رفع المايسترو عصاه فرفع المسيح علي خشبة الصليب علي نغمات الكمان المتألمة وموسيقي الفيولين المنكسرة المختلطة بآهات العذراء في المشهد الختامي للأوبريت.. اشتدت وطأة الموسيقي والمشهد ثابت كما هو..انغمست أنامل العازف بين الأصابع السوداء والبيضاء فصعدت ونزلت النغمات لاهثة معجونة بالحزن مارة بكل درجات السلم الموسيقي.. عزف الأوبريت جان وبيتر وشادي وماجد مع محمد ومصطفي ومها.. عزفوا القصة بفن سما فوق التفاصيل وعبر الأزمان والتواريخ فاستخلص المعاني المتجردة من المعارك والاختلافات.. عزفوا بفن لم ينشغل بالبحث عن الحقيقة فكل عازف آلته هي الحقيقة الوحيدة التي يعرفها ويلمسها بين يديه ويرتقي بها فوق تباينات البشر العاديين.. عزفوا المعني ولم يأبهوا بتفاصيل القصة التي ترويها العقائد بأكثر من لسان فاختلفت حولها الأديان.. المسيح إله أم بشر؟ لا يهم الآن.. فاجتمع جان وبيتر وشادي مع محمد ومصطفي ومها علي عزف قصة رسالة الله المتجسدة إلي البشر الذين خلقهم منذ ملايين السنين.. صلب المسيح أم شبه لهم؟.. لم يكن ذلك مطروحا علي المسرح.. لكن شادي اجتمع مع محمد في عزف قصة رفض البشر لرسالة الإله حين بلغتهم.. حكموا عليها بالصلب.. وهي معضلة البشرية في كل العصور والأزمان.. عزفوا قصة تمرد البشر علي الرسالة الإلهية النقية الخالصة.. يحكمون عليها بالعذاب ولا يتشبثون بها إلا بعد صبغها ببشريتهم المدنسة.. هنا فقط يتمسكون بها ويتقاتلون من أجلها متسببين في خراب العالم.. عزف جان مع مصطفي أنشودة المحبة والغفران.. في المشهد الذي طلب فيه المسيح من الله أن يغفر خطيئة من جلدوه وصلبوه قائلا: ''يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون''.. أين ومتي قالها؟ تفاصيل ارتفعت فوقها موسيقي العازفين.. علي اختلاف عقائدهم. علي مدار 3 أيام عرض فريق One Voice Choire الصوت الموحد'' بالاشتراك مع فريق «الرؤية» للتمثيل أوبريت «قد أُّكمل» الذي يحكي قصة الصلب والقيامة خلال الأسبوع الماضي احتفالا بعيد القيامة بقاعة مدرسة «كولاج دي لا سال» في حي الظاهر. لم تكن مشاركة عازفين مسلمين في عرض عيد القيامة أمرا مقصودا أو متعمدا إلا أن «مهاب عاطف» مؤسس الفريق وملحن موسيقي العرض التي أبهرت الحاضرين استعان ببساطة بأصدقائه من العازفين المسلمين الذين شكلوا معظم الأوركسترا وعازفي العرض لأنهم وكما يقول عازفون ماهرون.. كل مميز جدا في عزف آلته ولا يوجد هذا العدد من العازفين الماهرين من المسيحيين. قال: اتصلت بهم وشرحت لهم قصة الأوبريت فرحبوا جدا ولم يمانع أي منهم ولو لوهلة واحدة. محمد عادل عازف الجيتار بالأوبريت الذي يمارس العزف منذ 15 سنة.. عزف بالأوبرا وعلي مسرح الجمهورية ومع عدد من الفنانين المعروفين منهم فتحي سلامة وهشام عباس يقول: «استمتعت جدا بالاشتراك في هذا العمل.. وبما في ذلك فترات التدريب وكدت أبكي في مشهد اعتراف بطرس بخيانته للمسيح.. لم أتردد للحظة قبل موافقتي علي الاشتراك في العرض.. بالعكس أري فيه الكثير من المعاني السامية التي يجب أن نحترمها نحن كمسلمين». وتقول مها سيف عازفة الفيولين بأوركسترا القاهرة السيمفوني التي تعد رسالة الماجستير في الموسيقي إنها لا تجد أي غضاضة في المشاركة في هذا العرض لأنها وبشكل عام تحب موسيقي الكواير- موسيقي الترانيم- تقول: «وهذه ليست المرة الأولي التي أعزف فيها في كنيسة فعندما كنت عضوة في أوركسترا الشباب العربي طفنا بعدد من الدول وعزفنا داخل كنيسة بألمانيا وفي أوركسترا القاهرة السيمفوني نقدم قداسات ونعتبرها كلاسيكيات يجب أن نعزفها». كذلك شارك في العرض مصطفي عازف فيولين بالأوبرا ويقول: «العمل أعجبني جدا وأعجبتني موسيقاه جدا فوافقت علي الاشتراك فيه..فلماذا أعترض ومعظم الأعمال الموسيقية التي نقدمها لموتزارت وفردي وديفور جاك هي في الأساس عبارة عن قداسات.. فنحن كعازفين نسمو فوق هذه الاختلافات». أما محمد عويضة عازف الكمان الذي لايزال طالبا في الكونسرفتوار الذي يشارك كعازف أساسي في الأوركسترا بالأوبرا ويعزف عزفا منفردا في بعض المناسبات وشارك في أعمال علي الحجار.. قبل أن يشارك في عرض عيد القيامة «قد أكمل» كان قد شارك في عزف الليلة المحمدية احتفالا بالمولد النبوي.. يقول: «عندما أعزف عملا روحانيا أشعر باندماج وتناغم أكثر كما شعرت اليوم.. لم أجد أي مانع في الاشتراك مع الإخوة المسيحيين في احتفالاتهم مادمت ثابتا علي عقيدتي». ويضيف «مهاب عاطف»: «أنا سبق لي وشاركت في حفل إسلامي.. وهذه ليست المرة الأولي التي أستعين فيها بأصدقائي من العازفين المسلمين, سبق وشاركوني في حفلي الذي أقمته مع فريقي one voice choire ضمن احتفالات عيد الميلاد المجيد». تصور أحداث الأوبريت قصة حياة المسيح منذ طفولته حتي صلبه وقيامته بالتمثيل والترنيم حسب العقيدة المسيحية.. وأطلق كاتب النص العنان لخياله في بعض المشاهد فصور لنا المسيح في طفولته ينقذ طفلا من براثن أصدقائه الذين يحاولون ضربه فيطلب منه هذا الطفل أن يكون صديقا له ويوافق الطفل يسوع علي طلبه وفي نهاية الأوبريت نكتشف أن هذا الطفل هو يهوذا الإسخريوطي الذي سلم المسيح للصلب.. كما يظهر بطرس الرسول تلميذ المسيح كراوٍ أساسي للقصة.. يلوم نفسه علي نكرانه للمسيح خوفا من اليهود والرومان ويوجه كلامه للجمهور قائلا: «أنا أبحث بينكم عن خائنين مثلي حتي أتعزي» ثم يعود ويقول مغزي الأوبريت «كلكم خائنون مثلي».