي حفل غنائي لفنان مصري أتاهم يشنف أذانهم بمصريتهم فتنتفخ الأنا وتتورم وهم يصفقون ويصرخون ويبكون وهم جلوس في مقاعدهم حنينا للوطن حتى تجلوا النفوس وتصفوا يعودون بعدها وقد توازنت كيمياؤهم النفسية وسمت أرواحهم وهدأت انفعالاتهم وتيقنوا مرة أخرى أن الدنيا أتتهم راغمة وراغبة لتثبت لهم أن المصري الله عليه ! حقبقة أبحث في الشروخ التي أصابت شخصيتنا فأصبحنا نلوذ بالماضي إعجابا وبكاء ولا نرى جمالا يمكننا غرسه في واقعنا ، أدعو القارئ أن يشاركني تحليل الأسباب واقتراح الحلول شرط ألا ندخل دائرة الجدال العقيم فنصبح كمن يحاول الإمساك بالزئبق .. تراني ظلمت الشخصية المصرية وقسوت عليها ؟ أم أن مشرط الجراح ضروري لاستئصال الورم وإبراء العلل رحمة بها لتستفيق في ظل عالم لا يحنو على الأغبياء أو المغرورين أو المغيبين؟