«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوبان الذي له وطنان ومملكة موسيقية واحدة
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 01 - 2010

يحمل العام 2010 من جملة ما يحمله من مفاجآت حلوة ومرّة بعض الوقفات والمحطات المؤثرة تزهو بألف لون. إحدى هذه المحطات وطابعها رومنطيقي بامتياز ستغطي بدفئها الضبابي والرومنسي الجميل الكثير من بشاعات متراكمة وأحزان ومصاعب عنوانها العصر الحديث ولغته الصعبة والفضفاضة وكثير من الأزمات المتراكمة: إنها محطة ذكرى والذكرى للمئوية الثانية على ولادة شاب في عائلة بسيطة في بولندا تحديداً، منذ 200 عام، إلاّ أن الشاب الشاحب اللون المصاب بمرض السل منذ سنوات المراهقة الأولى سيترك بصمة في هذا العالم. صحيح أنه سيرحل باكراً عن 39 سنة إلاّ أن هذه الأعوام كانت كافية له ليكون على لائحة الكبار الخالدين: إنه فريديريك شوبان الموسيقي الملهم الذي مرّ في هذا العالم مثل نسمة عليلة. غير أن ما أبدعه بقي مجاوراً للقلب الإنساني على مرّ العصور. وما زال العالم يتذكره ويتفتح لألحانه بقدرة خارقة. تلك الألحان الطالعة من عصارة آلامه وأحلامه. العالم اليوم يتذكر فريديريك شوبان بقوة لأن المناسبة تحرّض على إعادة النظر في حياة الرجل وموسيقاه، وأيضاً على العودة الى جماليات ابتدعها في الموسيقى لم تخفت كما لم تذبل، بل تتجدد وتضيء وتضيف إشعاعاً جديداً كلما قاربناها أو حاولنا استبعادها بحجج الحداثة. فموسيقى شوبان في كل عصر وفي كل حقبة موسيقية كان لها وقعها وكان لها أن تبقى وتستمر وكأنها مصنوعة من قماشة القلب الإنساني ومرويّة بالدمع والدم ومرصودة للانفعال الإنساني الرقيق والشفّاف. وربما ليس كثيراً إن قلنا أن هذا الأمر سيتكرر بعد مئة عام أو مئتي عام أو أكثر. وهذا السر في موسيقى شوبان ربما ليست وحدها الموسيقى التي تشرحه بل أيضاً شخصية شوبان وقلب شوبان ومرضه وإحساسه المرهف والحياة التي عاشها. تلك الحياة المبنيّة كل يوم على رجاء يوم آخر ممكن له أو غير ممكن بسبب المرض الذي كان قاتلاً في زمنه.
يستذكر العالم شوبان هذا العام أو ربما لا يستذكره لأنه لم يبعد يوماً بموسيقاه عن الموسيقى المعاصرة في كل المراحل بل حتى أن عدداً كبيراً من مقطوعاته تمّ اقتباسها وإعادة كتابتها وتوزيعها وتحديثها عبر إدخالها في اختبارات وتجارب موسيقية متنوعة. ومن كل هذه الاختبارات تم التماس المقدار الهائل الذي تتمتع به موسيقى شوبان من محاكاة الإنسان في كل العصور. لذا يمكن القول أن العالم يكرّمه اليوم عبر احتفاليات كثيرة، ولقد اختار عالم الموسيقى العام 2010 ليحمل إسم فريديريك شوبان (1810 1849) الذي كان له وطنان: بولندا وفرنسا غير أنه كانت له مملكة واحدة هي الموسيقى وتحديداً البيانو.
ويجيء التكريم من البلدين، من بولندا حيث ولد ومن فرنسا حيث عاش ومات وستتضمن النشاطات المبرمجة حفلات موسيقية ومعارض ومسرحيات وأفلام وعروض أوبرا وباليه وحفلات موسيقى جاز وبلوز وروك مستوحاة من موسيقى شوبان. لكن أبرز هذه النشاطات ستكون في المهرجان العالمي في بولندا في آب المقبل وعنوانه "شوبان وأوروبا" والثاني هي مسابقة فريديريك شوبان العالمية في رقمها 16 في تشرين الأول المقبل، وهي تقام كل خمس سنوات لكن في هذه السنة ستتخللها حفلات موسيقية وغنائية مميزة. كذلك فرنسا تحتفل على طريقتها عبر نشاطات عديدة أبرزها "اليوم المجنون" بالموسيقى في منطقة نانت وجوارها وبرنامج "كل أعماله على البيانو" و"شوبان الأوروبي" عبر 15 حفلاً ومن أبرز العازفين فيه اللبناني عبدالرحمن الباشا ونيلسن غورنر، ومعرض "النوتة الزرقاء" في "متحف الحياة الرومنطيقية" في باريس و"شوبان، محترف الفنان" في "متحف الموسيقى" في باريس أيضاً.
وإذ يرقد جثمان شوبان في مدافن "بيير لاشيز" الفرنسية، فإن قلبه عاد وحده الى بولندا، موطنه الذي غادره في العشرين من عمره، ويحفظ هذا "القلب" في كنيسة في وارصو، حسب وصيته وكأنه بذلك يعترف بانتمائه الى البلدين جسدياً وعاطفياً.
عن جريدة المستقبل
فشوبان هو من أب فرنسي وأم بولندية، ولد في إحدى ضواحي وارصو بعد ثلاث أخوات في الأول من آذار 1810، وكان الولد الرقيق الشفاف والمرهف الإحساس. كان عليلاً منذ صغره غير أنه كان مغروراً تملؤه الكبرياء ونبل الشخصية التي غالباً ما اعتبرها النقاد موروثة من قبل عائلة امه وهي من سلالة بولندية ارستقراطية. وعندما أدرك شوبان العشرين كان المرض قد تسلل الى صدره وارهقه وكان اعتاد شحوب وجهه وكآبته وحزنه واعتبر بعدها ان موسيقاه صورة عنه وعن حزنه. وفي تلك المرحلة، كانت بولندا قد اصبحت مثل البركان الذي يغلي وسينفجر بسبب الازمات السياسية، فنصحه اصدقاؤه المقربين بالمغادرة لانه يمكن ان يفيد بلده بالموسيقى من بعيد حيث يتعذر عليه المحاربة والدفاع عن الوطن.
كانت مغادرة شوبان وطنه شديدة القسوة عليه لكنه كان يعرف مقدار مرضه وغالباً ما صرح للمقربين منه: "سأحاول ان أمجّد ثورة بلادي وقضيتها بالموسيقى". ومن المعروف ان شوبان تأثر أشدّ التأثير بالالحان الشعبية البولندية التي كانت مصدر إلهام كبير له وهو غالباً ما تحدث عنها واختبر صداها في روحه، فكان أول أعماله يحمل في ثناياه ألحان الحقول والوديان والغابات وصفير الرياح في بولندا وهدوء الثلج والصقيع الذي تقتطعه اصوات الطبيعية من بعيد. كل هذا التأثير الاولى لموسيقى شوبان الشاب المراهق الذي تعاطى مع الالحان وكأنها صدى الروح وحديث القلب المفطور والمتألم والمشتاق.
الغربة
غادر وارصو الى يينا حيث كانت مرحلة قاسية بانتظاره في الوحدة والغربة بعيداً عن الوطن والاهل، فقرر الرحيل الى باريس عاصمة الفن والشعراء والمفكرين ولم تكن المرحلة الباريسية صاخبة بالموسيقى فقط بالنسبة الى شوبان ولكن هذا الفنان المرهف لم يكن يعلم تماماً انه يمثل بموسيقاه تياراً هائلاً يجتاح العالم وبشكل خاص اوروبا اي الرومنطقية. وفي باريس التقى شوبان شعراء وكتاباً وموسيقيين فتعاطف مع اعمالهم واكتشف انه يتجاوب معهم بقوة عبر ذاك الانسجام الهائل مابين الشعر والموسيقى والرواية والمسرح.
ومن اهم من تأثر شوبان بمعرفتهم في باريس الشاعر الفريد دوموسيه، الموسيقى برليوز الشاعر يكتور هوغو كذلك بودلير وبلزاك وغيرهم..
لكن معرفته بفرانز ليست ستكون اساسية وحيث ان ليست كان يُعتبر اعظم عازف بيانو في العالم في ذلك الوقت، لم يتأخر هذا الأخير من ابداء اعجابه الهائل بذاك الفتى الشاب الذي كان بدأ يتعرض للاستغلال والكذب والخيانة من قبل عازفين ضربتهم الغيرة فراحوا يكذبون عليه ويورطونه في قضايا تعرضه للفشل في البروز في العاصمة التونسية. انقذه ليست واحتضن موهبته وراح يقدمه للجمهور الفرنسي وللنقاد وبكل جرأة صدح ذات يوم: "هذا الفتى هو منافسي الاوحد لكن ما هو أهم من المنافسة موهبته الفريدة التي ستجعل منه نجماً تاريخياً.. ". وربطت صداقة متينة بين شوبان وليست فعرّفه هذا الاخير على المجتمع الفرنسي الراقي في فرنسا وجعله ينطلق من قاعدة فنية صلبة.
الشهرة والورود
لم كن الشهرة لتجعل شوبان يغير من نمط حياته الهادئ والفائق الرومنطيقية، كما لم يغير المال من تصرفاته، فهو بعد ان اصبح المجتمع الباريسي بقي يعيش بهدوء ويحيط نفسه بالورود والروائح العطرة وخاصة عطر البنفسج الذي كان يعني له الكثير وبقي يبحث عن الحب الذي خذله اكثر من مرة في بولندا كما في فرنسا. وكان شوبان يميل الى النساء الذين يكبرونه سناً واللواتي يمنحنه الحب والرعاية والامومة في العلاقة حتى وقع اخيراً في حب الكاتبة الفرنسية جورج صاند وكانت هذه العلاقة اساسية في مسار حياته.
جورج صاند او اورو دوبان كانت مثالاً للمرأة المناضلة والساعية الى النجاح والمحبة للحياة بهرت فريدريك الشاب المريض المقبل بنظره كل يوم اكثر الى الموت. وصارت صاند هي صورة الحياة النابضة في حياته وهي الحركة التي لا يقوم بها، وهي القرار الذي لا يقوى على اتخاذه، وهي الصحة أو القوة الجسدية التي حرم منها منذ صغره، فكانت لهما معا سنوات حب مشتركة ورائعة في الانسجام وفي العطاء الأدبي من ناحيتها والموسيقي من ناحيته هو، وكل ذلك في ظل قصرها ودفئه في المنطقة الريفية نوهان حيث عاش شوبان اجمل ايام حياته وأروع قصة حب ولو انها انتهت بقسوة وانفصال قبيل موته بسنتين.
وكل ما كتبه شوبان في الموسيقى بدءاً بعمله الاول ولما يبلغ السبع سنوات وصولا الى آخر مقطوعات له تميز بتلك الشحنة الشاعرية والانفعالية القوية التي تضع المشاعر فوق كل اعتبار والتي تضع القلب الانساني امام آلة البيانو التي لم تعد مع موسيقاه آلة وحسب بل صدى الروح الانسانية. وقد جهد طوال عمله في الموسيقى وطوال عشقه لآلة البيانو لأن يجعل هذه الأخيرة قادرة على ان تكون بديلة من اوركسترا كاملة، فأعطى شوبان البيانو ذاك الحيز الذي لم يفلح غيره في الغوص الى هذا الحد داخل عالمه المغلق الذي فتحه وراح يعثر فيه على نغمات سحرية لم تتوضح الغازها حتى اليوم.
فهي استمرت وتستمر في ممارسة سحرها بقوة وجمالية لا تفسير لها ولا قاعدة موسيقية علمية لهما. وعن هذا السحر في أعمال شوبان كتبت صديقته وحبيبته وملهمته جورج صاند ذات يوم: "لكل اصبع من اصابعه الرقيقة صوت مميز.. فهو يجلس امام البيانو ويحوله الى حياة، حياة حزينة مثل روحه ومثل بلاده البعيدة".
بيانو
كتب شوبان للبيانو مقطوعات خاصة بتلك الآلة كما كتب موسيقى الغرفة والميلوديا وأعطى تسميات بوعي من بلاده لأبرز تلك المقطوعات: "المازوركا" أو "البولوينز" وغيرها، كما كتب "البريلود" و"النوكتورن" ودراسات كثيرة لكل فئة منها، الى جانب أعمال الأوركسترا، وأعمال "الكونشرتو" للبيانو والاروكسترا و"السوناتا" للبيانو، وتختصر أعماله بالأرقام بما يوازي 24 "دراسة" و24 "مقدمة" و13 "فالس" و4 "بالاد" و4 فانتازيا و 11 "بولونيز" و54 "مازوركا"..
مجموعة هائلة نسبة الى جسد ضعيف هزيل يتآكله المرض، لكنها تتناسب والقلب المفعم بالحب والأحاسيس المرهفة.
عاش شوبان سنوات الحب ومن بعدها عذابات الفراق واللوعة وفي كل هذا، عبر بأجمل الألحان عما يمكن ان يحدث في القلب الانساني جراء الحب. وما تركه للعالم من موسيقى بدا وكأنه لغة انسانية لا تاريخ لها ولا مكان يلزمها ولا شيء يحدها، وعبر مئتي عام، جابت موسيقى شوبان العالم وكم رافقت قلوب المحبين والمعذبين، وكم داوت قلوبا مهجورة، مخدوعة، ومتعطشة، وكم خلدت من مشاعر وكم وصفت ما لا يوصف وعبرت عما لا يمكن شرحه بالكلمات.
مع شوبان ومع موسيقاه الأحزان والأشجان وأيضا الأفراح والحب والقلوب الخافقة، اضيفت الى اللغة كلمات ليست من أحرف واضيفت الى المشاعر والقلوب نبضات ليست من لحم ودم وهمسات ليست من حبال الصوت ونغمات هي لربما من ذاك الخافق داخل جسد الانسان الذي ترجم عبر انامل شوبان شيئاً من نبضه الهادر والمكتوم.
فريديريك شوبان الذي شكل مع قلبه من جهة والبيانو من جهة اخرى محوراً ثلاثياً تم من خلاله تبادل الاشارات والألغاز ومن ثم النوتات والمقطوعات عبر الأنامل الأداة، لم يتأخر عند شعوره باقتراب موته بالطلب من شقيقته البكر لودفيكا التي سارعت الى البقاء بجانبه في لحظاته الأخيرة قادمة من وارصو، بأن تطلب من الأطباء تلبية مراده الأخير وهو انتزاع قلبه وأخذه معها الى موطنه عربوناً لوفائه لوطن لم يتمكن من زيارته بعد رحيله عنه قبل 19 عاما، لكن في تلك الحادثة و في ذاك المطلب الأخير من شوبان ما يعبر فعلاً او ما يشرح حقاً موسيقاه التي لخصها هو بنفسه وفي لا وعيه ربما للأجيال من بعده، وكم سهّل شوبان الطريق للاحساس بموسيقاه التي هي ربما وبالمعنى المجازي "تخطيط" للقلب شبيه بذاك الطبي الذي يرسم لوعات القلب وتأوهاته خطوطا ورسوما لذبذبات قد تدعى او توصف على انها مرضي في لغة الأطباء و"عاشقة" شغوفة في لغة شوبان وفي "تخطيطه" السري والغامض من غموض وأسرار الكون.
قالوا عن شوبان
حقيقي
"أنه أكثر فنان حقيقي التقيته في حياتي"
الرسام اوجين دولاكروا.
الكامل
سعدت بأن اجتمعت مجدداً بالموسيقي الكامل شوبان، فهو ليس من انصاف المجددين وانصاف الكلاسيكيين الذين يسعون الى ايجاد شرف الفضائل ولذة الرذيلة في الموسيقى.
فيليكس مندلسن (موسيقي)
فلنرفع قبعاتنا
"فلنرفع قبعاتنا، ايها السادة، لهذا العبقري!"
المؤلف الموسيقي روبرت شومان
صوت بطيء
كان في حالة "موت بطيء طوال حياته".
المؤلف الموسيقي هكتور بيرليوز
اليد اليمنى
"مؤلف موسيقي لليد اليمنى!"
المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر
وحده
"للأسف، ليس هناك سوى شوبان وحده القادر على عزف موسيقاه وعلى اعطائها هذا السحر المميز وهذا الحيز غير المتوقع فيها والذي يعطيها كل هذه الجماليات. فأداء شوبان رخامي فيه الف ايحاء ولا يملك مفاتيح هذه الايحاءات الا هو نفسه. ثمة تفاصيل لا تُصدق في مقاطع "المازوركا" لديه وهو عرف كيف يؤديها باضافة درجة فائقة من النعومة على البيانو".
هكتور بيرليوز
تراجيديا
"بعد ان أعزف مقطوعات شوبان، اشعر وكأنني عشت اخطاء لم ارتكبها، وكأنني بكيت على تراجيديا لم أعشها.
الكاتب اوسكار وايلد
خصلات شعره
"لقد استمعنا الى هذا البولوني الاخير الذي امدنا بموسيقاها من خصلات شعره ومن أطراف أصابعه".
الشاعر ت.أس. اليوت
متردد
"شوبان رجل متردد، وليس مخلصاً بقوة سوى للسعال الذي يرافقه. فهو يسعل بنعمة لا متناهية.
الكاتبة ماري داغو
الغريب
"كان غريباً عن كل دراساتي وعن كل ابحاثي وبالتالي عن كل معتقداتي. وانتابني شعور بأنني انام مع جثة.
الكاتبة جورج صاند
يرتجل
"شوبان يتوقف عن الاصغاء. هو امام البيانو ولا يلحظ ان الجميع يصغي اليه. وها هو يرتجل بالصدفة. يتوقف إذن إذن، انت لم تنته.
دولاكروا
ضوء القمر
انا لم أبدأ بعد، ولا شيء يصل الي... فقط بعض التموجات والانعكاسات التي ترفض ان تثبت. أبحث عن اللون ولا اجد حتى الرسم.
لا يمكن ان تجد الواحد من دون الآخر، وستعثر على الاثنين معاً.
وإذا لم اعثر سوى على ضوء القمر؟
تكون قد عثرت على انعكاس الانعكاس، اجاب موريس (صاند).
الكاتبة جورج صاند.
الميلوديا
"كان دائماً يعمل على تطويل الميلوديا، أو على تحريكها وإظهار عدم وضوحها وكأنها مجرد ظهور فضائي (...) ولا يمكن التغاضي عن قاعدة عدم التوازي التي كان يتبعها.
المؤلف فرانز ليست
السل
ارتقى شوبان بالبيانو الى مستوى إبداعه في خانة الذين يعانون السل الرئوي.
المفكر سيوران
النعمة
حققت موسيقى شوبان هذه النعمة في جمع الفرح العميق مع دموعنا الإنسانية.
البابا بيوس الثاني عشر
وطنه الحقيقي
انه ليس بولونيا، ولا فرنسيا، ولا ألمانياً، انه ينزل من بلاد موزار ورافاييل وغوتيه: ووطنه الحقيقي هو مملكة الشعر.
الكاتب هنري هاينه
ضائع
كان الأمر يبدو وكأنه لوحة لا تنسى حيث هو جالس أمام البيانو وضائع بين أحلامه، ونحن نتأمل كيف ان الحلم الذي عاشه يترجم في يديه على البيانو.
المؤلف الموسيقي روبرت شومان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.