د. شاكر عبد الحميد : تنظيم مؤتمر عن خيري شلبى وطباعة كتاب " محاكمة طه حسين تحت رعاية الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة ، أقام المجلس الأعلي للثقافة برئاسة الدكتور شاكر عبد الحميد حفل تأبين للكاتب الكبير الراحل خيري شلبي بمقر المجلس، الذي بدأ حديثه بمقولة أحد المؤرخين الفرنسيين التي تقول " الأسلوب هو الرجل " ويرى عبد الحميد انطباقاها علي الراحل خيري شلبي .. فقد كان يكتب ماكان يعيشه ويعيش مايكتبه، فلم تكن هناك مسافة يمكن أن تذكر بين حياته وكتاباته. وصرح د. عبدالحميد أن المجلس الأعلي للثقافة قرر عقد مؤتمر عن أعمال خيري شلبي في العام المقبل، وسيبدأ بتنظيم ندوة تحضيرية لهذا المؤتمر خلال الأسبوع القادم. كما سيقوم المجلس الأعلي للثقافة بطباعة أحد الكتب المهمة لخيري شلبي وهو كتاب " محاكمة طه حسين ". وفي سياق الحديث عن المواهب الابداعية لشلبي ذكر د. شاكر أن خيري شلبي يتميز بالقدرة الرائعة علي رسم الشخصيات والأنماط البشرية بدقة عالية، فكان يرسم تلك الشخصيات بطريقة ممتعة ودقيقة لها سحرها الخاص الذي يكشف عن النقاط والسمات والخصائص المتشابكة للشخصية المصرية. شارك فى الندوة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والدكتور حسين حموده الناقد الأدبي، وأدار اللقاء الشاعر يوسف شعبان الذي أشار في بداية حديثة أن شخصية كاتب كبير مثل خيري شلبي لا يمكن أن يتم عمل لها أي نوع من صور التأبين، ذلك لسبب واحد بسيط وهو أن أعماله الأدبية وإبداعاته الفكرية والثقافية المختلفة تجعله أحد الأعمدة الخالدة في التراث الثقافي المصري. وأشار شعبان يوسف إلي أن خيري شلبي لم يدخل تحت دائرة الضوء إلا في عام 1971 بعد أول رواية له نشرت تحت عنوان " اللعب خارج الحلبة " ذلك لأن الحركة النقدية للاسف آنذاك كانت تتعالي علي كتابات خيري شلبي التي كان يناقش فيها قضايا عمال التراحيل ، ومشاكل وأزمات سكان القبور، ومعاناة كل الفقراء والمهمشين. وأشار د. جابر عصفور أن أفضل بيت شعر يمكن أن ينطبق علي وصف حالة الفراق للكاتب خيري شلبي هو ماقاله الشاعر أمل دنقل : كل الأحبة يترحلون .. فترحل عن العين شيئا فشيئا ألفة هذا الوقت. كما أشار الدكتور جابر عصفور أنه عندما كلفته د. سهير القلماوي أن يكون عضواً في لجنة جوائز الدولة التشجيعية، وكان ضمنها كتاب " فلاح مصر في بلاد الفرنجة " لخيري شلبي ، وكتب عصفور عنه تقريراً ايجايبا في هذا الكتاب ساهم في حصول الراحل علي جائزة الدولة، وأوضح د. جابر عصفور ان علاقته بدأت مع الراحل خيري شلبي عندما قرأ ذلك التقرير ، والتي استمرت حتى وفاة الراحل، وخلال تلك الحياة الحافلة بكل تلك الأعمال الإبداعية الهامة كان خيري شلبي يهديه نسخه من كل أعماله ، كان آخرها رواية " أسطاسية". وأضاف د. عصفور أن سر إعجابه بالراحل خيري شلبي هو مدخل اللغة، حيث كانت المسافة ضئيلة جداً بين اللغة والشفاهية التي يتحدث بها واللغة التي يكتبها، ولم تتوافر هذه الميزه عند كثير من الكتاب والروائيين إلا روائي كبير مثل يوسف إدريس. كما أن ظاهرة " اهتمام خيري شلبي بالمهمشين " هي أحد أهم ما كان يميزه، فلا يوجد روائي قبله ولا بعده استطاع أن يفتح باب الكتابة عن " المهمشين " مثل خيري شلبي. فقد كتب بإستفاضة عن قاع القاع للمجتمع المصري، لدرجة أنه عندما تحدث عن الأغنياء فقد كان يذكر المهمشين منهم. ولا يوجد من استطاع الاقتراب من هذا المنحي الا الكاتب " محمد شكري المغربي " مع الفارق الكبير بينهم. أما الظاهرة الثالثة التي تميز بها خيري شلبي ، يذكر د. جابر عصفور أن شلبي كان يتمتع بقدر كبير من " الشجاعة والجسارة " فلم يكن عند أحد غيره مثل هذه الجسارة ولا حتى نجيب محفوظ حيث كان يسكت عن بعض القضايا والمواضيع أو يشير إليها بشكل عابر، في حين لم يكن يعترف خيري شلبي بأي نوع من انواع التابوه في الكتابة. فعالم خيري شلبي هو عالم مختلف له قواعده وقوانيه وشروطه الخاصة التي لا تعرف أي معقوات أو قيود في الكتابة، ففي حين يعتبر نجيب محفوظ هو كاتب البرجوازية الصغيرة فإن خيري شلبي هو كاتب شعب قاع القاع " الهوامش ". وانطلاقاً من التعريف الخاص بالراوية علي أن معيارها الوحيد هو ألا معيار لها، ويشير د. جابر عصفور أن فى هذا التعريف نجد أن روايات خيري شلبي متعددة الأطراف لدرجة يمكن تسميتها بالرويات السيمفونية. من ناحية أخرى أشار د. حسين حمودة إلى تجربة خيرى شلبى الابداعية المتنوعة والاشارة إلى بعض معالم رحلته فى بعض نقاط تناميها،ثم عند"محطتها"الأخيرة،فهو الذي نحت بأظافره في صخور المعاناة والمأساة ، وهو مايعطي نموذجاً لكل الكتاب والمثقفين الشباب في الإعتماد علي أنفسهم في صنع تاريخ ثقافي خاص ومتميز لهم . وذكر د. حموده أن خيري شلبي لم يكن فقط ابناً باراً لسلالة "الحكي" القصصى والروائى المصرى التى كان من شاراتها الكبيرة محمود طاهر لاشين و يحي حقي ثم يوسف إدريس بل أصبح شلبي أباً كامل الأبوة في هذه السلالة وفى هذا القطاع من عمل خيرى شلبى،تلاشت هيبة أو هالة تقنيات الكتابة المقرونة بنماذج بعينها،وتمثلت تناولات الحياة،بتفاصيلها المصرية بصياغات حكى مصرية،وبزغ الاحتفاء بتجارب مرتبطة بصيغة "هنا و الآن"فى العالم القصصى والروائى الذى تدفق فى سلسالة الجارى الفياض الذى لايتوقف ابداً ولاينبض أبداً،استطاع خيرى شلبى أن "يستصفى"ما آرتاه تعبيراً عن منحى خاص به فى الكتابة،وما تصوره تمثيلاً لوجهة نظره وتأملاته فى حياة"مصرية"قطعت تاريخاً طويلاً إلى أن وصلت فى زمن خيرى شلبى الذى هو زمننا. كما أوضح د. حمودة أن الحكمة فى كتابات خيرى شلبى لم تكن مجرد هاجساً أو مبتغى أو قائداً،كانت حيوات الناس البسطاء نفسها هى القادرة وحدها على أن ترتقى إلى مصاف الحكمة. وفيما يخص بفكرة التأبين للراحل خيري شلبي ، قال زين خيري شلبي أن لحظات الرثاء عموماً تكون صعبة، والحال بالغ الصعوبة في حال رثاء الوالد .. ولكن ما يجعل حفل تكريم المجلس الأعلي للثقافة مختلفاً كسابقه الذي تم تنظيمة في بيت السحيمي، هو حالة الحب والدفء من محبي وقراء وأصدقاء الراحل خيري شلبي. وفي نفس السياق أشار الكاتب الكبير يوسف القعيد إلي أنه غير راض عن ظاهرة الكتابة عن الشخصيات الكبيرة بعد وفاتها .. وقام بتوجيه الدعوة لكل المثقفين والإعلاميين للتفكير في كيفية تكريم الأحياء. وأقترح د.مسعد عويس على المجلس أن تُقِيّمِ وتُحِلّلِ مضمون أعمال خيرى شلبى على أساس أن يقدمها للشباب بكل الأساليب لكى يعلموا أن مصر بها أمثال عمالقة مثل خيرى شلبى. وفي الجزء الخاص بالشهادات الحية ، ذكر أ.د محمد إبراهيم طه أن خيري شلبي يمكن وصفه بماكينة حكى بشرية، لأن انتاجه من الحكي يفوق ما يمكن أن يتحمله عقل بشري عادي. كما أشارت الناقدة تغريد الصبان إلي أن البورتريه والأبعاد الجمالية التشكيلية التي قدمها خيري شلبي في عدد كبير من أعماله تجعل القارئ يشعر وكأنه يتجول في أحد المعارض التشكيلية الكبيرة،بالإضافة لشهادة د.أشرف عامر. وفى ختام الحفل قام د.شاكر عبد الحميد بتكريم اسم الراحل خيرى شلبى بإهداء ابنه زين خيرى شلبى درع المجلس.