تحكي هذه الرواية عن لسان الراوي العليم بكل شيئ “ Omnision ” قصة حياة راويها الذي يستبد بالحكي ولا يسلمه لسواه طوال أكثر من 225 صفحة من الحكي، وقد تخيل مرويا له، يتوجه بالخطاب إليه داخل الرواية وإن لم يسمعنا صوته المباشر، فحكى عنه بضمير الغائب مثل: "قال لي" إلخ . المروي له صديق الراوي الذي رافقه في رحلة الحياة منذ كان صبيا في المدرسة وحتى الوصول إلى سن الكهولة، استعرض خلال رحلة الحياة تلك محطات يتوقف فيها، ولكنها لم تكن يوما محطات شخصية وإن بدت كذلك، فهي أحداث ظاهرها شخصي ولكنه تواكب جميع الأحداث الجسيمة التي مرت بمصر تقريبا منذ منتصف القرن العشرين وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين وانتهاء بثورة 25 يناير 2011. ركز الراوي على أثر تلك الأحداث على شخصية الراوي باعتباره نموذجا يمثل شريحة من أبناء الشعب المصري، وإن لم تخل الرواية من نقد لاذع يتخلله نصح باعثه اخلاص الراوي وانتماءه، غلب فيه النقد على أي احساس آخر، كان ذلك نتيجة اعتياد عين الراوي على مشاهدة شخصيات وأحداث ومواقف هي في ذاتها افراز مريض لبيئة تعج بالأخطاء والابتعاد عن النموذج. وأنتج ذلك حسا عميقا بالحزن لدى الكاتب، فلم تسعفه سعة أفقه إلا بمثل ذلك النقد المركز لواقع أمة كانت تسقط . ●في نقد اجتماعي عميق التحليل يفرد فصل أو فصول لتصور بعض الشخصيات التي نصادفها في بيئة الطبقة المتوسطة من المصريين، وتتنوع الفصول المتعددة بين التركيز على شرح شخصية والغوص في أعماقها، وبين تناول حدث عميق الأثر في المجتمع المصري وبيان أسبابه وآثاره على الأفراد والمجتمع المصري بأكمله. ●يذكر فيها أحداث النكسة التي عاشها الشعب المصري وتجرع مرارتها مركزا على من تسببوا في هذه النكسة، وكيف أنها كانت صدى طبيعي لعقلية الضباط الذين قاموا بثورة 1952 وكيف انفردوا بالسلطة وزعموا العلم بكل شيئ مما أدى إلى اقصاء الكفاءات. ● تعايش أحداث الرواية أيضا ايام الرئيس السادات وتحكي كيف تحول اقتصادنا إلى الرأسمالية، حيث يتهكم فيها الراوي على أحداث وقعت له على الصعيد الشخصي، وكيف أن هذه المرحلة مهدت لبدء مرحلة حكم الرئيس السابق حسني مبارك وانتشار الفساد في أركان الدولة. ● ولم يهمل الراوي مشهدا للأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال الخمسين عاما المنصرمة إلا علق عليه، وصف لنا الشوارع الناس وطبائع البشر في تحليل نفسي بارع لآثار ما اقترفته يد الحكام الظالمين في النفسية المصرية، مشخصا الأمراض الاجتماعية التي تنتشر ليس فقط في مصر ولكن في جميع أوساط الامم التي ذاقت وبال حكام لا يؤمنون بشعوبهم ولا بكرامة البشر. لم تتوقف قذائف الراوي عن اطلاق نكاته اللاذعة ونقده الذي قد لا يطاق عند بعض النفوس الهشة، يحكي كيف أثر كل حدث وكل تغير مرت به مصر على الحياة الاجتماعية والنفسية والفكرية بل والسياسية. ● وفي النهاية فإنه مما يعطي قيمة لرواية "ربما ذات يوم" كونها كُتبت وانتهى منها المؤلف قبل ثورة 25 يناير 2011 بشهر واحد تقريبا، وكأن الكاتب استدعى عنوانها لأنه كان يؤمن بحدوث الثورة، فأراد أن يستدعيها أو يعجل بها من خلال هذا العمل الثوري، لأنه للرواية قراءتان الأولى: قبل الثورة ، الثانية: بعد الثورة، والقارئ لا يمكن بحال ان يزعم بأن نفسيته تتلقى الرواية باحساس متطابق. الرواية قبل الثورة دعوة مفتوحة إلى الشعب المصري تمثل تمردا على أوضاع شائنة، افاضت الرواية في وصفها والتبئير فيها وتحليلها بعمق شديد، وهذا ما أكسب الرواية تميزا، وهو كونها قد تنبأت باندلاع الثورة في مصر قبل حدوثها بشهر واحد – على وجه التقريب-. ● أما السمات الفنية للرواية فهي تحتاج إلى وقفات ووقفات نتيجة تميز اسلوب الكاتب محسن الغمري بسمات اسلوبية تحمل في طياتها عنصر المفاجأة للقارئ، وتسترعي منه التوقف للتحليل والمراجعة، مما يجعل لهذه الرواية أثرا في القارئ المثابر المكافح الذي يستطيع أن يكمل قراءتها في وقت قياسي ملما بأكثر مما جاء فيها من أحداث وحكي وقدح ومد وجذب واعترافات وتصريحات وتحليلات هي بحق تستحق التوقف والدرس والتحليل.