بدت مصر لأول مرة عارية بلا أي غطاء يستر عورتها، بعد أن تم نزع الرداء عنها وظهرت عورتها أمام الأعداء والأصدقاء، فقد كشفت حكومة الجنزوي عن وجهها القبيح، وتحول خير أجناد الأرض إلى شىء آخر لايفرق بين العدو والصديق، وبدت الشرطة العسكرية أشد وطأة وأكثر إيلامًا على الشعب من الشرطة المدنية، وعاد الفلول يمارسون هوايتهم في هدم وتدمير الوطن بعد أن أصبح الوطن مطية يتخطفها العابثون. وأصبحت الفرصة سانحة للمندسين وضعاف النفوس للقيام بمهامهم. فقد كشفت الأحداث الأخيرة أن حكومة الدكتوري الجنزوي أعادت إلينا الكذب والاستخفاف بعقول الناس بدلاً من أن تعيد لنا عجلة الانتاج، حيث ظل الجنزوري يكذب مايراه على شاشات التلفزيون في أحداث شارع مجلس الوزراء باستثناء التليفزيون المصري الذي لاينقل سوى جزء من الحقيقة على طريقة لاتقربوا الصلاة، ويؤكد عدم استخدام العنف والإيذاء حتى ولو بالكلمة، بينما كانت الدماء تسيل في الشارع، وكأن أوامر عكسية صدرت للجنود على الأرض، كما كان يحدث في عهد الوزارة الأولى للجنزوي ومن على شاكلته، فكانوا يقولون كلاماً معسولاً ويذيقون الناس أفعالاً مريرة. أما الشرطة العسكرية فقد انتقلت إليها العدوى من وزارة الداخلية وأثبتت أن المسافة الفاصلة بينهم ليست كبيرة، فكلاهما لا يتوان عن قتل المصريين وإيذاء المتظاهرين، ولم يتعلم حتى الآن كيف يتم فض تظاهرة دون قتل، كما يحدث في كل دول العالم المتقدمة. وفي الوقت الذي تحترق فيه مصر ظل المجلس العسكري كعادته مع كل الاحداث جالس في صفوف الجماهير وكأنه يتابع أحدث في دولة أخرى، ولايبدأ التحرك إلا بعد أن ترتوي الارض بالدماء، فبدلاً من التحرك الفوري لوقف العنف وإنقاذ الموقف، يترك الوقت للمندسين والفلول لتخريب مستقبل مصر وحرق تاريخها، ولكن هذه المرة لم يكن التخريب على يد الفلول والمندسين فقط، بل انضم إليهم بعض الجنود وذهبوا يعتلون أسطح المباني الحكومية الواقعة تحت حراسة زملائهم وأخذوا يقذفون بكل ماطالته أيديهم وعندما لايجدون شىء يقذفون به لايتوانون عن التبول فوق المتظاهرين في مشاهد خارج إطار الانسانية. لقد رسبت حكومة الجنزوي في أول اختبار، ويبدو أنها لن تنجح في اختبار الإعادة، فقد رسبت مرات كثيرة في عهد مبارك، حتى ارتدى الجنزوي جلباب الراحة المنزلي وأيقن أنه اختفى عن الأضواء إلى غير رجعة، ولولا الثورة ما عاد للأضواء والتحكم في مصير الوزراء على طريقة مبارك، كما قال في مؤتمره الصحفي، ولكنه سرعان ما نسى أصحاب الفضل في إعادته للأضواء وعاد يمارس عادته القديمة في خداع الناس. المجلس العسكري لم يكن بأحسن حال من الجنزوي فلم يتعلم من أخطائه، فقد رسب في اختبار مسرح البالون وشرب كأساً مريراً في ماسبيرو ترك الشرطة تنكل بالشباب في محمد محمود، حتى قام هو بالمهمة نيابة عنها في شارع مجلس الوزراء. فلا أحد يعرف حتى الآن مصير التحقيقات ومن المتهم في كل الأحداث ومن الذي يشعل البلاد، من الذي يحرك البلطجية، من الذي يعطل المحاكمات، ومن الذي يعمل على إفشال الثورة وقتل طموح المصرين والانتقام منهم، مَن الطرف الثالث الذي يتحدث عنه ليل نهار، وماهي رائحة الفلول القادمة من طرة؟، حتى جاءت الانتخابات البرلمانية وكشفت أن كل هذه الأحداث تدار ب"الريموت كنترول"، فقبل الانتخابات بيومين كانت البلاد تعج بالفوضى الأمنية وفي أيام الانتخابات اختفى البلطجية، مما يطرح العديد من التساؤلات حول الأيدى الخفية التي تحرك الأمور، إذا كان المجلس العسكري يعلم هوية كل هؤلاء العابثين بالوطن فيجب أن يعاقب مرتين، على صمته، وعلى عدم تحمله مسؤوليته، وإذا كان لايعلم فالمصيبة أشد وأعظم.