لكارثة ماسبيرو جوانب انسانية وسياسية أليمة، ومخاطر تهدد سلمية الثورة وتنذر بفوضي سيخرج كل أبناء مصر منها خاسرين، وأحد جوانب ما حدث في ماسبيرو يتعلق بفشل الحكم الجديد في ادارة ازمة بناء الكنائس وما يسفر عنها من مظاهرات واحتجاجات يكفلها القانون، وشرط أن لا تتحول إلي فوضي أو تقطع الطرق وتضر بالخدمات العامة للمواطنين مسلمين ومسيحيين. لن أناقش كيف تحولت المظاهرات السلمية امام ماسبيرو إلي حرب شوارع، ومن بادر باطلاق الرصاص او الدهس فحتي الآن لاتتوافر معلومات موثقة أو تصدر اللجنة المكلفة بالتحقيق في الاحداث تقريرها، لكن ما يهمني هو كيفية إدارة الازمة، وهنا يمكن القول إننا إزاء نموذج متكامل للفشل في إدارة الازمة، يتحمل مسئوليته خمسة أطراف هي الحكومة و المجلس العسكري والكنيسة والاحزاب وقوي المجتمع المدني، وبطبيعة الحال تختلف الاوزان النسبية لنصيب كل طرف من المسئولية، بحسب نصيبة من السلطة والمعلومات والامكانيات المتوافرة له. أول مظاهر فشل الاطراف الخمسة في إدارة الازمات يرتبط بغياب المعلومات الدقيقة وتجاهل اشارات الخطر ونذر الازمة، والبطء في التحرك، فقد استهان الجميع بما حدث ولم يهتموا بالتوصيات التي انتهت اليها لجنة تقصي الحقائق عن أحداث كنيسة الماريناب وأهمها إقالة محافظ اسوان ومحاكمة المحرضين وبناء الكنيسة علي نفقة الدولة، كما لم يهتم اطراف الازمة بتوفير معلومات دقيقة أو الحوار من اجل احتواء الازمة قبل أن تنفجر. ثاني مظاهر الفشل ان الاطراف الخمسة اعادت تقريبا انتاج سلوكها في ازمات التوتر الطائفي قبل وبعد الثورة، فالحكومة والمجلس العسكري اعتمدا الحلول الامنية وجلسات الصلح العرفي، بدلا عن الحلول القانونية والسياسية، ولم يبادرا بفتح حوار مع قيادات الكنيسة أو اطراف المشكلة وتركوا الأمر لمحافظ أسوان الذي تنقصه الخبرة السياسية وثبت فشله في إدارة ازمة مطالب ابناء النوبة، اما بعض قيادات الكنيسة ونشطاء الاقباط فقد اعادوا نفس سلوكهم اثناء ازمة كنيسة صول، وقرروا التظاهر والاعتصام امام ماسبيرو ظنا منهم ان هذا السلوك سيمكنهم من تنفيذ مطالبهم، اما الاحزاب وقوي المجتمع المدني فقد كانت غائبة عن كارثة ماسبيرو وتماما كما كان حالها في ازمات التوتر الطائفي السابقة. اما ثالث مظاهر فشل إدارة ازمة ماسبيرو التي تحولت إلي كارثة فهي الادارة برد الفعل كنتيجة طبيعية للبطء وعدم المبادرة بمواجهة المشكلات وبالتالي تنفجر الازمة، وتكون كل الاطراف مفاجأة بما يحدث منفعلة ومرتبكة ومترددة، فالقرارات لاتصدر عن رؤية أو خطة أو أهداف محددة وانما هي مجرد اجتهادات متسرعة تغلب عليها العاطفة. اما الحكومة فقد انتظرت لساعات بدت طويلة ثم قدم شرف بيانا جاء في مجملة ادني كثيرا من خطورة الاحداث وجسامة التهديدات فالبيان لم يطرح مبادرات أو افكار جديدة وركز علي فكرة التآمر ضد الثورة .. يبقي المظهر الرابع للفشل في إدارة الازمة متمثلا في عدم التعلم والاستفادة من الازمات، حيث قدمت تفسيرات اللأزمة تعتمد علي خطاب تقليدي سبق في أزمات الفتنة الطائفية، فقبل اجراء اي تحقيق في أحداث ماسبيرو جري الترويج إعلاميا لوجود مؤامرة تحركها قوي داخلية وخارجية، ومندسون بين صفوف المتظاهرين، وفلول للحزب الوطني.. وهنا لابد من تحديد عناصر المؤامرة و الدول والاطراف المشاركة في كل احداث العنف والتوترات الطائفية التي ضربت مصر بعد الثورة يمكن التعامل معهم. ولابد من محاكمة المتورطين واعتماد أعلي درجة الافصاح والشفافية حتي يعرف الشعب من معه ومن ضده، وحتي لاتطلق الاتهامات جزافا فتصيب الابرياء بينما المجرمين طلقاء يعبثون بأمن الوطن.