أقامت الهيئة العامة لقصور الثقافة بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب احتفالية لتأبين الروائي الراحل خيري شلبي في بيت السحيمي تحت عنوان «حكاء المهمشين» بدأت الاحتفالية التي قدمها الأديب فؤاد مرسي بكلمة الأسرة وألقاها زين خيري شلبي قائلا: «هل أكون مدفوعا بعاطفتي فأقول إنه كان أعظم الآباء، أم أكون مدفوعا بذائقتي فأقول إنه كان من أعظم الأدباء، لن أكون موضوعيا.. في كل حال.. فخيري شلبي عودنا جميعا أن يذكر مآثر الآخرين، فكان للمنسيين والمهمشين مؤرخا وإماما». وتحدث الشاعر سعد عبدالرحمن - رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة - عن دور الراحل في الحياة الثقافية المصرية قائلا: «إن خيري شلبي حي بيننا بإبداعاته وأعماله التي قدمها إلي جماهير القراء في مصر والوطن العربي، فهو واحد منا لم يتعال علينا في إبداعه وإنما كرس هذا الإبداع ليتحدث عن شرائح اجتماعية مهمشة، فتحدث عن طبقات اجتماعية سقطت من أجندة السلطات المستبدة». وبعد ذلك تم عرض فيلم تسجيلي عبارة عن حوار مطول مع الأديب الراحل أجراه أحمد العايدي تحدث فيه عن كتابة الشباب ناصحا إياهم بعدم تعجل النشر وضرورة الكدح في الحياة قدر ما يستطيعون. مداخل إنسانية وفي الندوة النقدية التي جاءت تحت عنوان «مداخل جديدة في قراءة إبداع خيري شلبي» والتي أدارها د. محمد بدوي، وتحدث فيها د. محمد حافظ دياب ود. حسين حمودة ود. رمضان بسطاويسي ود. سيد عشماوي. وصف د. محمد بدوي خيري شلبي قائلا: كان ساحرا شعبيا، وكان مواطنا مصريا تشم من حكاياته الثمر الريفي لذلك امتلك فضاء الحكي، كذلك نري أن المسافة بين خيري الكاتب وخيري الإنسان تكاد تكون منتفية تماما. هو كاتب ذو وجوه متعددة فهو الحكاء وهو المتحدث باسم الحكمة، ثاقب النظر الذي يعن له - أحيانا - أن يكون منظرا للأشياء، ونحن في النهاية أمام مكابدة كاتب يحاول أن يكمل الواقع الذي يعيشه رغم أنه يدرك نقصان هذا الواقع. وتحدث د. سيد عشماوي عن علاقته بالأديب الراحل والتي بدأت منذ منتصف السبعينيات، مؤكدا أنه استفاد منه في دراساته التاريخية، وما كتبه عن المهمشين وقد ظهر ذلك جليا في دراسات «الفلاحون والسلطة 1919 - 1990» و«الجماعات الهامشية المنحرفة في المجتمع المصري» وهي دراسة لسكان المقابر والعشوائيات. وأضاف عشماوي قائلا: استفدت منه أهمية ما يقدمه العمل الفني والأدبي في الدراسة التاريخية، لأنها بذلك تكون أقرب لروح القارئ من الشكل التاريخي الوثائقي، وربما هذاما أشار إليه «أينشتين» حين قال: لم أصل إلي نظرية النسبية لولا قراءتي للأخوة كرمازوف». الهوية المصرية أما د. رمضان بسطاويسي فتحدث عن «الهوية المصرية عند خيري شلبي» مشيرا إلي أن كتابته بها خصوصية عبر لغة ضد التقليد والنسق بما فيها من جسارة تخلط بين العامية والفصحي، فنصه لا يستجيب للنظريات الجاهزة، والبناء السردي عنده بنية حلمية تعيد بناء الموروث والمخزون النفسي، فهو علي عكس ما هو معروف عنه لا يقدم الواقع الصرف، بل يقدم ما يشبه الواقع وليس الواقع نفسه. كان يقدم المعني الأصلي للإنسان المصري، أما النقطة الأخري فهي أنه يقدم خطابا ثقافيا للإبداعي الذي هو نتاج تجربة فريدة من حياته حيث أتيح له العمل في عدد كبير من المهن. أما د. محمد حافظ دياب فأشار في كلمته إلي أن كتابة خيري شلبي أشبه بالكتابة الأنثربولوجية الجديدة التي تجمع بين قدرة المؤرخ وقدرة السارد، فقد عاش حياته معفرا بأديم القري وعشق الحواري والسكك والزنقات، لذا نري المكان أثير في أدبه حيث يبدأ بالجغرافيا الطبيعية ثم ينتقل إلي الجغرافيا البشرية ثم يقيم العلاقة بينهما تقاطعا وتوازيا، ثم يصعد إلي الجغرافيا الجمالية عبر الجملة الأدبية. أما بالنسبة للشخصيات فقد عبر عن «النسيج القاعدي للشخصية المصرية»، وكان فنانا في رسمه لشخوصه فيما عرف بفن البورتريه. وأضاف د. محمد حافظ دياب قائلا: أما بالنسبة للغة عند خيري شلبي فاختلف مع القائلين بأنه اعتمد علي «اللغة الشفاهية» بالرغم من أنه جمع بين الفصحي والعامية فقد كان يكتب ب «اللغة الطبيعية» وهي لغة الصمت الوصفية أو ما يعرف بظاهرة اللا مسمي، وهي غير معروفة في الأدب العربي، فهناك شخصيات حاضرة وغائبة وشخصيات غائبة وحاضرة في متن النص السردي. وقد أثار كثير من قضايا المجتمع في أعماله بجرأة بالغة. وأشار د. دياب إلي اختلاف النقاد في انتماء خيري إلي مدارس السرد، مؤكدا أنه ليس واقعيا اشتراكيا ولا واقعيا كلاسيكيا ولا واقعيا سحريا بل هو أقرب إلي «التيار الطبيعي» الذي انتهجه «إميل زولا». وتحدث د. حسين حمودة عن خيري شلبي من خلال مجموعته القصصية الأخيرة «ما ليس يضمنه أحد» مشيرا إلي أن عالمه القصصي مترامي الأطراف وممتد المساحات، عبر كتابة مفتوحة، والمجموعة الأخيرة يتبدي فيها جانب الحكمة والتأمل، تطرح علي قارئها تأمل العلاقات الإنسانية لاستخلاص الحكمة الأخيرة. كما شهدت الاحتفالية عدة شهادات حول تجربة الأديب الراحل ألقاها إبراهيم أصلان وأحمد طوغان وحمدي أبوجليل ومحمود الورداني وعزت العلايلي وفارس خضر ومحمد السيد عيد، في جلسة أدارها الشاعر شعبان يوسف.