الفن المحلي الذي يفرض نفسه في كل القارات تتم صياغته وفق أسس علمية من خلال موهبة حقيقية مصقلة بدراسة متقنة يكون فناً عالمياً تستطيع أي فرقة في دول العالم من أداته وتقبل عليه الجماهير بشغف في كل أرجاء الدنيا.. كل هذه الصفات تنطبق علي باليه "زوربا" الذي في الإطار المحلي يمثل اليونان. ومن المنطلق العالمي تؤديه فرقة باليه أوبرا القاهرة ويعد من عيون رصيدها الفني ومن أكثر عروضها تحقيقاً للإيرادات بدليل أن الأيام الثلاثة التي عرض فيها مؤخراً علي المسرح الكبير حقق حوالي 540 ألف جنيه وبنسبة مشاهدة 100%. باليه "زوربا" تعرفنا عليه في مصر لأول مرة عام 2000 حينما زارتنا فرقة باليه أوبرا اليونان القومي. أما أداء فرقتنا المصرية له فكان عام 2004 عندما انتجته دار الأوبرا المصرية. تيودراكس باليه "زوربا" من مؤلفات اليوناني ميكس تيودراكس الذي يعد من القلائل الذين لهم دور بارز في نهضة الموسيقي في بلاده وانتشارها في كل أنحاء العالم وطبق عليه صفة العالمية بكل ما تمثل به هذه الكلمة من معني وهو غزير الإنتاج له أكثر من 1000 أغنية وله أكثر من 30 عملاً سيمفونياً و5 أوبرات وعدد كبير من الموسيقي التصويرية للمسرحيات والأفلام. ومن أشهر أعماله الشبابية موسيقي فيلم "زوربا اليوناني" الذي تم إنتاجه عام 1964 عن قصة نشرت في نفس هذا العام وبنفس العنوان للمؤلف اليوناني "نيكوس كازانتاكيس" وموسيقي هذا الفيلم تضمنت رقصة "السيرناكي" التي تعزفها آلة البزق اليونانية الشعبية وقد انتشرت وأصبح الشباب يرقصونها في كل أنحاء العالم.. في عام 1988 تم تقديم العمل كباليه علي نفس القصة في مسرح أوبرا "فيرونا" بإيطاليا بعد أن اختار تيودراكس مقتطفات من أعماله من بينها موسيقي فيلم "زوربا" وقام بالتوزيع الاوركسترالي لها وكان التصميم للمصمم "لوركاماسين" وقاد تيودراكس العمل بنفسه وحقق نجاحاً كبيراً وطاف به معظم بلاد العالم من بينها مصر. القصة باليه "زوربا" من فصلين وتدور أحداثه في إحدي القري اليونانية عن قصة جون السائح الأمريكي الذي وصل إلي القرية ولكن أهل القرية يرفضون الاختلاط به خاصة بعد ان قامت علاقة حب بينه وبين الأرملة "مارينا" التي يحبها الشاب "يورجوس" ثم يظهر زوربا وهو شخص غريب عن القرية ملئ بالحيوية لا يؤمن بشئ سوي الحرية ويصبح صديقاً لجون ويعلمه المعني الحقيقي للحياة وهو أن نحياها ونستمتع بها علي الجانب الآخر تظهر شخصية مدام أورتانس وهي فنانة عجوز تحب زوربا وتحلم بأنها تتزوجه ومن ناحية أخري الشاب يورجوس يحرض أهل القرية علي السائح جون وتحدث مشاجرة كبيرة تموت فيها حبيبته مارينا وكادوا يفتكوا به لولا إنقاذ زوربا له- أما مدام أورتانس فتمرض وتموت بعد أن تكتشف أن زوربا لن يتزوجها ويحزن زوربا ويشعر باليأس ولكن جون يسعي لأن يخرجه من حزنه بالتعاليم الذي سبق أن علمها له ويختتم الباليه برقصة "السيرناكي" اليونانية الشهيرة وينضم إليها أهل القرية.. والعمل كما شاهدناه تضافر علي نجاحه عدة فرق حيث قدمته الفرقة بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة وكورال الأكابيلا وصوت الميتزوسبرانو غادة خميس أي أنه عمل يجمع بين الرقص والغناء والموسيقي في وحدة متكاملة قادها بذكاء واقتدار المايسترو المصري المجتهد نادر عباسي. العمل يبدأ بغناء من مجموعة الكورال الرجالي وعلي رقصة فردية ثم تبدأ رقصة جماعية بأسلوب واقعي يعتمد علي دق كعوب الأحذية ويشتد النغم رويدا رويدا حين يشترك الكورال النسائي الذي يقف علي شمال القائد ثم يأتي مشهد دخول "زوربا" الذي يعد من أجمل المشاهد لما به من حركات مبتكرة علي المستوي الفردي والجماعي وكلتاهما تستند إلي رقصات شعبية خاصة باليونان. ثراء نغمي تحقق في الباليه وحدة نسيج نادرة وبه ثراء نغمي أحدثه بدون شك غناء الكورال الذي صاحب معظم الأحداث والذي يستحق أعضائه التحية وكذلك مدربته "مايا جينيريا" ولقد نجح المايسترو نادر عباسي قائد هذا العمل في إحداث التوازن المطلوب بين مجموعتي الكورال والعازفين والراقصين والمغنية "المينزوسبرانو" واستطاع أن يقدم هذه الموسيقي التعبيرية الدرامية التي كتبها تيودراكس ببراعة اتضحت في المزج بين الكتابة السيمفونية والموسيقي الشعبية والقدرة الفذة علي توظيف الكورال وصوت المينزوسبرانو لتدعيم الدراما بلغة موسيقية تظهر منها تأثيرات أسلوب سترافنسكي خاصة في الايقاعات والهارمونيات وقد ظهر أيضا في العمل الطابع الشرقي حيث استخدم بعض الضروب الايقاعية مثل المصمودي الصغير انه عمل موسيقي رائع يحسب للعباسي تقديمه بهذه الدقة والجمال خاصة أن الموسيقي درامية تعبر عن الأحداث. براعة الراقصين أما راقصي الفرقة فقد اتيح لي أن أشاهد العرض الختامي فقط والذي لعب البطولة فيه هاني حسن أحد نجوم الفرقة المصرية وأدائه المتميز لدور "زوربا" الذي صنع نجوميته فهذا الراقص بالاضافة لإتقانه الحركة وسرعته علي المسرح إلا أن لديه قدرة تمثيلية وتعبيرية كبيرة وأيضاً سمات شخصية خاصة به ميزت أدائه وجعلته يتقمص شخصية "زوربا" بحيث لا يتخيل المتفرج أنه شخص آخر وهذا يدل علي أنه فهم الشخصية ودرسها دراسة جيدة بالاضافة لمهارته وخبرته في الأداء الحركي كما ان له حضوراً مسرحياً وقدرة علي التفاعل مع جمهور الصالة وهناك ملاحظة أن ملامحه تشبه اليونانيين.. شارك هاني في البطولة أحمد نبيل الذي أيضاً ملامحه الرقيقة ساعدته علي تقمص الشخصية الرومانسية التي يلعبها في دور "السائح جون" كما انه نجح أيضاً في التعبير عن الحزن والفرح وكان موفقاً في الرقص الفردي والثنائي مع زوربا ومع "فارينا" التي أدت دورها ببراعة الراقصة "فيرا كراييفكو" أيضاً نجح عمرو فاروق في إيضاح الشر في دور "يورجوس" أما زينب حسن فهي ممثلة قديرة استطاعت ان تتنزع الضحك والبكاء في آن واحد من الجمهور وعموماً العامل المشترك بين السولسيت وجميع أعضاء الفرقة المهارة الواضحة في التكتيك الحركي. العمل به مشاهد تم أدائها بجمال وتكامل وصعب ان تغادر الذاكرة مثل مشهد المشاجرة ومشهد "الحلم" وأخيراً رقصة السيرتاكي التي يختتم بها العمل وتجعل الصالة تشتعل بالتصفيق ويتم إعادتها أكثر من مرة بناء علي رغبة الجماهير. أمنية الأمنية ان يكون لدينا عمل مصري علي نسق هذا العمل اليوناني تقتحم به دول العالم فهذا الباليه وموسيقاه درس للمسئولين عن الفنون الرفيعة للسعي لإنتاج عمل ينبع من محليتنا ويستلهم تراثنا الحضاري المتنوع.