تنفيذا لتوجيهات السيسي.. محافظ شمال سيناء: تقسيط إيجار الشقق على 30 سنة لأهالي رفح    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    تقديم الساعة 60 دقيقة غدًا.. تعرف على مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    محافظ شمال سيناء: لا توطين لأي فلسطيني.. وإعادة 3 آلاف إلى غزة قريبا    بطولة الجونة للاسكواش.. تعرف على نتائج مباريات ربع النهائي    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    «زي النهارده».. وفاة الفنان سمير وحيد 25 إبريل 1997    محافظ الإسكندرية يهنئ السفيرة لينا بلان لتوليها مهام قنصل عام فرنسا بالمحافظة    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    مواجهة بين أحد الصيادين ومؤسس حملة "خليها تعفن" تكشف أسباب ارتفاع أسعار الأسماك    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    مظاهرات لطلاب الجامعات بأمريكا لوقف الحرب على غزة والشرطة تعتقل العشرات (فيديو)    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    "سنحولها إلى الجهات الرقابية".. الزمالك يكشف مفاجأة في قضية بوطيب وتحركات لحل الأزمة    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    كاراجر: محمد صلاح ظهر ظلا لنفسه هذا الموسم    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    بعد خسارة الأهلي ضد أويلرز الأوغندي.. موقف مجموعة النيل ببطولة ال«BAL»    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    الأرصاد تُحذر من حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس: درجات الحرارة تصل ل43    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    شراكة مصرية إماراتية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والتقليدية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    في حفل تأبين أشرف عبدالغفور .. أشرف زكي: فقدنا فنانا رسم تاريخه بالذهب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. ومحتكر السلع خبيث    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوبان الذي له وطنان ومملكة موسيقية واحدة
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 01 - 2010

يحمل العام 2010 من جملة ما يحمله من مفاجآت حلوة ومرّة بعض الوقفات والمحطات المؤثرة تزهو بألف لون. إحدى هذه المحطات وطابعها رومنطيقي بامتياز ستغطي بدفئها الضبابي والرومنسي الجميل الكثير من بشاعات متراكمة وأحزان ومصاعب عنوانها العصر الحديث ولغته الصعبة والفضفاضة وكثير من الأزمات المتراكمة: إنها محطة ذكرى والذكرى للمئوية الثانية على ولادة شاب في عائلة بسيطة في بولندا تحديداً، منذ 200 عام، إلاّ أن الشاب الشاحب اللون المصاب بمرض السل منذ سنوات المراهقة الأولى سيترك بصمة في هذا العالم. صحيح أنه سيرحل باكراً عن 39 سنة إلاّ أن هذه الأعوام كانت كافية له ليكون على لائحة الكبار الخالدين: إنه فريديريك شوبان الموسيقي الملهم الذي مرّ في هذا العالم مثل نسمة عليلة. غير أن ما أبدعه بقي مجاوراً للقلب الإنساني على مرّ العصور. وما زال العالم يتذكره ويتفتح لألحانه بقدرة خارقة. تلك الألحان الطالعة من عصارة آلامه وأحلامه. العالم اليوم يتذكر فريديريك شوبان بقوة لأن المناسبة تحرّض على إعادة النظر في حياة الرجل وموسيقاه، وأيضاً على العودة الى جماليات ابتدعها في الموسيقى لم تخفت كما لم تذبل، بل تتجدد وتضيء وتضيف إشعاعاً جديداً كلما قاربناها أو حاولنا استبعادها بحجج الحداثة. فموسيقى شوبان في كل عصر وفي كل حقبة موسيقية كان لها وقعها وكان لها أن تبقى وتستمر وكأنها مصنوعة من قماشة القلب الإنساني ومرويّة بالدمع والدم ومرصودة للانفعال الإنساني الرقيق والشفّاف. وربما ليس كثيراً إن قلنا أن هذا الأمر سيتكرر بعد مئة عام أو مئتي عام أو أكثر. وهذا السر في موسيقى شوبان ربما ليست وحدها الموسيقى التي تشرحه بل أيضاً شخصية شوبان وقلب شوبان ومرضه وإحساسه المرهف والحياة التي عاشها. تلك الحياة المبنيّة كل يوم على رجاء يوم آخر ممكن له أو غير ممكن بسبب المرض الذي كان قاتلاً في زمنه.
يستذكر العالم شوبان هذا العام أو ربما لا يستذكره لأنه لم يبعد يوماً بموسيقاه عن الموسيقى المعاصرة في كل المراحل بل حتى أن عدداً كبيراً من مقطوعاته تمّ اقتباسها وإعادة كتابتها وتوزيعها وتحديثها عبر إدخالها في اختبارات وتجارب موسيقية متنوعة. ومن كل هذه الاختبارات تم التماس المقدار الهائل الذي تتمتع به موسيقى شوبان من محاكاة الإنسان في كل العصور. لذا يمكن القول أن العالم يكرّمه اليوم عبر احتفاليات كثيرة، ولقد اختار عالم الموسيقى العام 2010 ليحمل إسم فريديريك شوبان (1810 1849) الذي كان له وطنان: بولندا وفرنسا غير أنه كانت له مملكة واحدة هي الموسيقى وتحديداً البيانو.
ويجيء التكريم من البلدين، من بولندا حيث ولد ومن فرنسا حيث عاش ومات وستتضمن النشاطات المبرمجة حفلات موسيقية ومعارض ومسرحيات وأفلام وعروض أوبرا وباليه وحفلات موسيقى جاز وبلوز وروك مستوحاة من موسيقى شوبان. لكن أبرز هذه النشاطات ستكون في المهرجان العالمي في بولندا في آب المقبل وعنوانه "شوبان وأوروبا" والثاني هي مسابقة فريديريك شوبان العالمية في رقمها 16 في تشرين الأول المقبل، وهي تقام كل خمس سنوات لكن في هذه السنة ستتخللها حفلات موسيقية وغنائية مميزة. كذلك فرنسا تحتفل على طريقتها عبر نشاطات عديدة أبرزها "اليوم المجنون" بالموسيقى في منطقة نانت وجوارها وبرنامج "كل أعماله على البيانو" و"شوبان الأوروبي" عبر 15 حفلاً ومن أبرز العازفين فيه اللبناني عبدالرحمن الباشا ونيلسن غورنر، ومعرض "النوتة الزرقاء" في "متحف الحياة الرومنطيقية" في باريس و"شوبان، محترف الفنان" في "متحف الموسيقى" في باريس أيضاً.
وإذ يرقد جثمان شوبان في مدافن "بيير لاشيز" الفرنسية، فإن قلبه عاد وحده الى بولندا، موطنه الذي غادره في العشرين من عمره، ويحفظ هذا "القلب" في كنيسة في وارصو، حسب وصيته وكأنه بذلك يعترف بانتمائه الى البلدين جسدياً وعاطفياً.
عن جريدة المستقبل
فشوبان هو من أب فرنسي وأم بولندية، ولد في إحدى ضواحي وارصو بعد ثلاث أخوات في الأول من آذار 1810، وكان الولد الرقيق الشفاف والمرهف الإحساس. كان عليلاً منذ صغره غير أنه كان مغروراً تملؤه الكبرياء ونبل الشخصية التي غالباً ما اعتبرها النقاد موروثة من قبل عائلة امه وهي من سلالة بولندية ارستقراطية. وعندما أدرك شوبان العشرين كان المرض قد تسلل الى صدره وارهقه وكان اعتاد شحوب وجهه وكآبته وحزنه واعتبر بعدها ان موسيقاه صورة عنه وعن حزنه. وفي تلك المرحلة، كانت بولندا قد اصبحت مثل البركان الذي يغلي وسينفجر بسبب الازمات السياسية، فنصحه اصدقاؤه المقربين بالمغادرة لانه يمكن ان يفيد بلده بالموسيقى من بعيد حيث يتعذر عليه المحاربة والدفاع عن الوطن.
كانت مغادرة شوبان وطنه شديدة القسوة عليه لكنه كان يعرف مقدار مرضه وغالباً ما صرح للمقربين منه: "سأحاول ان أمجّد ثورة بلادي وقضيتها بالموسيقى". ومن المعروف ان شوبان تأثر أشدّ التأثير بالالحان الشعبية البولندية التي كانت مصدر إلهام كبير له وهو غالباً ما تحدث عنها واختبر صداها في روحه، فكان أول أعماله يحمل في ثناياه ألحان الحقول والوديان والغابات وصفير الرياح في بولندا وهدوء الثلج والصقيع الذي تقتطعه اصوات الطبيعية من بعيد. كل هذا التأثير الاولى لموسيقى شوبان الشاب المراهق الذي تعاطى مع الالحان وكأنها صدى الروح وحديث القلب المفطور والمتألم والمشتاق.
الغربة
غادر وارصو الى يينا حيث كانت مرحلة قاسية بانتظاره في الوحدة والغربة بعيداً عن الوطن والاهل، فقرر الرحيل الى باريس عاصمة الفن والشعراء والمفكرين ولم تكن المرحلة الباريسية صاخبة بالموسيقى فقط بالنسبة الى شوبان ولكن هذا الفنان المرهف لم يكن يعلم تماماً انه يمثل بموسيقاه تياراً هائلاً يجتاح العالم وبشكل خاص اوروبا اي الرومنطقية. وفي باريس التقى شوبان شعراء وكتاباً وموسيقيين فتعاطف مع اعمالهم واكتشف انه يتجاوب معهم بقوة عبر ذاك الانسجام الهائل مابين الشعر والموسيقى والرواية والمسرح.
ومن اهم من تأثر شوبان بمعرفتهم في باريس الشاعر الفريد دوموسيه، الموسيقى برليوز الشاعر يكتور هوغو كذلك بودلير وبلزاك وغيرهم..
لكن معرفته بفرانز ليست ستكون اساسية وحيث ان ليست كان يُعتبر اعظم عازف بيانو في العالم في ذلك الوقت، لم يتأخر هذا الأخير من ابداء اعجابه الهائل بذاك الفتى الشاب الذي كان بدأ يتعرض للاستغلال والكذب والخيانة من قبل عازفين ضربتهم الغيرة فراحوا يكذبون عليه ويورطونه في قضايا تعرضه للفشل في البروز في العاصمة التونسية. انقذه ليست واحتضن موهبته وراح يقدمه للجمهور الفرنسي وللنقاد وبكل جرأة صدح ذات يوم: "هذا الفتى هو منافسي الاوحد لكن ما هو أهم من المنافسة موهبته الفريدة التي ستجعل منه نجماً تاريخياً.. ". وربطت صداقة متينة بين شوبان وليست فعرّفه هذا الاخير على المجتمع الفرنسي الراقي في فرنسا وجعله ينطلق من قاعدة فنية صلبة.
الشهرة والورود
لم كن الشهرة لتجعل شوبان يغير من نمط حياته الهادئ والفائق الرومنطيقية، كما لم يغير المال من تصرفاته، فهو بعد ان اصبح المجتمع الباريسي بقي يعيش بهدوء ويحيط نفسه بالورود والروائح العطرة وخاصة عطر البنفسج الذي كان يعني له الكثير وبقي يبحث عن الحب الذي خذله اكثر من مرة في بولندا كما في فرنسا. وكان شوبان يميل الى النساء الذين يكبرونه سناً واللواتي يمنحنه الحب والرعاية والامومة في العلاقة حتى وقع اخيراً في حب الكاتبة الفرنسية جورج صاند وكانت هذه العلاقة اساسية في مسار حياته.
جورج صاند او اورو دوبان كانت مثالاً للمرأة المناضلة والساعية الى النجاح والمحبة للحياة بهرت فريدريك الشاب المريض المقبل بنظره كل يوم اكثر الى الموت. وصارت صاند هي صورة الحياة النابضة في حياته وهي الحركة التي لا يقوم بها، وهي القرار الذي لا يقوى على اتخاذه، وهي الصحة أو القوة الجسدية التي حرم منها منذ صغره، فكانت لهما معا سنوات حب مشتركة ورائعة في الانسجام وفي العطاء الأدبي من ناحيتها والموسيقي من ناحيته هو، وكل ذلك في ظل قصرها ودفئه في المنطقة الريفية نوهان حيث عاش شوبان اجمل ايام حياته وأروع قصة حب ولو انها انتهت بقسوة وانفصال قبيل موته بسنتين.
وكل ما كتبه شوبان في الموسيقى بدءاً بعمله الاول ولما يبلغ السبع سنوات وصولا الى آخر مقطوعات له تميز بتلك الشحنة الشاعرية والانفعالية القوية التي تضع المشاعر فوق كل اعتبار والتي تضع القلب الانساني امام آلة البيانو التي لم تعد مع موسيقاه آلة وحسب بل صدى الروح الانسانية. وقد جهد طوال عمله في الموسيقى وطوال عشقه لآلة البيانو لأن يجعل هذه الأخيرة قادرة على ان تكون بديلة من اوركسترا كاملة، فأعطى شوبان البيانو ذاك الحيز الذي لم يفلح غيره في الغوص الى هذا الحد داخل عالمه المغلق الذي فتحه وراح يعثر فيه على نغمات سحرية لم تتوضح الغازها حتى اليوم.
فهي استمرت وتستمر في ممارسة سحرها بقوة وجمالية لا تفسير لها ولا قاعدة موسيقية علمية لهما. وعن هذا السحر في أعمال شوبان كتبت صديقته وحبيبته وملهمته جورج صاند ذات يوم: "لكل اصبع من اصابعه الرقيقة صوت مميز.. فهو يجلس امام البيانو ويحوله الى حياة، حياة حزينة مثل روحه ومثل بلاده البعيدة".
بيانو
كتب شوبان للبيانو مقطوعات خاصة بتلك الآلة كما كتب موسيقى الغرفة والميلوديا وأعطى تسميات بوعي من بلاده لأبرز تلك المقطوعات: "المازوركا" أو "البولوينز" وغيرها، كما كتب "البريلود" و"النوكتورن" ودراسات كثيرة لكل فئة منها، الى جانب أعمال الأوركسترا، وأعمال "الكونشرتو" للبيانو والاروكسترا و"السوناتا" للبيانو، وتختصر أعماله بالأرقام بما يوازي 24 "دراسة" و24 "مقدمة" و13 "فالس" و4 "بالاد" و4 فانتازيا و 11 "بولونيز" و54 "مازوركا"..
مجموعة هائلة نسبة الى جسد ضعيف هزيل يتآكله المرض، لكنها تتناسب والقلب المفعم بالحب والأحاسيس المرهفة.
عاش شوبان سنوات الحب ومن بعدها عذابات الفراق واللوعة وفي كل هذا، عبر بأجمل الألحان عما يمكن ان يحدث في القلب الانساني جراء الحب. وما تركه للعالم من موسيقى بدا وكأنه لغة انسانية لا تاريخ لها ولا مكان يلزمها ولا شيء يحدها، وعبر مئتي عام، جابت موسيقى شوبان العالم وكم رافقت قلوب المحبين والمعذبين، وكم داوت قلوبا مهجورة، مخدوعة، ومتعطشة، وكم خلدت من مشاعر وكم وصفت ما لا يوصف وعبرت عما لا يمكن شرحه بالكلمات.
مع شوبان ومع موسيقاه الأحزان والأشجان وأيضا الأفراح والحب والقلوب الخافقة، اضيفت الى اللغة كلمات ليست من أحرف واضيفت الى المشاعر والقلوب نبضات ليست من لحم ودم وهمسات ليست من حبال الصوت ونغمات هي لربما من ذاك الخافق داخل جسد الانسان الذي ترجم عبر انامل شوبان شيئاً من نبضه الهادر والمكتوم.
فريديريك شوبان الذي شكل مع قلبه من جهة والبيانو من جهة اخرى محوراً ثلاثياً تم من خلاله تبادل الاشارات والألغاز ومن ثم النوتات والمقطوعات عبر الأنامل الأداة، لم يتأخر عند شعوره باقتراب موته بالطلب من شقيقته البكر لودفيكا التي سارعت الى البقاء بجانبه في لحظاته الأخيرة قادمة من وارصو، بأن تطلب من الأطباء تلبية مراده الأخير وهو انتزاع قلبه وأخذه معها الى موطنه عربوناً لوفائه لوطن لم يتمكن من زيارته بعد رحيله عنه قبل 19 عاما، لكن في تلك الحادثة و في ذاك المطلب الأخير من شوبان ما يعبر فعلاً او ما يشرح حقاً موسيقاه التي لخصها هو بنفسه وفي لا وعيه ربما للأجيال من بعده، وكم سهّل شوبان الطريق للاحساس بموسيقاه التي هي ربما وبالمعنى المجازي "تخطيط" للقلب شبيه بذاك الطبي الذي يرسم لوعات القلب وتأوهاته خطوطا ورسوما لذبذبات قد تدعى او توصف على انها مرضي في لغة الأطباء و"عاشقة" شغوفة في لغة شوبان وفي "تخطيطه" السري والغامض من غموض وأسرار الكون.
قالوا عن شوبان
حقيقي
"أنه أكثر فنان حقيقي التقيته في حياتي"
الرسام اوجين دولاكروا.
الكامل
سعدت بأن اجتمعت مجدداً بالموسيقي الكامل شوبان، فهو ليس من انصاف المجددين وانصاف الكلاسيكيين الذين يسعون الى ايجاد شرف الفضائل ولذة الرذيلة في الموسيقى.
فيليكس مندلسن (موسيقي)
فلنرفع قبعاتنا
"فلنرفع قبعاتنا، ايها السادة، لهذا العبقري!"
المؤلف الموسيقي روبرت شومان
صوت بطيء
كان في حالة "موت بطيء طوال حياته".
المؤلف الموسيقي هكتور بيرليوز
اليد اليمنى
"مؤلف موسيقي لليد اليمنى!"
المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر
وحده
"للأسف، ليس هناك سوى شوبان وحده القادر على عزف موسيقاه وعلى اعطائها هذا السحر المميز وهذا الحيز غير المتوقع فيها والذي يعطيها كل هذه الجماليات. فأداء شوبان رخامي فيه الف ايحاء ولا يملك مفاتيح هذه الايحاءات الا هو نفسه. ثمة تفاصيل لا تُصدق في مقاطع "المازوركا" لديه وهو عرف كيف يؤديها باضافة درجة فائقة من النعومة على البيانو".
هكتور بيرليوز
تراجيديا
"بعد ان أعزف مقطوعات شوبان، اشعر وكأنني عشت اخطاء لم ارتكبها، وكأنني بكيت على تراجيديا لم أعشها.
الكاتب اوسكار وايلد
خصلات شعره
"لقد استمعنا الى هذا البولوني الاخير الذي امدنا بموسيقاها من خصلات شعره ومن أطراف أصابعه".
الشاعر ت.أس. اليوت
متردد
"شوبان رجل متردد، وليس مخلصاً بقوة سوى للسعال الذي يرافقه. فهو يسعل بنعمة لا متناهية.
الكاتبة ماري داغو
الغريب
"كان غريباً عن كل دراساتي وعن كل ابحاثي وبالتالي عن كل معتقداتي. وانتابني شعور بأنني انام مع جثة.
الكاتبة جورج صاند
يرتجل
"شوبان يتوقف عن الاصغاء. هو امام البيانو ولا يلحظ ان الجميع يصغي اليه. وها هو يرتجل بالصدفة. يتوقف إذن إذن، انت لم تنته.
دولاكروا
ضوء القمر
انا لم أبدأ بعد، ولا شيء يصل الي... فقط بعض التموجات والانعكاسات التي ترفض ان تثبت. أبحث عن اللون ولا اجد حتى الرسم.
لا يمكن ان تجد الواحد من دون الآخر، وستعثر على الاثنين معاً.
وإذا لم اعثر سوى على ضوء القمر؟
تكون قد عثرت على انعكاس الانعكاس، اجاب موريس (صاند).
الكاتبة جورج صاند.
الميلوديا
"كان دائماً يعمل على تطويل الميلوديا، أو على تحريكها وإظهار عدم وضوحها وكأنها مجرد ظهور فضائي (...) ولا يمكن التغاضي عن قاعدة عدم التوازي التي كان يتبعها.
المؤلف فرانز ليست
السل
ارتقى شوبان بالبيانو الى مستوى إبداعه في خانة الذين يعانون السل الرئوي.
المفكر سيوران
النعمة
حققت موسيقى شوبان هذه النعمة في جمع الفرح العميق مع دموعنا الإنسانية.
البابا بيوس الثاني عشر
وطنه الحقيقي
انه ليس بولونيا، ولا فرنسيا، ولا ألمانياً، انه ينزل من بلاد موزار ورافاييل وغوتيه: ووطنه الحقيقي هو مملكة الشعر.
الكاتب هنري هاينه
ضائع
كان الأمر يبدو وكأنه لوحة لا تنسى حيث هو جالس أمام البيانو وضائع بين أحلامه، ونحن نتأمل كيف ان الحلم الذي عاشه يترجم في يديه على البيانو.
المؤلف الموسيقي روبرت شومان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.