أثيرت حالة من الجدل خلال الأيام القليلة الماضية، بشأن ما يسمى ب"قافلة الصمود" التي تضم آلاف الأشخاص القادمين من دول المغرب العربي "تونس، المغرب، الجزائر، موريتانيا"، وانطلقوا من تونس إلى ليبيا محاولين الدخول إلى مصر والوصول إلى معبر رفح، بزعم كسر الحصار المفروض على قطاع غزة. والهدف المعلن ل"قافلة الصمود" هو كسر الحصار على غزة، إلا أن الدعاية المصاحبة لهذا التحرك المشبوه تكشف عن نيات خبيثة ومآرب أخرى بعيدة كل البعد عن نصرة غزةوفلسطين، والهدف الأول لها هو تشويه سمعة مصر بإدعاء أنها ترفض كسر الحصار عن غزة، والهدف الثاني هو مساعدة تل أبيب وواشنطن في تمرير مخطط التهجير، وسنسرد خلال السطور التالية الأسباب التي تدفعنا إلى القول بهذه الأسباب. الإخوان في القافلة ولكن، قبل أن ندخل إلى التفاصيل، من المهم الإشارة إلى أن أن قطاعًا كبيرًا من قافلة الصمود ينتمي إلى تنظيم الإخوان الإرهابي، ويكفى أن نلفت النظر إلى ما كتبته النائبة في البرلمان التونسي فاطمة المسدي، عبر حسابها على فيسبوك، إذ قالت: إن الإخوان يسوقون لقافلة صمود على أنها قافلة إنسانية ولكن الهدف الحقيقي هو تسهيل التهجير الناعم للفلسطينيين من غزة. وأضافت المسدي: "لن أزايد على وطنية أي تونسي أو تونسية وكلنا ندعم القضية الفلسطينية، ولكن من واجبي كنائبة أن أضع الإصبع على موطن الخطر، حين يُستثمر هذا التعاطف في مشروع سياسي خطير يتقاطع مع الأجندة الصهيونية". ولفتت النائبة في البرلمان التونسي إلى أن الإخوان اليوم لا يدعمون فلسطين.. بل يُستعملون لتفكيكها، وتحت شعار "فتح معبر رفح"، يسوّقون الاخوان لقافلة كعمل إنساني، بينما الهدف الحقيقي هو تسهيل التهجير المنظّم للفلسطينيين من غزة. ونوهت إلى أن تحويل الفلسطيني من صاحب أرض إلى لاجئ دائم، يُؤجّر له مكان على حدود وطنه، بينما يُترك الاحتلال يرتّب المشهد من الداخل، وهذا المخطط لا يُنفّذ بالقنابل فقط، بل باللافتات الإنسانية أيضًا. وأشارت إلى أن ما تفعله هذه القافلة، عن وعي أو عن غفلة، هو تقديم الغطاء الشعبي العربي لتكريس هذا التهجير الناعم، بدفع الآلاف إلى مغادرة غزة تحت عنوان "الممر الآمن". وأما عمن يقود هذه الحملة، فأكدت النائبة فاطمة المسدي، أنهم الإخوان بجميع فروعهم، الذين يبحثون عن متنفس سياسي، فيُعيدون تلميع أنفسهم عبر بوابة فلسطين، بعد أن فقدوا شرعيتهم في تونس ومصر وسوريا، لكن فلسطين لا تحتاج لوسطاء مأزومين، بل إلى مواقف سيادية وشعوب يقظة. وتابعت "أقولها اليوم بوضوح، كل عبور لا يُؤمّن حق العودة هو مساهمة في التهجير، وكل معبر يُفتح بلا ضمانات وطنية، هو بوابة لتصفية ما تبقى من حلم التحرير، وليست هذه قافلة صمود بالنسبة للإخوان، بل قافلة استثمار سياسي مفضوح، تستعمل الشعور النبيل كأداة لتمرير مخطط خبيث". تحركات موازية ونعود إلى أصل هذا التحرك المشبوه.. فقد صاحبه تحركات موازية عبر رحلات وصلت إلى مطار القاهرة لعدد من الجزائريين والمغاربة أفصحوا عن رغبتهم في الالتحاق بقافلة الصمود، إلى جانب عدد من الأجانب الذين وصلوا إلى الإسماعيلية ومنعتهم قوات الأمن من الوصول إلى رفح ليثيروا الشغب ويحاولون قطع الطريق إلا أن الأجهزة الأمنية تمكنت من التعامل معهم. تشي هذه التحركات المتزامنة عن مخطط يرمي إلى إحداث فوضى داخل مصر.. في ظنهم أن هذا الأمر قد يساهم في خرق الجدار الحدودي والتماسك المصري قيادة وشعبا وجيشا، ضد مخطط التهجير الذي تسعى إليه الولاياتالمتحدة وإسرائيل، بطرد الفلسطينيين من قطاع غزة، إلا أن الرفض المصري الصارم والموقف الصلب للقاهرة كان بالمرصاد، وفقا للإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية على الحدود مع القطاع وبحسب ما أعلنته الأجهزة المعنية في أكثر من مناسبة أن التهجير خط أحمر، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنه لن يحدث على حساب مصر، ولن نشارك فيه. ترحيل من المطار.. وتوقيف في الإسماعيلية حاولت عناصر قافلة الصمود توشيه سمعة مصر، بعد رفض السلطات السماح لهم بالوصول إلى رفح، حيث وصلت مجموعة إلى مطار القاهرة رحلت إلى حيث أتوا، ومنعت مجموعة أخرى عند الإسماعيلية، وبثوا مقاطع فيديو ونشروا على منصات التواصل الإجتماعي مواد دعائية ضد القاهرة. وكانت المجموعة الأبرز والأكثر إثارة للجدل، لم تطأ أرض مصر إلى الآن وهي التي تحركت من تونس إلى ليبيا ووصلت إلى سرت، مرورًا بغرب ليبيا الواقعة تحت حكم عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها. ضوابط الدخول إلى مصر وقبل وصولهم إلى سرت، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أكدت فيه على ضرورة الالتزام بالضوابط المنصوص عليها، وأعربت مصر عن ترحيبها بالمواقف الرسمية والشعبية الداعمة للفلسطينيين في غزة، مؤكدة في الوقت نفسه ضرورة حصول الوفود على الموافقات المسبقة لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية للقطاع. وقالت الخارجية -في بيان، مساء الأربعاء- إن مصر ترحب "بالمواقف الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، الداعمة للحقوق الفلسطينية والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية السافرة والممنهجة بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة" مؤكدة استمرارها في "العمل على كافة المستويات لإنهاء العدوان على القطاع". وأكد بيان وزارة الخارجية على "ضرورة الحصول على موافقات مسبقة لإتمام تلك الزيارات". وبعد ساعات من بيان الخارجية المصرية، أصدرت وزارة الخارجية الليبية بيانا تشدد فيه على ضرورة احترام الضوابط التنظيمية الخاصة بزيارة المناطق الحدودية. التوقف في سرت.. وحقيقة القافلة عند وصول عناصر القافلة إلى سرت، استوقفهم الأمن الليبي كإجراء طبيعي مع أي شخص على أرض أي دولة، ليتحقق من الأوراق الثبوتية وجوازات السفر وكما كان متوقعًا كشفت الداخلية الليبية عن معلومات اكتملت معها الصورة لمن يرغب في الوقوف على الحقيقة الكاملة. قالت الداخلية الليبية في بيان إنها "طلبت من أفرد القافلة إبراز تأشيرات وموافقات من مصر، لكن لم يُقدَّم شيء حتى الآن"، موضحة أن "جوازات سفر بعض أفراد القافلة منتهية، وأخرى على وشك الانتهاء، ولا تتيح لهم عبور أي دولة"، متابعة: "بعضهم لا يملك جوازات أصلًا، ولا نعلم كيف سمحت حكومة الدبيبة بدخولهم من رأس أجدير، بالمخالفة للقوانين الليبية بشأن سريان جوازات السفر". وأضافت الداخلية الليبية أنها "رصدت نبرة عدائية غير مبررة لمنظمي القافلة منذ اللحظة الأولى لوصولهم أطراف سرت"، وأشارت إلى أن "تعليماتها هي السماح بعبور وضيافة كل من يملك تأشيرة على جواز سفر ساري المفعول، تنفيذًا للقوانين المحلية واتفاقيات عبور الأفراد بين الدول، لكننا فوجئنا بأن القادمين لا يملكون أيًّا من هذه المتطلبات". وشددت الداخلية على أنها "لا تسمح بعبور مواطنيها لمصر دون إجراءات، ومصر كذلك لا تسمح بعبور مواطنيها إلينا بالمثل، والجزائريونوالتونسيون ليسوا استثناءً من القوانين المنظمة لحركة الأفراد". يكشف البيان، كيف تردد عناصر قافلة الصمود مفردات كانت تستخدمها التنظيمات الإرهابية في توصيف الدول والمؤسسات التي ترفع ضدها السلاح مثل "طواغيت" و"أعداء الله"، إلى جانب النبرة العدائية في حديثهم وهو أمر يخالف القوانين والأعراف التي تتبعها أي دولة في التعامل مع الوافدين والمواطنين أيضًا. قبل وصول قافلة الصمود إلى سرت، كانت الدعاية والتشويه من نصيب مصر فقط، رغم أنهم لم يصلوا إليها بعد، ولكن عند سرت تفرقت الحناجر وانقسمت في كيل السباب إلى مصر وليبيا على السواء، وعادوا يرددون بعض الشعارات والعبارات المسيئة. الدبيبة بين التهجير والتطبيع لكن الأمر المستغرب أن بعض القائمين على القافلة أو المنخرطين فيها يرددون بلا وعي أو فهم، العبارت التي تكشف عن أغراضهم، وغافلين أنهم مروا بغرب ليبيا الواقعة تحت سيطرة عبد الحميد الدبيبة الذي أشير له من قبل بأنه يعتزم استقبال مليون فلسطيني من غزة في ليبيا مقابل الإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة منذ 10 سنوات، لمساعدة الاحتلال في تنفيذ مخطط التهجير. الأمر الآخر أن الدبيبة كان في طريقه للتطبيع مع إسرائيل، حيث فضحته نجلاء المنقوش الهاربة إلى تركيا والتي كانت تتولى منصب وزيرة الخارجية الليبية حتى قبل لقائها بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، وهو اللقاء الذي تسبب في تصاعد الغضب ضدها لتهرب إلى اسطنبول وتصرح فيما بعد أن لقاءها كان بتكليف وعلم من الدبيبة. وأكدت المنقوش في لقاء تلفزيوني يناير 2025 أن لقاءها مع نظيرها الإسرائيلي آنذاك إيلي كوهين في أغسطس 2023 في روما، كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة، وقالت إنها ناقشت معه عددًا من القضايا الأمنية الحساسة التي تهم استقرار ليبيا وفقًا لما كُلفت به. وأشارت إلى أنها "لم تكن طرفًا في الترتيب لأجندة الاجتماع مع كوهين، وإنما الحكومة هي التي رتبت، وأنا دوري كان إيصال الرسائل إلى الجانب الإسرائيلي". الدبيبة الموافق على التهجير والساعي إلى التطبيع أعلن انضمام ليبيا رسميا إلى "قافلة الصمود"، زاعمًا أن هذه الخطوة تأتي تأكيدا على موقف ليبيا الثابت تجاه القضية الفلسطينية. الوفد الأوروبي إلى تونس وتتألف قافلة الصمود، من عدد كبير من التونسيين، الذين حرصوا على شن هجوم على مصر حتى قبل مغادرتهم بلادهم، وأبدوا اعتراضهم على أي إجراء تتخذه مصر لحفظ أمنها والتحقق من الأشخاص الراغبين في الوصول إلى أراضيها، زغم أن هذا أمر بديهي وحق لأي دولة تمارسه وفقًا لسلطتها على أي شخص يرغب في الولوج إلى أراضيها وهو حق مارسته من قبل تونس على وفد أوروبي أطلق انتقادات ضد المسئولين في البلد المغاربي. ففي سبتمبر 2023 منعت تونس وفدًا من البرلمان الأوروبي من دخول أراضيها بعد انتقادات من نوّاب أوروبيين لاتفاق الهجرة المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتونس. وأبلغت وزارة الخارجية التونسية بعثة الاتحاد الأوربي بتونس، أن وفد لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي غير مُرحّب به في تونس، بعد أن أعلن عن نيته القيام بزيارة إلى تونس، ومقابلة عدد من ممثلي الأطراف السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، في ظل انتقادات سياسية حادة وجهتها اللجنة وممثلو الأحزاب اليسارية الأوروبية. تركيا وسفينة الضمير وبعيدًا عن كل هذه الأمور، وبالعودة إلى آواخر العام الماضي 2024 وتحديدا في شهر سبتمبر نكتشف أن تركيا رفضت السماح لسفينة "الضمير" بالإبحار إلى غزة، لتوصيل المساعدات الإنسانية لأهل القطاع. وناشد عدد من النشطاء السلطات التركية بالسماح للسفينة بالإبحار، ولكن في النهاية فشلت مساعيهم في إثناء أنقرة عن هذا القرار ولم نشهد أي تصعيد ضد تركيا ولم تتهم بأنها تحمي الكيان وتحاصر وتجوع غزة. *** هل يمكن بعد كل هذا أن تكون هذه القافلة داعمة للحق الفلسطينى، بينما تؤكد كل الشواهد أنها خنجر فى قلب القضية الفلسطينية؟.