الاختلاف المنضبط من أرقى أسرار جمال الأعمال السيفونية فى الموسيقى ذلك التناغم المذهل بين كل عناصرها، فالخطوط الرئيسيه متناغمة، و الآلات الموسيقية متوافقة، والعازفون متسقون. نعم إن كل آله تعزف نغمتها الخاصة التى لا تقلد فيها آلة أخرى، لكن الآلات جمبعاً تتناغم معاً، وتتوافق معاً، كى تعزف العمل الموسيقى الرائع المتكامل. إنه الاختلاف المنضبط الذى يخلق توافقاً مدهشاً و تناغما مذهلاً، فهل من الممكن أن ننتقل بحياتنا من ثقافة العزف المنفرد الى ثقافة التوافق السيمفونى؟! لنختلف ما شئنا أن نختلف، و لكن ليكن اختلافنا اختلافاً منضبطاً، يؤدى إلى التنوع البديع، وليس الى الصدام المحبط، أو التنافر المدمر، لنعزف معاً سيمفونية الوطن، بل سيمفونية الحياة. نصفان نصف الحقيقة فى يدى، و نصفها الآخر فى يدك أنت، فلا أحد فى الدنيا يمتلك الحقيقة الكاملة. وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فينبغى أن ندرك قيمة الحوار، فالحوار بيننا هو الذى سوف يوصلنا إلى الحقيقة وإلى الصواب. ينبغى أن ندرك أن الاتفاق التام بين البشر هو المستحيل بعينه، وأن الاختلاف بدرجاته هو الأساس، فلماذا لا ندرب أنفسنا على عدم اعتبار الذين يخالفوننا الرأى مخطئين؟! بل وخونة وفاسقين؟!! لماذا لا تستحضر كلمات "فولتير" التى يقول فيها: "إنى اخالفك الرأى ولكنى أدافع حتى الموت عن حقك فى أن تقول رأيك"؟ النسر الصياح "المياه الهادئة بعيدة الأعماق" هذا هو أحد المعانى التى تعلمنا الطبيعة إياه، فالصخب أبدا لم يكن دليلاً للعمق، و الضجيج أبداً لم يكن دليل امتلاك ناصية الحق أو الانحياز إلى جانب الصواب . فلماذا لا نهتم أكثر بأن تكون حياتنا أكثر عمقاً و أقل صخباً؟ لماذا لا نحاول أن نقترب من الحق أكثر فأكثر دون ضجيج أجوف؟ لماذا لا نستحضر دائما " أن المياه الهادئة بعيدة الأعماق"، و أن "النسر الصياح لا يصطاد شيئاً". الشماتة قرأت يوماً كلمات لا أستطيع أن أنساها " لا تفرح لسقوط الآخرين فإنك لا تعرف ما تخبئة لك الأيام" أتذكر هذه الكلمات وأنا أرى البعض لا يستطيعون أن يبتهجوا حين يرون الآخرين يصعدون ويلمعون، ويسمحون لأنفسهم بأن يعانقها معنى الشماتة حين يراهم يسقطون، وكأن كل واحد منهم يحلم بأن يكون النجم الأوحد، ناسياً أن سماء النجم الواحد مظلمة.