الداخلية تحتفل باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة وتطلق مبادرات دعم شاملة    الأبرز| مذكرة تفاهم للتعاون العلمي والبحثي.. أنشطة وزارة الزراعة خلال أسبوع    قفزة بأسعار الذهب ومكاسب الأوقية 50 دولار.. والمحلي يلحق بها    انطلاق أعمال ملتقى أريج في نسخته الثامنة عشرة    عمان ضد المغرب .. التعادل السلبي يحسم الشوط الأول    الأمم المتحدة تدعو لتحقيق شامل ومحاسبة المسئولين عن جرائم الأسد والهجمات الإسرائيلية في سوريا    هانز فليك يتفوق على أساطير تدريب برشلونة فى الدوري الإسباني    قرعة المونديال.. ترامب يشارك.. مصر تترقب.. الزمالك يهزم الأهلي.. وصلاح استثنائي| نشرة الرياضة ½ اليوم    لهم معلومات جنائية.. «بلطجية السوشيال ميديا» في قبضة الأمن| فيديو    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    أول ظهور ل تامر حسني بعد وعكته الصحية الأخيرة (فيديو)    وزير الثقافة السعودى بمهرجان البحر الأحمر: القطاع يشهد نهضة غير مسبوقة    نسمة محجوب تقدم أغانى أم كلثوم بأداء منى زكى فى فيلم الست    موعد عرض الحلقة النهائية من برنامج دولة التلاوة وإعلان الفائز    الصحة: فحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم» بالمدارس الابتدائية    بيان ناري من الداخلية في غزة بشأن مقتل أبو الشباب    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    فرنسا ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بواشنطن    جامعة المنصورة الأهلية تشارك بمؤتمر شباب الباحثين لدول البريكس بروسيا    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    وزير الكهرباء: تعظيم مشاركة القطاع الخاص بمجالات الإنتاج والتوزيع واستخدام التكنولوجيا لدعم استقرار الشبكة    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيري شلبي استلهم روح الحكي الشعبي.. وأسهم في تمصير السرد الروائي الواقعي
نشر في القاهرة يوم 11 - 10 - 2011

كثيرًا ما يوصف خيري شلبي بأنه "حكاء" شديد البراعة، وقد يعني ذلك أنه يتبع أساليب الحكاية الشعبية والموال القصصي. كما أن خيري شلبي يوصف كثيرًا بأنه روائي مبدع. ومن المعروف أن أساليب الرواية في السرد منذ بداية الشكل الفني الروائي في العالم الغربي والعربي علي السواء قامت علي التخلص من أساليب الحكي التراثي. فهناك إجماع في النقد الأدبي عمومًا علي وجود تعارض جذري بين أساليب الحكاء وأساليب الروائي. فما مسيرة خيري شلبي الروائية والقصصية خلال هذا التعارض؟ فسمة الراوي - كما يقول والتر بنيامين في مقالته الشهيرة "راوي الحكاية" - أنه لا يعتمد قط علي مواصفات التفسير النفسي الفردي ويبتعد عن تصوير تدرجات اللون النفسية علي العكس تمامًا من السرد الروائي والقصصي الجديد منذ نشأته. كما أن الحكاية عند راويها تلتزم بالخطوط المحورية للشخصية فهي عند الحكاء تشبه التاريخ الطبيعي للشخصية تعرض علاقة الإنسان بالمسائل الأساسية لوجوده، الميلاد والجنس ونوع العمل ومنزلته الاجتماعية (أو انعدام منزلته) وأعراف جماعته وأخيرًا الموت، ويدرك المتلقون الجماعيون الشخصيات في الحكاية بطريقة مضادة للجانب السيكولوجي، فهي ذات خطوط خارجية تبسيطية لقدرها ومصيرها كله، تصور وتدرك في لقطة واحدة، فأمام الفرد خيارات وفرص محدودة، وعليه أن يمارس كل الأشياء وفقًا لرمية واحدة للنرد. وتميل حياته نحو أن تأخذ مظهر الخضوع للقدر، فلدينا تاريخ طبيعي في مسار مستقيم، وتماثل بين رؤية الحياة الاجتماعية والحياة الطبيعية عند الحكاء. وقد تعرض تراث الحكي لهجوم من جانب الكثيرين، فالدكتور «هيكل» يبرز فيه عنصر الخرافة وجموح الخيال ويربط بينه وبين عصور التدهور برباط وثيق (ثورة الأدب). وفي تضاد مع الحكي يجيء الدفاع عن العناصر المعاصرة الجديدة فكرًا وإبداعًا عند «عيسي عبيد» في روايته «ثريا» (1922) و«محمود تيمور» في «رجب أفندي» (1928) و«الأطلال» (1931) و«طاهر لاشين» في «حواء بلا آدم» (1934) ففيها جميعًا الشخصية المستقلة للبيئة والارتباط بالحاضر، فالروايات المبكرة فيها اتجاه لرفض أشكال الحكي وتحاول تحقيق قطيعة مع هذا التراث والبناء من جديد علي أساس منهج الوقائع والحقائق الجديدة. وبالإضافة إلي ذلك كان الحكي التراثي يعتبر المكان ستارة خلفية تنأي أبعاده عن العمق والكثافة، وكان تصويره شديد البساطة يقف عند وصف ما يضمه من كائنات غريبة أو ما يحتويه من مظاهر عجيبة، فلم يكن الوصف الممتد المتوسع للمكان، لأي مكان مألوفًا في التراث الحكائي في العالم العربي أو الغربي. فحكايات الرحالة تصف تفاصيل مذهلة للحياة في الأماكن النائية، وقد تصف ملمحًا بارزًا، لكن من النادر أن تحوي أوصافًا تفصيلية لواقع محدد. كما كان الحكي التراثي يربط بين أهمية المكان ووظيفته الرمزية، أما الروايات المبكرة فتوصف فيها الأماكن والأشياء خارج أي نطاق ثابت مفروض من المعني، ويصور «خيري شلبي» المكان كشخصية روائية متميزة، حي الجمالية في «الشطار» وحي معروف وسط القاهرة في «صالح هيصة»، كما لا يتبع الحكي التراثي في تصوير أنماط بشرية لا تعتمد علي إبراز السمات الفردية، كأن الشخصية دور أو وظيفة محددة في تسلسل أفعال حبكة مرسومة الاتجاه. منتهي الغرابة وبدلاً من ذلك وعلي الرغم من كل القراءات التي تزعم تصويره شخصيات عادية يمكن أن نلتقي بها في أي مكان، فإن «خيري شلبي» عادة يصور أفرادًا تبلغ فرديتهم درجة عالية من الغرابة. وكان الحكي التراثي كما سبق القول في تقنية رسم الشخصية يفتقر تمامًا إلي البعد النفسي الذاتي وأغواره واضطراباته. أما «خيري شلبي» فهو مهتم دائمًا بالكشف عن خفايا قلب الشخصية الغامضة التي قد تغيب أسبابها عن الشخصية نفسها. وهو لا يعتبر ما في فردية الشخصية من خروج علي المألوف مرضًا نفسيا أو ظاهرة فردية تتعلق بالشخصية وحدها، ولكنه يعتبر ذلك كشفًا عن نقص في الظروف الاجتماعية وعن مظاهر تخلف فيها، وهو ما يؤكد نظرته النقدية. ويختلف خيري شلبي مع الحكي التراثي الذي يصور فردًا منصهرًا انصهارًا كاملاً في جماعة ضيقة محدودة ويسقط رؤية تلك الجماعة علي عوالم بعيدة في الهناك لا في الهنا، وعلي كائنات خرافية. فكاتبنا في تصوير القوي الطبيعية يعبر عن خبرة مباشرة للشخصية بواقع محدد، كما أن عوالمه ليست معتمدة علي قيم متوارثة مقننة، ولكن الحكي ذا كلية شاملة لواقع نهائي ليس التغير فيه إلا شيئًا مندمجًا في معاودة وقوع ضمن دورات متعاقبة كأنها تعاقب الفصول الأربعة، ف «خيري شلبي» يتبع التقاليد التي لازمت الرواية منذ نشأتها عن رفض القول بأن طبيعة العالم والمجتمع والإنسان تم احتواؤها في حبكات التاريخ والأساطير والحكايات الخيالية. فأعماله تقدم علي تصوير أحداث جديدة تقع كل يوم. وقد ألفنا عنده كما هي الحال في الرواية الواقعية عمومًا أنها تعكف علي تصوير اللحظات ذات المستوي العادي والدوافع الجسدية والعاطفية العادية، فهي التي تحتل المنزلة الأولي عند تصوير السلوك الإنساني لا البطولات والمثل الرفيعة. كما حاولت أعماله المتعددة تصوير تنوعات الخبرة الإنسانية في رحابتها، ولم تقف عند الخبرات المقرة اجتماعيا أو التي تلقي المديح. فقد أفادت مما تصف به التجربة الفردية الفذة من الابتكار والطزاجة مرونة وحيوية بالمقارنة بالحكي والتقليد الجماعي المتواتر المقنن الذي قد يصاب بالثبات والجمود. وقد اتصفت كتاباته في مجملها مثل الرواية الواقعية عمومًا بتصوير الجزئي والفردي بدلاً من اهتمام الحكي بالعام والكلي، واحتفت بالمعاصر الراهن بدلاً من المنتمي إلي الماضي، وإن كان المعاصر عنده مثقلاً بالتاريخي، بمقدار احتفائها بتفريد الشخصية والوصف التفصيلي للمكان وبالتوسع في عرض العمليات النفسية داخل الوعي الفردي. فالشخصيات الروائية والقصصيةعنده بعيدة عن أن تكون أنماطًا باهتة الفردية، فما يحددها هو التداخل المتبادل لوعيها الذاتي في ماضيه وحاضره. ألف ليلة وكانت نفسية الشخصية تضم داخلها صفات متعارضة من الإيثار والأثرة والسمو والانحطاط بحيث يكون سلوكها مفتوحًا علي توقعات مختلفة. وصارت المعايير الجمالية التي يراعيها الكاتب هي ضرورة الاتصاف بالصدق الذاتي وعمق الاستجابة العاطفية وارتياد تفاصيل الواقع في نهم لا يشبع. ويختلف موقف أعمال كاتبنا من الحكي اختلافًا كبيرًا عن موقف روايات جورجي زيدان المبكرة (غادة كربلاء وعروس فرغانة والمملوك الشارد إلي آخره) التي اعتمدت علي طريقة السرد التراثي، فهي تحكي بالطريقة التقليدية وتضم عناصر من المبالغة وعدم الاحتمال والأعمال الخارقة والحيل العجيبة. والحكي في روايات جورجي زيدان مشابه للحكي في «ألف ليلة» باختلاف بارز عن السرد الروائي والقصصي عند خيري شلبي. ونناقش الوصف الممتد التفصيلي للمكان عند كاتبنا فهو باختلاف مع الروائيين الوصافين لا يفقد حس التوزيع الصحيح للتأكيد ويبرز ما هو جوهري ولا يصف أشياء علي درجة متساوية من الأهمية.فهذا الوصف الشامل المستوعب يقوم علي مبدأ الاختيار ولا يقع في نزعة شيئية، بل يميز الجوهري من العرضي ولا يقع في مأزق السير العقيم إلي ما لا نهاية في تفاصيل بعد تفاصيل، ولا يقف عند الجوانب السطحية أو ينصب اهتمامه علي مواقف ساكنة أو علي حالات نفسية أو شروط للأشياء خامدة. إن ما يميز روايات وقصص كاتبنا هو الترتيب السردي والتراتب بين الأشياء والأحداث، فلا تختنق الجوانب الأساسية في الحياة تحت حجاب من التفاصيل الدقيقة، فعنده رفض الوصف المسهب لما يشبه ذرات الغبار ولكل ما هو عرضي، فالتفاصيل عنده ليست مهمة في ذاتها بل تتعين أهميتها بواسطة أنها ناقلة لجوانب عيانية من الفعل ولوجوه من حياة الشخصية وهي تنأي عن أن تكون مبعثرة. فالكلي في الأوضاع والشخصيات له حياته المتميزة وليس نتاجًا مصطنعًا يتم تركيبه بإضافة جزء فوق جزء، فلا تسوية بين الأوصاف، كما أنها ذات وظيفة واضحة في اكتشاف شبكة المصائر الإنسانية، ولا تقدم إلا بمقدار ما تلعب دورًا في مصائر وأفعال وأهواء الشخصيات. وما سبق يختلف عن الحكي التراثي الذي لم يعترف بإنسان داخلي باطن، بل كان الإنسان بأكمله علي السطح، فالخارجية التامة هي السمة المميزة للصورة الإنسانية في الأدب الشعبي. وكانت الحكايات والسيرة البطولية تنقل درجات الانفعال المتغايرة بواسطة تعبير خارجي عنها. فالأبطال في القص الشعبي يتنهدون ويصعدون الزفرات ويذرفون العبرات وينشدون الأبيات، فالحياة الداخلية لابد أن تتجلي كلها تجليا خارجيا في شكل مرئي أو مسموع. وكأن البطل حينما يقول ما في نفسه يستخدم عبارات مكتملة الصياغة والترتيب كأنه يجري حوارًا مع شخص آخر، فما من علاقة خاصة بين الإنسان ونفسه متميزة عن علاقته بالآخرين (باختين)، علي العكس من روايات «خيري شلبي» حيث الشخصية فيها تمتلك ذاتية فردية. ولكنه يحتفظ من الحكي بالسلاسة والبعد عن التعقيد وحلاوة التعبير والاتجاه رأسًا إلي العلاقات الأساسية الاجتماعية والإنسانية وأن يكون التعبير اللغوي قادرًا علي النفاذ والكشف والبحث عن صيغة مصرية متميزة. وينتمي موقف السرد عنده إلي ثقافة عامة الشعب وتعبيراتهم الذاتية عن حياتهم. وترفض واقعيته أي نظرية سياسية وفكرية مكتملة الصياغة تأتي في رأيه من خارج الوطن. كما يرفض كثيرا من الفهم الشائع للواقعية المنتشر في وقت الكتابة مثل رفع شعارات سياسية والدعوة إلي مجتمع مأمول محدد السمات، وهو يقسو علي هؤلاء الدعاة عندما تشير الروايات إليهم. ولا يستعمل تقنيات حداثية أو يعتبرها وصفة جيدة للإبداع الروائي يطيعها في آلية بدلاً من أن تستوجبها طبيعة التجربة المصورة. فلم يكن التجريب التقني في السرد ألعابًا شكلية، ولكنه يعمد إلي تنمية الطبيعة المرنة السيالة للنوع الروائي بإدماج حكايات شعبية ومواويل وتوازيات أسطورية بحيث يعمل تناسجها وتقابلها علي إغناء الدلالة (وكالة عطية). ثورة ضد المماليك وقد أخذت ظاهرة اللجوء إلي الحكاية الشعبية والموال (أي إلي الحكي) في الرواية المصرية أبعادًا متنامية في السبعينات بعد أن كانت سمة فردية عند كتاب الطليعة في الستينات: «فساد الأمكنة» عند «صبري موسي» (1973) والزويل و«الزيني بركات» (1974) ل «جمال الغيطاني» و«الطوق والإسورة» ل «يحيي الطاهر عبد الله» (1975) و«التاجر والنقاش» (1976) ل«محمد البساطي» و«الناس في كفر عسكر» ل «أحمد الشيخ» (1979) و«دوائر عدم الإمكان» (1971) لمجيد طوبيا فاقترب كثير من الروائيين من أن يكونوا حكائين. أما «خيري شلبي» فقد حاول في رواياته وقصصه تطوير الحكاية الشعبية والموال القصصي مع استلهام طابعهما الجماعي. ولكن هذا الشهير بأنه حكاء لا يتبع قواعد معادلة ثابتة لتراث الحكي ولا يتبني نموذجًا له عربيا أو مصريا أبديا أصيلاً مزعومًا وهو من الناحية الأخري حاول الخروج علي أي مواضعات جاهزة ثابتة في السرد الروائي رغم تبنيه لتصوير الشخصية المركزية الفردية الدرامية والوصف الممتد للمكان، فهو يهتم دائمًا بالحياة المتغيرة ذات الرحابة والإمكانات الكامنة في الأوضاع التي قد لا تلمحها النظرة العجلي. فروايته الثانية «الأوباش» (1978) نجد فيها القرية تكتب نفسها وتناولاً للخوارق لا يتكئ علي الخرافة. كما يكتب في منتصف الثمانينات رواية «الشطار» التي يعتبرها الكثيرون ذات واقعية خاصة ب «خيري شلبي» ترصد تفاعل التاريخ مع الحاضر وترفض الجوانب السلبية في هذا الحاضر من وجهة نظر "قيم شعبية أصيلة". وتكشف رواية «صحراء المماليك» (2008) عند ناقد شاب حاد النظر وثيق الصلة ب «خيري شلبي» عورة الوطن الذي رغم توالي الأنظمة السياسية عليه لم يتمكن من زحزحة النظام السياسي للعصر المملوكي. وينسب الناقد إلي «خيري شلبي» قوله إن ثورة 25 يناير هي ثورة ضد المماليك. وآخر روايات «خيري شلبي» المنشورة هي أسطاسية وتقوم علي تداخل سبعة أصوات تتناوب تأويل حدث مركزي. ومسرحها ريف الدلتا الذي يعبر عن مصر كلها. وتبدو مادة تناول الرواية مازجة تناول «يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم عن جريمة قتل فاعلها مجهول ورواية «الطريق» ل «نجيب محفوظ» وفيها البحث عن الله وكيفية الوصول إليه في لحظة مأزومة تحاول الرواية أن تلخص أثناءها مأزق الوطن. عمق الانتماء إن كتابات «خيري شلبي» عمومًا عميقة الانتماء إلي أهداف نهضة
شاملة وتجديد شامل. ففي الإجراءات السياسية تقف ضد كل نظام مستبد ومع إصلاح للقرية وأن يكون التعليم لا مجرد التلقين، كالماء والهواء مجانًا لكل مراحل التعليم وأن يتحرر الوطن من البيروقراطية والمحسوبية والبوليسية. وتمتد النهضة المأمولة إلي المجالات الثقافية جميعًا، والرواية الجميلة «صهاريج اللؤلؤ» تصور تلك الطموحات الثقافية. وراويها العليم بكل شيء يقدم التاريخ المتخيل لمصر طوال القرن العشرين، فلا تبدو دوائر الإبداع من فن قصصي وتشكيلي وموسيقي منفصلة بل متحدة مرتبطة بجوهر مصري متميز. ففي تلك الرواية نجد المادة السمعية مثل أساليب السرد في الحكي والروايات والقصص متغلغلة في شبكة العلاقات الاجتماعية: غناء الفلاحين الجمعي في العمل والحصاد وغناء الفلاحات في الأفراح والصبايا حاملات البلاليص في موكب الأصيل وغناء المنشدين وعازفي الربابة وكل أغاني المناسبات من زواج وحج ونجاح وأفراح وأتراح. كما يري الراوي في دقة معمار بناء شامخ وجمال طرازه موسيقي مجسدة في تشكيلاته الزخرفية. فالبطل الموسيقي في هذه الرواية يقوم بشيء مماثل علي أرض الواقع لما يقوم به خيري شلبي في السرد الأدبي، فهو يحاول تعليم الكمان الكلام باللغة العربية المطعمة باللهجة المصرية والمشبعة بالتعبير عن مواقف جمعية من مسائل جوهرية مثل الحياة وحركتها ومعناها والموت وتداعياته والعلاقات بين الناس والرجل والمرأة. ويرفض نقاد لامعون (سيد البحراوي علي سبيل المثال) العودة إلي الحكي التراثي فأشكاله صارت غريبة علي المعاصرين وتحمل مضمونًا ميتًا ووعيا جماليا مضي زمنه. وفي النهاية إن «خيري شلبي» في إنتاجه الغزير أسهم في استلهام روح الحكي الشعبي وطوره كما أسهم في تمصير السرد الروائي الواقعي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.